وفيما لم يُعرف بعدُ الموعد الدقيق للإعلان عن خطة الرئيس الأميركي الحالي للسلام، اعتبر المسؤولون الثلاثة أن التحدي الأكبر الحالي بالنسبة للبيت الأبيض يكمن في طريقته لتسويق "الصفقة"، كي لا تُعلن ميتة مع إعلانها.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الإدارة الأميركية تخطط فقط للإفصاح عن خطتها للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على أمل أن تضغط هذه الخطة-الوثيقة على الفلسطينيين، الذين لا يزالون غاضبين من إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، للجلوس إلى طاولة المفاوضات. أما العقبة الثانية، فتتمثل في الوضع السياسي الإسرائيلي المائع، حيث من الممكن أن يدعو رئيس وزراء سلطات الاحتلال إلى انتخابات مبكرة، للالتفاف على تهم الفساد التي تحاصره. ويقول المحللون، كما تنقل الـ"نيويورك تايمز"، إن المشاكل الداخلية لنتنياهو ستجعله أقل ميلاً لتقديم "التنازلات" للفلسطينيين، لأن ذلك سوف يؤجج غضب القاعدة الشعبية اليمينية المتطرفة.
لكن، بحسب الصحيفة الأميركية، فإن وتيرة العمل السريعة في هذا الإطار داخل البيت الأبيض، تنبئ بأن ترامب سوف يكشف قريباً جداً عن خطته بشكل مفصل، بغض النظر عن العراقيل السياسية. وقال أحد مساعديه، مشبهاً هذه الخطة بتطبيق الملاحة البرية "وايز"، الذي طوره الإسرائيليون، لتخطي زحمة السير، إنها تهدف إلى مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على "تخطي الأفخاخ والخروج من عنق الزجاجة" للوصول إلى اتفاق سلام.
وفيما يرى الرئيس الأميركي الوجهة النهائية كـ"الصفقة القصوى"، يعتبرها بعض المحللين أنها "القضية الخاسرة القصوى". علماً أن جهود ترامب للسلام الإسرائيلي الفلسطيني، تتزامن مع محاولته معالجة ملفٍ مستعصٍ آخر، وهو برنامج كوريا الشمالية النووي، معلناً أخيراً عن قبول دعوة للقاء زعيم الشمال الكوري، كيم جونغ أون، في وقتٍ لم يحدد خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
ولوضع الأسس لخطته في الشرق الأوسط، يقيم البيت الأبيض، غداً الثلاثاء، مؤتمراً لمناقشة سبل تخفيف الأزمة الإنسانية في قطاع غزة المحاصر. ولكن السلطة الفلسطينية أعلنت، يوم السبت الماضي، مقاطعتها لهذا الاجتماع.
وفيما رفض المسؤولون الأميركيون مناقشة بنود "صفقة القرن"، حفاظاً على خط السرية الذي اتبعوه منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض، إلا أنهم قالوا إن الخطة "لن تشتمل على مجموعة مبادئ توجيهية، كمبادرة السلام العربية، التي تبنتها الجامعة العربية في عام 2002". فمثلاً، لن تدعو خطة ترامب إلى حلّ الدولتين كأحد أهدافها، رغم أنها ستضع وصفةً لخريطة طريق تقود إلى هذا الحل. كما أنها لن تدعو إلى "حلّ عادل" لقضية اللاجئين الفلسطينيين، لكنها ستعرض خطوات للتعامل مع هذا الملف.
وتحدث مساعدو ترامب، بحسب "نيويورك تايمز"، عن وثيقة من صفحات عدة، تقترح حلولاً لجميع نقاط الخلاف: الحدود، الأمن، اللاجئين، ووضع مدينة القدس. وهم يتوقعون أن كلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين، سيجدون أموراً في الخطة ستعجبهم، وأخرى سيعارضونها.
وقالت "نيويورك تايمز"، نقلاً عن المسؤولين، إن زمن مقاربة الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، على طريقة جورج بوش الابن، وبيل كلينتون، وباراك أوباما، والتي تقوم على تجنب تخطي الخطوط العريضة، في أي صفقة، قد ولى.
ولم يكن مساعدو دونالد ترامب الذين أعدوا خطته للسلام، وهم صهره جاريد كوشنر، والمبعوث الأميركي لعملية التسوية جاسون غرينبلات، وسفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل دافيد فريدمان، أي خبرة في الدبلوماسية عندما تسلّموا مهامهم. ويقول المسؤولون الذين تحدثوا لـ"نيويورك تايمز" إن أحداً خارج إدارة ترامب لم ير الوثيقة ــ الخطة، رغم أن كوشنر وغرينبلات وفريدمان اجتمعوا لبضع ساعات مع نتنياهو خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، وقبل يوم واحد من لقائه الرئيس الأميركي.
وعلى الرغم من أن نتنياهو قال أمام مجلس وزرائه المصغر "لا خطة سلام أميركية ملموسة معروضة على الطاولة"، إلا أن ترامب لا يزال يبدو ملتزماً بما يُعده. ولا سيما أنه لدى استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي، أكد أنه لا يزال يملك حظوظاً جيدة "للخروج بصفقة"، معتبراً أن الفلسطينيين "يرغبون بشدة في العودة إلى طاولة المفاوضات".
ولكن بحسب "نيويورك تايمز"، فإن ما قاله ترامب "لا أدلة كثيرة لإثبات صحته". فبعد إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل، وتسريع وتيرة التحضير لنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إليها، أضاعت الولايات المتحدة دورها كوسيط للسلام ذات مصداقية، برأي الفلسطينيين. والدبلوماسيون العرب، من جهتهم، يقولون إن قرار ترامب الأخير جعلت مهمتهم لإقناع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالعودة إلى طاولة المفاوضات صعبة، بسبب الغضب الشعبي الذي قد يتأجج داخل دولهم.
وذكّر تقرير الصحيفة الأميركية بالمشكلات الأخيرة التي واجهها أيضاً جاريد كوشنر، والتي أثارت تساؤلات حول دوره كمستشار كبير داخل البيت الأبيض.
وقال المسؤولون الثلاثة إن تخفيف المعاناة الإنسانية في غزة مهم لمبادرة السلام، لكن بالنسبة لإدارة ترامب، فإن السوال الأكثر إلحاحاً هو حول إمكانية تصالحه مع الفلسطينيين.
ورغم غياب مسؤولين عن السلطة الفلسطينية في المؤتمر حول غزة غداً، إلا أن مساعدي ترامب يقولون إنهم لم يفقدوا الأمل في عودة الفلسطينيين. لكنهم يعترفون أنه ربما لن يكون أمامهم خيار سوى الإعلان عن "صفقة القرن" رغم هذا الخلاف الكبير، ويتمسكون بأمل ألا يتم رفض هذه "الصفقة"... بمجرد استلامها.