وفي السياق، قال الناشط الحقوقي المصري طارق حسين، المقيم حالياً خارج مصر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه اعتقل ثلاث مرات سابقة في فترات مختلفة، وإنّ "فكرة المشاركة في أي حراك سياسي، قولاً أو فعلاً، تعتمد بالأساس على القناعات الشخصية بجدواه، ومدى تأثيره في الوضع القائم". وأضاف أنّ "بعض النشطاء يحاولون جاهدين استعادة حياتهم الطبيعية قبل تحولهم إلى نشطاء معروفين، لكنهم يدركون أنهم واهمون، فالنظام القائم لا يترك فرصة لأحد، والجميع مهددون سواء سكتوا أو تكلموا". وتابع "لكننا لسنا أمام ظاهرة منتشرة، فبعض الأشخاص خرجوا من السجون ليواصلوا الحديث عن الشأن العام، أو العمل الحقوقي والسياسي، وآخرون قرروا الصمت، وذلك ليس بالضرورة تسليماً بالأمر الواقع، أو موافقة على ممارسات السلطة، وإنما هناك أسباب متعددة، بينها أن البعض غير مطمئن للنتائج، والمشكلة تكمن في من يتهمون المحتجين بالمسؤولية عن موجة الاعتقالات الأخيرة، فاللوم يقع دائماً على الضحية، وليس على الجلاد".
وأعرب حسين عن اعتقاده أنّ "جميع من قرروا رفْع الصوت يدركون عواقب اختيارهم، وبالتالي لا أعتقد أن ما يحصل سيدفعهم إلى السكوت، خصوصاً بعد اعتقال أشخاص توقفوا نهائياً عن أي نشاط. وفي الجانب الآخر، فإن هؤلاء الذين قرروا اعتزال العمل بالسياسة، أو الإحجام عن التعبير عن رأيهم، قد يجدون أنفسهم مضطرين لرفع الصوت لأن السكوت لن يحميهم".
من جهته، قال ناشط سياسي آخر، طلب إخفاء هويته لأسباب أمنية كونه داخل مصر، إنّ "القبضة الأمنية أصعب من كل ما يمكن أن يتصوره أحد، وظهور محمد علي زادها، ففي 2013 و2014 كانت الأمور أكثر عقلانية، وكانت الضغوط الداخلية والخارجية شديدة، وكان هذا يسمح بنوع من التحرك الحذر". ولفت إلى أن "غالبية التحركات أو المشاركات أو حتى التصريحات التي كان ممكناً فعلها في تلك الفترة غير ممكنة حالياً، وربما تؤدي إلى الاعتقال. وكل النشطاء المعروفين يدركون جيداً أنهم تحت المراقبة، وأن السلطة تتحيّن الفرصة لاعتقالهم، ولا فارق حالياً بين إسلامي أو يساري أو غيره، وأي محاولة لاجتماع حتى لو بغرض تنظيمي يتم اعتبارها تهديداً للسلطة، والرد عليها هو الاعتقال المباشر".
وأضاف الناشط نفسه، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "القبضة الأمنية على الإنترنت غير مسبوقة، ومن الطبيعي أن يشعر الجميع بالخوف، فكلمات قليلة عبر مواقع التواصل يمكن أن تؤدي إلى سجْن كاتبها". ولفت إلى أنه "في أيام (الرئيس الأسبق المخلوع) حسني مبارك كان الاعتقال يمتد إلى 15 يوماً أو إلى شهر على أقصى تقدير، أما حالياً إذا تم اعتقالك، فلا يمكن التنبؤ بموعد الإفراج عنك، وفي مثل هذه الظروف الأمن الشخصي مهم، والأفضل الانتظار إلى حلول وقت التحرك الجماعي، لأن التحرك الفردي مغامرة غير محسوبة النتائج".
بدوره، قال الناشط المصري عمار مطاوع، المقيم حالياً خارج مصر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ هناك أسباباً كثيرة لما يمكن اعتباره ظاهرة "صمت النشطاء"، ولتفسيرها "ينبغي تقسيم النشطاء إلى صنفين؛ الأول يشمل من غادروا إلى خارج مصر، وربما خارج الشرق الأوسط، وبالتالي أصبحوا بعيدين على المستوى النفسي وعلى مستوى التوقيت". وأوضح أنّ "بعض هؤلاء المغتربين اختار الصمت لأنه منشغل بصراعاته الحياتية الخاصة التي فرضتها عليه الغربة، خصوصاً أولئك الذين حصلوا على حق اللجوء، أو ينتظرون الحصول على إقامة البلد الذي غادروا إليه. لكن السبب الأكثر شيوعاً هو اليأس من أن يكون لصوتهم أثر، أو وصولهم إلى قناعة بأنّ الصمت في أوقات عدم الفهم أفضل، وهذا ينطبق كثيراً على الوضع الحالي، فكثيرون لا يزال ظهور المقاول محمد علي غامضاً بالنسبة إليهم".
ولم ينفِ مطاوع "وجود مخاوف كبيرة لدى غالبية الصنف الثاني من النشطاء وهم الذين لا يزالون داخل مصر"، قائلاً إنّ "بعضهم حالياً هارب في مكان منعزل أو محافظة هامشية، والبعض الآخر منعزل داخل منزله بعيداً عن كل رفاقه السابقين، في حين أنّ كلاً منهم لديه بواعث خوف مختلفة". وتابع "بشكل عام، يمكن القول إنّ النظام نجح بشكل جزئي في قمع النشطاء، لكن في المقابل حدثت طفرة مهمة، إذ انتقل الغضب من النخبة والناشطين إلى العوام، وعلى ذلك، فإنّ الخوف القائم ربما يكون خوفاً وقتياً، ومع أول انتفاضة حقيقية سيستعيد النشطاء ثقتهم بأنفسهم مجدداً".
أما الناشط الحقوقي المصري أحمد مفرح، فرأى في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "استهداف النظام للنشطاء السياسيين أو الحقوقيين هو رسالة مقصودة، خصوصاً لمن لهم رصيد سياسي سابق، أو من لديهم علاقات مع دوائر دولية. فالنشطاء هم خط الدفاع الأول عن حقوق المجتمع، وقاموا خلال الفترة الماضية بالعديد من الأنشطة والفعاليات وأعمال المناصرة الحقوقية لإظهار الصورة الحقيقية للنظام"، معتبراً أنّ "اعتقال بعض النشطاء والحقوقيين هدفه تخويف الباقين، هذا فضلاً عن رسائل التهديد المباشرة التي تصلهم أو تصل إلى أسرهم، ولهذا بالتأكيد تأثير سلبي على أداء النشطاء".
ولا ينكر مفرح أنّ حملة الاعتقالات الأخيرة زادت من شعور الخوف القائم، لكنه أكّد أن "أثرها الأسوأ يتمثل في قدرتها على تحجيم التحركات، وعلى فعالية المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، لكنها بالتأكيد لن تؤدي إلى القضاء على الحراك، فالجميع يدرك أن وصول القمع إلى فئات متعددة من المجتمع لا يمكن مواجهته إلا برفع الصوت".
وفي السياق نفسه، قال الناشط المصري صفوان محمد، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يعتبر "لجوء بعض النشطاء إلى الصمت، أو رفض تشجيع الناس على الاحتجاج ظاهرة جديدة على المشهد المصري، أو مشكلة ينبغي معالجتها، باعتبار أنّ لكل شخص ظروفه الخاصة، كما أنّ التنكيل واضح للجميع، وفجور النظام في الخصومة لا يحتاج إلى أدلة". وأضاف أنّ "دعوة بعض النشطاء المعروفين إلى عدم النزول إلى الشارع مقبولة باعتبارها نوعاً من اختلاف وجهات النظر، وغالبية هؤلاء يخشون أن يشارك الناس في الحراك فيتم اعتقالهم. وهناك نشطاء آخرون يدعمون الحراك، ولا بدّ أن نعترف أنّ لكل فريق دوافع منطقية، فالنزول إلى الشارع حالياً يعتبره البعض جنوناً، لكن السكوت على الوضع الحالي أيضاً جنون، وفي مثل هذه الظروف من حق كل شخص أن يختار ما يراه مناسباً".
وتابع محمد، المقيم في أوروبا: "يجب أن نفرّق بين نشطاء الداخل الذين يحق لهم دعوة الناس إلى الاحتجاج، والنشطاء من الخارج الذين يواصلون تحريض الناس على التظاهر بينما هم لا يتعرّضون للمخاطر نفسها التي سيلاقيها من يستجيبون لدعواتهم". وأوضح أنه "لا شك أنّ القبضة الأمنية الحالية غير مسبوقة، لكن طالما أنّ هناك أشخاصاً يرفضون السكوت، وطالما لم يتم إنهاء ملف المعتقلين، فالأوضاع لن تستقر، وستظلّ هناك معارضة للنظام، والأمر ليس متعلقاً بالنشطاء وحدهم، فالمعتقلون في الحراك الأخير غالبيتهم ليسوا نشطاء ولا علاقة لهم بالأحزاب، وبينهم أشخاص يشاركون للمرة الأولى في تظاهرات، وهذا يؤكد أنّ الحراك مختلف وله تأثير".
إلى ذلك، قال ناشط مصري آخر لـ"العربي الجديد"، طالباً إخفاء هويته كونه داخل مصر، إنّ "التظاهرات الأخيرة تسببت في حالة من الإزعاج الشديد لعدد من النشطاء المعروفين، وبعضهم يخشى أن يتعرض بسببها لمزيد من التضييق أو للاعتقال، لذا فضلوا تجاهلها على الرغم من أنهم متفقون مع مطالبها"، لافتاً إلى أنه "وصلت إلى عدد آخر من الناشطين تهديدات مباشرة دفعتهم إلى إعلان رفضهم لتلك التظاهرات حتى لا يتعرضوا لغضب السلطات".
ولم ينفِ الناشط الشاب أنّ تجدّد التظاهرات المعارضة "أنعش الآمال في نفوس كثير من الناشطين الذين كانوا يعيشون حالة من اليأس والقنوط من إمكانية حدوث أي تغيير"، لكنه استطرد أن "البعض أيضاً لديهم شعور بالغيرة من تسليط الأضواء على المقاول محمد علي كمفجر للحراك الجديد، والبعض يعادون أي موجة من التظاهرات أو الاحتجاجات التي لا يكون لهم دور فيها، وهؤلاء عددهم محدود لكنهم تسببوا في توجيه اتهامات وانتقادات غاضبة إلى كل نشطاء ثورة يناير".