وبينما كان التركيز في كليفلاند، خلال المؤتمر الوطني الجمهوري الذي انعقد الأسبوع الماضي، منصبّاً على "شيطنة" كلينتون، سيكون التركيز في فيلادلفيا على التحذير من "تهوّر" المرشح الجمهوري دونالد ترامب ومن احتمالات استلامه السلطة.
وكما كانت لترامب مشاكله الحزبية، فإن متاعب كلينتون داخل حزبها تأتي من القاعدة اليسارية التي يزداد نفوذها داخل الحزب الديمقراطي.
خيارات كلينتون خلال الأسابيع الماضية لم تساعد على رأب الصدع مع القاعدة اليسارية، ولا يزال أمامها تحدي إقناع شريحة كبيرة من الحزب أنها تستحق دعمهم من أجل ما تمثل وليس خشية من منافسها المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
كما جاءت فضيحة "ويكيليكس" خلال الأيام الأخيرة، التي سرّبت حوالي 20 ألف بريد الكتروني لقيادات الحزب الديمقراطي، وكشفت عدم حياد المؤسسة الحزبية ودعمها لكلينتون على حساب منافسها في الانتخابات التمهيدية السيناتور بيرني ساندرز، لتزيد من متاعب كلينتون.
الشكوك حيال كلينتون هي نتيجة عوامل عدة تراوح من علاقاتها مع "ول ستريت" إلى سياستها الخارجية التي تدعم التدخل العسكري. سعت المرشحة الديمقراطية جاهدة أخيراً إلى إعطاء ساندرز ما يريد في برنامج الحزب، لا سيما حيال السياسات الاقتصادية ورفع مستوى الحد الأدنى للمعيشة، لكن مع اختيار السيناتور تيم كاين لمنصب نائب الرئيس، فضّلت كلينتون تعزيز فرص الفوز على إرضاء القاعدة اليسارية.
كاين، الكاثوليكي، هو خيار لإرضاء الرجل الأبيض الأميركي في الانتخابات العامة الذي يميل جزء كبير منه إلى خطاب ترامب المعادي للهجرة والمتشدد في الأمن القومي. اختيار كاين يساعد كلينتون ليس فقط في كسب ولاية فيرجينيا المحورية وأصوات الأميركيين من أصول لاتينية، بل إن مواقفه المعتدلة وعلاقاته مع الجمهوريين في الكونغرس تعطي مؤشراً على أن كلينتون، المعروف عنها ميلها إلى المواجهة، لن تحكم من اليسار وستسعى إلى تسويات مع الجمهوريين.
الأهم من ذلك، تعلم حملة كلينتون أن الانتصار في الانتخابات التمهيدية لم يكن مطلقاً. هي حصلت على 2205 مندوبين مقابل 1846 مندوباً لساندرز، وما ساعدها على حسم النتيجة ليس أصوات المندوبين بل تصويت كبار المندوبين من المؤسسة الحزبية لصالحها. في نهاية المطاف، حصل ساندرز على 43 في المائة من أصوات الناخبين الديمقراطيين مقابل 55 في المائة لكلينتون. وقد عززت فضيحة "ويكيليكس" عدم حياد المؤسسة الحزبية ودعمها لكلينتون على حساب ساندرز. وهو ما اضطر رئيسة الحزب الديمقراطي، ديبي واسرمان شولتز، وكنتيجة لضلوعها في هذه التسريبات، إلى إعلان التنحي عن منصبها نهاية الأسبوع الحالي. كما تم إقصاؤها عن أي دور بارز خلال المؤتمر.
تدخل حملة كلينتون السريع في إجبار شولتز على التنحي كان لتفادي تركيز الإعلام الأميركي كل هذا الأسبوع على الانقسام الحزبي بدل مداولات المؤتمر. كما كان نتيجة معلومات عن بداية انتفاضة داخل المؤتمر.
في موازاة ذلك، يوحي ساندرز بأنه فقد السيطرة على مندوبيه الذين بدأوا بالتشاور لتشكيل تحالف يعارض ترشيح كاين لمنصب نائب الرئيس بسبب مواقفه حيال اتفاقيات التجارة الحرة وقوانين العمل والتغيّر المناخي. غداة اختياره كنائب للرئيس، اضطر كاين إلى تعديل موقفه والتراجع عن دعمه للشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي صفعة للرئيس باراك أوباما الذي يسعى لإقرار هذه الاتفاقية للتجارة الحرة في الكونغرس قبل نهاية ولايته. إضافة إلى ذلك، يعد مناصرو ساندرز لتظاهرات على مدى كل هذا الأسبوع في فيلادلفيا تحت شعار "لن نصوت لهيلاري".
من جهته، دخل البيت الأبيض مرحلة جمود الحكم خلال الحملات الرئاسية، وبدأ يرمي كل ثقله السياسي وراء كلينتون، إذ يتحدث هذا الأسبوع في فيلادلفيا كل من الرئيس باراك أوباما وزوجته ميشيل ونائبه جو بايدن.
وتراهن حملة كلينتون على خطاب أوباما والسيناتور إليزابيث وورين خلال المؤتمر لتحفيز القاعدة اليسارية على التوجه يوم الاقتراع في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل لانتخاب هيلاري كلينتون. لكن التحدي الأبرز أمامها هو عدم وجود حماسة ديمقراطية لانتخابها شبيهة بانتخاب أوباما في العام 2008. على سبيل المثال، نائب الرئيس خلال ولاية بيل كلينتون، آل غور، لن يحضر إلى فيلادلفيا ولم يعلن تأييده لمرشحة الحزب، ولا سيما أن علاقته مع هيلاري لم تكون يوماً جيدة خلال حكم بيل.
لم تنجح حملة كلينتون في إطلاق مؤتمر فيلادلفيا بدون مشاكل حزبية، وتم التواطؤ بين كلينتون وأوباما لإقصاء شولتز بهذه السرعة بدل التطرق إلى الشعور بالغبن لدى جزء كبير من القاعدة اليسارية التي تشعر أن المؤسسة الحزبية تعمدت مساعدة كلينتون على حساب ساندرز في الانتخابات التمهيدية. هذا الإرباك في التعامل مع فضيحة "ويكيليكس" قد يؤدي مع الوقت إلى تراجع الحماسة الانتخابية، ولا سيما بين الشباب في الحزب الديمقراطي. وعندها، في حال لم تخرج القاعدة الليبرالية بأعداد كبيرة لدعم هيلاري كلينتون، لن يكون سهلاً طريق فوز الديمقراطيين في السباق إلى البيت الأبيض.