ترامب يريد انسحاباً كاملاً من أفغانستان والبنتاغون يرسم الخطط

28 مايو 2020
ترامب في قاعدة باغرام الأميركية بأفغانستان بنوفمبر الماضي(فرانس برس)
+ الخط -

جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول من أمس الثلاثاء تأكيد رغبته في الانسحاب الكامل من أفغانستان، لكنه أضاف أنه لم يحدد موعداً مستهدفاً، وسط تكهنات بأنه ربما يجعل إنهاء أطول حروب أميركا جزءاً من حملته الانتخابية للفوز بولاية ثانية، بما يعني سحب القوات الأميركية قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ويعتزم مسؤولون عسكريون في وزارة الدفاع (البنتاغون) بالفعل إطلاع ترامب خلال الأيام المقبلة على خيارات متعلقة بسحب القوات الأميركية من أفغانستان، وسط مخاوف من تداعيات أي سحب سريع، بات بنظر ترامب أكثر إلحاحاً لأسباب انتخابية بالدرجة الأولى، وبذريعة تفشي فيروس كورونا في أفغانستان.
وقال ترامب خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض الثلاثاء: "نحن هناك منذ 19 عاماً، نعم، أعتقد أن هذا يكفي... يمكننا دائماً العودة إذا أردنا". ورداً على سؤال عما إذا كانت عطلة عيد الشكر في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني موعداً مستهدفاً، قال ترامب: "لا. ليس لدي موعد مستهدف. لكن في أقرب وقت معقول. على مدى فترة، لكن في أقرب وقت معقول". وقد يكون هذا "الوقت المعقول" قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، خصوصاً أنّ ترامب يريد تسجيل أي إنجاز بعد تخبطه في إدارة أزمة فيروس كورونا أخيراً التي تسببت بنتائج كارثية على مختلف الصعد في أميركا.

ومن المقرر أن يطلع مسؤولون عسكريون كبار ترامب في الأيام المقبلة على خيارات عدة لسحب القوات الأميركية من أفغانستان، بما في ذلك تحديد جدول زمني لسحب جميع القوات قبل الانتخابات الرئاسية، وفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن خمسة مسؤولين مطلعين، تحدثوا شرط عدم الكشف على هويتهم. لكن لدى البنتاغون خيارات أخرى من شأنها سحب القوات بشكل أبطأ، مع وجود خطة تقترب من الجدول الزمني الحالي الذي سيبقي القوات الأميركية في أفغانستان حتى مايو/ أيار 2021.
وبحسب "نيويورك تايمز"، يعكس اقتراح الانسحاب الكامل بحلول شهر نوفمبر المقبل تفاهماً بين القادة العسكريين على أنّ مثل هذا الجدول الزمني قد يكون هو الخيار المفضل لترامب لأنه قد يساعد في تعزيز حملته الانتخابية للفوز بولاية رئاسية ثانية. غير أنّ المسؤولين العسكريين يخططون لاقتراح ودعم جدول زمني أبطأ للانسحاب. وأوضحت الصحيفة أنّ الاقتراح الأخير هو جزء من محاولة البنتاغون تجنب تكرار ما حدث في ديسمبر/ كانون الأول عام 2018، ثمّ في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، عندما فاجأ ترامب المسؤولين العسكريين بأمر سحب القوات الأميركية من سورية بشكل كامل، وما تبع ذلك من فوضى دبلوماسية وعنف، ليقوم ترامب بعد ذلك بتعديل قراره والإبقاء على بعض القوات الأميركية في سورية، وإن كانت بأعداد أقل.
ويعتقد كبار المسؤولين العسكريين أنّ الانسحاب السريع من أفغانستان سيحكم على اتفاقية السلام التي كان تمّ التوصل إليها نهاية فبراير/ شباط الماضي بين واشنطن وحركة "طالبان" في العاصمة القطرية الدوحة بالفشل.
وفي الأشهر الأخيرة، أعرب ترامب مراراً وتكراراً عن رغبته في مغادرة أفغانستان في وقت أقرب من الجدول الزمني المنصوص عليه في اتفاقية السلام، والتي تنصّ على أنّ القوات الأميركية ستغادر خلال 12 إلى 14 شهراً، إذا أوفت "طالبان" بشروط معينة تم الاتفاق عليها.


ومن المتوقع أن يحاول البنتاغون إقناع ترامب الذي لطالما عبّر عن رغبته في إنهاء تورط أميركا في ما يصفه بـ"حروب لا نهاية لها"، بخيار انسحاب أبطأ للقوات الأميركية من أفغانستان، وفق "نيويورك تايمز". ويعتقد مسؤولون عسكريون كبار، بحسب الصحيفة نفسها، بأنّ ترامب قد يقتنع بأنّ حماية اتفاقية السلام، التي ترعاها وتدعمها إدارته، ستتطلّب خفضاً أبطأ للقوات، لإعطاء طالبان حافزاً لتقليل هجماتها. كما يجادل مسؤولو وزارة الدفاع البيت الأبيض بأنه لا يمكنهم ضمان أنّ أفغانستان لن تصبح مرة أخرى ملاذاً للهجمات ضدّ الولايات المتحدة.

من جهتها، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن خطط البنتاغون تتضمن سلسلة من الخيارات تتراوح من الانسحاب الكامل إلى الانسحاب الجزئي، موضحةً أنّ أحد الخيارات يترك حوالي 5000 جندي في أفغانستان، فيما تترك خطة أخرى قيد النظر، حوالي 1500 جندي. وأشارت الصحيفة إلى أنّ ترامب يضغط على مسؤولي الدفاع لإظهار تقدم يمكن ملاحظته في مسألة سحب القوات الأميركية في مناطق حروب طويلة الأمد.
وقالت "وول ستريت جورنال" إنّ "العديد من المسؤولين العسكريين الكبار، الذين حارب معظمهم في أفغانستان، قلقون من أن سحب القوات بالكامل سيعرض المكاسب التي كانت حققت للخطر، وسيعدّ بمثابة تخلٍّ عن القوات الأفغانية، وسيخاطر بانهيار الحكومة الأفغانية الهشة". ولفتت الصحيفة إلى أنّ ترامب يواجه أيضاً خطراً سياسياً هائلاً إذا ما قام بسحب جميع القوات الأميركية، مشيرةً إلى وجود احتمال بانتقال أجزاء كبيرة من البلاد إلى سيطرة تنظيم داعش أو جماعات أخرى، وهذه الجماعات قد تعود وتهاجم الولايات المتحدة.
ومن المحتمل أن تغيّر جميع الخيارات المتعلقة بسحب القوات لأميركية، بشكل جذري الاستراتيجية الأميركية الحالية ذات الشقين في أفغانستان، والتي تشمل تدريب وتقديم المشورة للقوات الأفغانية، والقيام بمهام مكافحة الإرهاب ضدّ تنظيم "داعش" والجماعات المتطرفة الأخرى، وفق "وول ستريت جورنال".
ويوجد حالياً أقل من 12000 جندي أميركي في أفغانستان. وبموجب خطة الانسحاب الحالية، التي تم الاتفاق عليها خلال محادثات السلام بين واشنطن و"طالبان"، سيخفض الجيش الأميركي عديد قواته إلى حوالي 8600 جندي بحلول يوليو/ تموز المقبل، لكن مسؤولين أميركيين توقعوا الوصول إلى هذا الرقم قبل الموعد المحدد والمتفق عليه. وهذا العدد، الذي اقترحته إدارة ترامب للمرة الأولى في صيف عام 2019، هو أدنى عدد تحتاجه الولايات المتحدة لدعم ومواصلة المهمات والعمليات الحالية في أفغانستان.
وأشار المسؤولون الذين تحدثوا لـ"وول ستريت جورنال" إلى أنّ "احتمال الانسحاب الكامل من المرجح أن يؤدي بمجموعة من حلفاء أميركا الذين لديهم أيضاً قوات في أفغانستان، إلى التخلي عن مهمتهم في هذا البلد. ولكن إذا بقيت الولايات المتحدة، حتى بمساهمة أصغر من القوات، فمن المحتمل أن يبقى بعض الحلفاء ويمكنهم تحمل مسؤولية أكبر في التدريب وتقديم المشورة".

وفي السياق، قال المتحدث باسم البنتاغون، الكولونيل توماس كامبل، في بيان أخيراً، إنّ "أي تخفيض يقل عن 8600 جندي أميركي سيكون على أساس الظروف بعد أن تقوم الحكومة الأميركية بتقييم البيئة الأمنية ومدى امتثال طالبان لاتفاقية السلام، وبالتنسيق مع حلفائنا في حلف شمال الأطلسي وشركائنا".
ومن العوامل الأخرى التي جاءت لتدعم خيار ترامب وتعزز رغبته في الانسحاب المبكر هو فيروس كورونا الذي بات ينتشر في جميع أنحاء أفغانستان. ويعتقد مسؤولون في البنتاغون أنّ ما لا يقل عن 50 في المائة من قوات الأمن الأفغانية على الأرجح مصابون بالفيروس، مما يعني توقف أي تدريب وعمليات مشتركة بين القوات الأميركية والأفغانية، وهو ما يعطّل ركيزة أساسية من جهود الحرب الأميركية، وخصوصاً ضد جيوب تنظيم "داعش" في شرق البلاد، علماً بأنّ الغارات الجوية ضدّ التنظيم لا تزال مستمرة.
وكجزء من اتفاقية السلام، يغلق الجيش الأميركي قواعد عدة له، لكن انتشار كورونا سرّع أيضاً في إغلاق مراكز العمليات الخاصة الأصغر حجماً التي تستخدمها وحدات النخبة أثناء العمل إلى جانب نظيراتها الأفغانية.