قد لا يكون مفاجئاً لكثير من مراقبي السياسة الإسرائيلية الإعلان عن تأجيل جلسة الكابينيت السياسي الأمني، التي كان مقرراً عقدها مساء أمس الثلاثاء، إلى اليوم، بفعل "الحمى" المفاجئة التي نزلت برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إثر الضغوط التي تعرض لها الأخير من قبل حزب "البيت اليهودي" وأنصار الاستيطان في الضفة الغربية، بمن فيهم وزراء "الليكود" في الحكومة، لإقرار قانون تسوية المستوطنات، بما يحول دون إخلاء مستوطنة عمونا غير القانونية (حتى وفق العرف الإسرائيلي).
مع ذلك، فإن اضطرار نتنياهو في جلسة الكابينيت السياسي والأمني إلى التحذير من مخاطر سنّ القانون وتداعياته لجهة جر عدد من قادة دولة الاحتلال من مختلف المستويات إلى أروقة محكمة جرائم الحرب الدولية، يشير إلى حجم المأزق الذي تدخله دولة الاحتلال بفعل فتح المجال بشكل كامل لعناصر اليمين المتطرف في إسرائيل، خصوصاً أنصار التيار الديني القومي ممثلين بالأساس بحزب "البيت اليهودي".
وتجد الحكومة الإسرائيلية نفسها اليوم الأربعاء أمام قرار مصيري، على الأقل في ما يتعلق ببقاء الحكومة والائتلاف الحاكم من سقوطه والذهاب ربما لانتخابات جديدة، أو على الأقل تغيير تركيبة الحكومة الحالية. نتنياهو، الذي أقر الأسبوع الماضي تقديم مشروع قانون تسوية المستوطنات لضمان شرعنة البناء الاستيطاني غير القانوني على أراضٍ فلسطينية خاصة، وجد نفسه أمام رأي قضائي قاطع من المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، بأن المضي قدماً في سنّ القانون وفرضه بأثر رجعي على البناء غير القانوني (وفق العرف الإسرائيلي) يعني في حال إقراره تزويد الفلسطينيين بسلاح حاد لجر إسرائيل والمسؤولين الرسميين فيها، من المستويات السياسية والعسكرية، إلى محكمة جرائم الحرب.
والأخطر من ذلك من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، وتتفق معها في ذلك المعارضة الإسرائيلية، هو تهديد مجمل المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، وفي ما يصطلح على تسميته بالكتل الاستيطانية، وهو ما عبّر عنه بصراحة زعيم المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوغ في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية.
وسبق لوزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، أن طرحت الموضوع نفسه. والتقى معها في الموقف وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، الذي دعا صراحة وعلناً إلى وجوب تنفيذ قرار المحكمة الإسرائيلية بهدم مستوطنة عمونا، وعدم القيام بأية "خطوات مفاجئة" في هذا المضمار من دون التنسيق مسبقاً مع الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة دونالد ترامب، والسعي إلى إحياء روح رسالة جورج بوش لأرييل شارون عام 2004 بشأن الاعتراف بوجوب بقاء ما يسمى بالكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية في أي اتفاق مستقبلي للتسوية الدائمة مع الفلسطينيين.
في المقابل، دعا وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينت، وهو أيضاً زعيم البيت اليهودي وقائد تيار الصهيونية الدينية، إلى السعي إلى إقناع إدارة ترامب، بإسقاط خيار حل الدولتين، والاستعاضة عنه بحل يعطي الفلسطينيين حكماً ذاتياً موسعاً، ويجيز ضم مناطق "بي" و"سي" في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية.
لكن على الرغم من تحذيرات نتنياهو ومندلبليت من خطر جر إسرائيل إلى المحكمة الدولية لجرائم الحرب، إلا أن تيار المستوطنين في الحكومة والكنيست، واصل محاولات ابتكار تسوية لنص القانون المقترح، وعرض مقترحين اثنين على الكنيست، الأول يتضمن بنداً يقضي بفرض القانون الجديد بأثر رجعي أيضاً على مستوطنة عمونا، لمنع تنفيذ قرار المحكمة، والثاني بلا هذا البند، في القراءة الأولى على الأقل، لضمان تمريره من دون مواجهة اعتراض من وزير المالية، موشيه كاحلون، يعيق سنّ القانون ويقضي عملياً على فرض تطبيقه على حالة مستوطنة عمونا. وينص القانون الإسرائيلي عموماً بأنه يجب أن تمر 14 يوماً من المصادقة على القانون بالقراءة الثالثة في الكنيست ونشره في الجريدة الرسمية حتى يصبح ساري المفعول. ويعني هذا رهان المستوطنين على محاولات لضمان إقرار القانون بالقراءات الثلاث حتى 7 ديسمبر/كانون الأول المقبل لضمان نشره في الجريدة الرسمية قبل حلول الموعد النهائي لتنفيذ أمر القانون في 25 ديسمبر.
اقــرأ أيضاً
ويبدو المشهد الإسرائيلي هذا الأسبوع مطابقاً كلياً للوصف الذي أطلقه رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق، إيهود براك، أمس الأول، عندما اعتبر أن "مس التطرف القومي لقادة اليمين وعلى رأسهم نتنياهو، هو الخطر الرئيسي الذي يهدد اليوم مستقبل إسرائيل". ومع أن براك لا يتطرق إلى "التهديد الوجودي" لإسرائيل، إلا أن تصريحاته هذه تشير إلى الواقع المركّب لإسرائيل اليوم، خصوصاً في ظل توقيع 120 حاخاماً من رجال الدين للتيار الديني الصهيوني، على بيان يدعو الإسرائيليين للتوافد إلى مستوطنة عمونا لمواجهة قرار الهدم والإزالة، في حال قامت الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف بتنفيذ قرار المحكمة لتلافي سيناريوهات خطر المحاكمات الدولية بتهم جرائم الحرب التي يحذر منها مستشارها القضائي.
هذه المحاكمات تبدو هذه المرة خطراً داهماً، لا سيما في ظل إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، أنها تعكف في هذه الأيام على إجراء "فحص أولي" لجرائم الحرب الإسرائيلية، وبينها النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، بما في ذلك إجراءات شرعنة الاستيطان غير القانوني بأثر رجعي، وأيضاً عمليات مصادرة الأراضي الخاصة للفلسطينيين. هاتان المسألتان يحاول قانون التسوية المطروح توفير غطاء شرعي لهما، وبالتالي فإن تشريع القانون يثير مخاوف إسرائيلية من أن تقبل على أثره المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية بالموقف الفلسطيني وتأمر بالشروع بتحقيق دولي ضد المسؤولين الإسرائيليين الضالعين باتخاذ القرارات في هذين الملفين.
وإذا كان سيف المحكمة الدولية غير كافٍ، فإن نتنياهو يخشى، في حال تمرير القرار في الكنيست، حتى بعد مماطلات في عملية التشريع، من إقدام الرئيس الأميركي باراك أوباما على تمرير قرار في مجلس الأمن الدولي لتكريس حل الدولتين، أو أن يمتنع عن وقف قرار مناهض لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي من شأنه أن يكرر الإعلان عن المستوطنات الإسرائيلية ككل بما فيها تلك في القدس المحتلة، كمستوطنات غير شرعية ومنافية للقانون الدولي.
وفي حال قرر نتنياهو في نهاية المطاف، تفضيل "إنقاذ" مجمل المستوطنات، فإنه يخشى في ظل هوس التيار الديني الصهيوني ودعوات الحاخامات لمعارضة إخلاء مستوطنة عمونا، من تكرار مشاهد المواجهات بين الجيش والشرطة الإسرائيلية من جهة وبين آلاف المستوطنين الذين يعتزمون الوصول إلى المستوطنة المذكورة، لمنع قوات الشرطة وحرس الحدود من إخلاء المستوطنة. هذا الأمر قد يترافق مع مواجهات عنيفة بين الطرفين قد تسرع في انسحاب حزب "البيت اليهودي" من الحكومة في أحسن حال، والدفع نحو انتخابات جديدة، وتفجير الأوضاع ككل في الضفة الغربية المحتلة.
مع ذلك، فإن اضطرار نتنياهو في جلسة الكابينيت السياسي والأمني إلى التحذير من مخاطر سنّ القانون وتداعياته لجهة جر عدد من قادة دولة الاحتلال من مختلف المستويات إلى أروقة محكمة جرائم الحرب الدولية، يشير إلى حجم المأزق الذي تدخله دولة الاحتلال بفعل فتح المجال بشكل كامل لعناصر اليمين المتطرف في إسرائيل، خصوصاً أنصار التيار الديني القومي ممثلين بالأساس بحزب "البيت اليهودي".
والأخطر من ذلك من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، وتتفق معها في ذلك المعارضة الإسرائيلية، هو تهديد مجمل المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، وفي ما يصطلح على تسميته بالكتل الاستيطانية، وهو ما عبّر عنه بصراحة زعيم المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوغ في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية.
وسبق لوزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، أن طرحت الموضوع نفسه. والتقى معها في الموقف وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، الذي دعا صراحة وعلناً إلى وجوب تنفيذ قرار المحكمة الإسرائيلية بهدم مستوطنة عمونا، وعدم القيام بأية "خطوات مفاجئة" في هذا المضمار من دون التنسيق مسبقاً مع الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة دونالد ترامب، والسعي إلى إحياء روح رسالة جورج بوش لأرييل شارون عام 2004 بشأن الاعتراف بوجوب بقاء ما يسمى بالكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية في أي اتفاق مستقبلي للتسوية الدائمة مع الفلسطينيين.
في المقابل، دعا وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينت، وهو أيضاً زعيم البيت اليهودي وقائد تيار الصهيونية الدينية، إلى السعي إلى إقناع إدارة ترامب، بإسقاط خيار حل الدولتين، والاستعاضة عنه بحل يعطي الفلسطينيين حكماً ذاتياً موسعاً، ويجيز ضم مناطق "بي" و"سي" في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية.
لكن على الرغم من تحذيرات نتنياهو ومندلبليت من خطر جر إسرائيل إلى المحكمة الدولية لجرائم الحرب، إلا أن تيار المستوطنين في الحكومة والكنيست، واصل محاولات ابتكار تسوية لنص القانون المقترح، وعرض مقترحين اثنين على الكنيست، الأول يتضمن بنداً يقضي بفرض القانون الجديد بأثر رجعي أيضاً على مستوطنة عمونا، لمنع تنفيذ قرار المحكمة، والثاني بلا هذا البند، في القراءة الأولى على الأقل، لضمان تمريره من دون مواجهة اعتراض من وزير المالية، موشيه كاحلون، يعيق سنّ القانون ويقضي عملياً على فرض تطبيقه على حالة مستوطنة عمونا. وينص القانون الإسرائيلي عموماً بأنه يجب أن تمر 14 يوماً من المصادقة على القانون بالقراءة الثالثة في الكنيست ونشره في الجريدة الرسمية حتى يصبح ساري المفعول. ويعني هذا رهان المستوطنين على محاولات لضمان إقرار القانون بالقراءات الثلاث حتى 7 ديسمبر/كانون الأول المقبل لضمان نشره في الجريدة الرسمية قبل حلول الموعد النهائي لتنفيذ أمر القانون في 25 ديسمبر.
ويبدو المشهد الإسرائيلي هذا الأسبوع مطابقاً كلياً للوصف الذي أطلقه رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق، إيهود براك، أمس الأول، عندما اعتبر أن "مس التطرف القومي لقادة اليمين وعلى رأسهم نتنياهو، هو الخطر الرئيسي الذي يهدد اليوم مستقبل إسرائيل". ومع أن براك لا يتطرق إلى "التهديد الوجودي" لإسرائيل، إلا أن تصريحاته هذه تشير إلى الواقع المركّب لإسرائيل اليوم، خصوصاً في ظل توقيع 120 حاخاماً من رجال الدين للتيار الديني الصهيوني، على بيان يدعو الإسرائيليين للتوافد إلى مستوطنة عمونا لمواجهة قرار الهدم والإزالة، في حال قامت الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف بتنفيذ قرار المحكمة لتلافي سيناريوهات خطر المحاكمات الدولية بتهم جرائم الحرب التي يحذر منها مستشارها القضائي.
هذه المحاكمات تبدو هذه المرة خطراً داهماً، لا سيما في ظل إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، أنها تعكف في هذه الأيام على إجراء "فحص أولي" لجرائم الحرب الإسرائيلية، وبينها النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، بما في ذلك إجراءات شرعنة الاستيطان غير القانوني بأثر رجعي، وأيضاً عمليات مصادرة الأراضي الخاصة للفلسطينيين. هاتان المسألتان يحاول قانون التسوية المطروح توفير غطاء شرعي لهما، وبالتالي فإن تشريع القانون يثير مخاوف إسرائيلية من أن تقبل على أثره المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية بالموقف الفلسطيني وتأمر بالشروع بتحقيق دولي ضد المسؤولين الإسرائيليين الضالعين باتخاذ القرارات في هذين الملفين.
وفي حال قرر نتنياهو في نهاية المطاف، تفضيل "إنقاذ" مجمل المستوطنات، فإنه يخشى في ظل هوس التيار الديني الصهيوني ودعوات الحاخامات لمعارضة إخلاء مستوطنة عمونا، من تكرار مشاهد المواجهات بين الجيش والشرطة الإسرائيلية من جهة وبين آلاف المستوطنين الذين يعتزمون الوصول إلى المستوطنة المذكورة، لمنع قوات الشرطة وحرس الحدود من إخلاء المستوطنة. هذا الأمر قد يترافق مع مواجهات عنيفة بين الطرفين قد تسرع في انسحاب حزب "البيت اليهودي" من الحكومة في أحسن حال، والدفع نحو انتخابات جديدة، وتفجير الأوضاع ككل في الضفة الغربية المحتلة.