في إطار حملة العلاقات العامة الضخمة التي يقوم بها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تجاه دوائر صنع القرار في بريطانيا والولايات المتحدة، خرج على قناة cbs الأميركية في برنامج (ستين دقيقة) ليشرح "حملة الإصلاحات" التي يقوم بها داخل البلاد، بطريقة أقل ما يٌقال عنها أنها استشراقية، حيث صوّر نفسه بأنه "الرجل العصري المتابع للأفلام والقارئ للتاريخ"، والذي يريد إخراج السعودية من "الاحتلال" الذي فرض عليها من قبل الجماعات الدينية "المتطرفة"، وعلى رأسها "الإخوان المسلمون" خلال 40 سنة ماضية.
حاول بن سلمان التسويق لنفسه خلال اللقاء بالاستناد إلى ثلاث نقاط رئيسية، اثنتان منها متعلقتان بالداخل السعودي، وهي الإصلاح الديني والإصلاح الاقتصادي، وواحدة خارجه، وهي مواجهة إيران، في محاولة منه للتغطية على الانتقادات الواسعة له، بسبب حملات الاعتقالات الكبيرة ضد السياسيين المعارضين له، والحرب الدموية التي يخوضها جيشه في اليمن.
وقال بن سلمان إن مهمته في البلد هي تطهيره من "اختطاف التيارات الدينية" التي جاءت بعد الثورة الإسلامية في إيران، وبعد اقتحام الحرم المكي الشريف عام 1979 من قبل جماعة جهيمان العتيبي، وهو عسكري في الحرس الوطني السعودي، احتل الحرم وأعلن نهاية العالم، وظهور المهدي، ما أدى، بحسب دعواه، إلى ظهور المناهج المتشددة في المدارس، وسيطرة المتطرفين على البلاد لمدة 40 سنة".
وأضاف "لقد كنا ضحايا، وخاصة جيلي الذي عانى كثيرا من هذا الأمر. هذا الأمر لا يعكس الصورة الحقيقية للمملكة العربية السعودية. وسأطلب من المشاهدين الأميركيين البحث عبر هواتفهم عن السعودية في السبعينات والثمانينات، وقتها سيتمكنون من التعرف على الصورة الحقيقية للبلاد، حياتنا كانت طبيعية جدًا مثل بقية دول الخليج، حيث كانت النساء تقود السيارات، كما كان هناك دور سينما. عدا عن ذلك، كانت النساء تعمل في مختلف المجالات"، وشدد: "كنا مجرد أشخاص عاديين يسيرون نحو التطور مثل أي بلد آخر في العالم، إلى أن جاءت أحداث 1979".
لكن بن سلمان كان يقدم للمشاهد الأميركي حكاية غير صحيحة، يعرف السعوديون جيداً مدى صدقها، فالمناهج المتشددة في المدارس النظامية، وقبلها في الكتاتيب التي سبقت تأسيس الدولة، كانت تتم برعاية المذهب الوهابي، الذي قامت عليه الدولة السعودية في نشأتها الأولى بعد تحالف بين محمد بن عبدالوهاب، الذي تتابع أبناؤه وأحفاده فيما بعد على تولي ملفات التعليم والشؤون الدينية في الدولة، وبين محمد بن سعود، جد أسرة آل سعود الأول، كما أن والده الملك سلمان إبان إمارته للرياض كان يدعم، بشكل سخي، المقاتلين الإسلاميين في أفغانستان إبان حربهم ضد السوفييت في ثمانينات القرن الماضي، ومقاتلي البوسنة في منتصف التسعينات، وكان يستقبل في مكتبه عبدالله عزام، المقرب من الإخوان المسلمين، وأحد أبرز قادة ما سمي بـ"الجهاد الأفغاني".
كما لم يكن مسموحاً قيادة للسيارة بالنسبة للمرأة سوى في المناطق الريفية البعيدة عن سيطرة الدولة، بالإضافة إلى أن دور السينما في ذاك الوقت لا تعدو عن كونها دوراً خاصة تقام بسرية تامة خوفاً من ملاحقات الدولة في عصر "ما قبل الصحوة".
وفي النقطة الثانية، التي حاول بن سلمان تسويقها، وهي الإصلاح الاقتصادي، فقد بدا متناقضاً فيها، حيث قال إن حملة الاعتقالات التي شنها ضد أبناء عمومته من كبار رجال الأسرة الحاكمة ورجال الأعمال لم تكن تستهدف جمع المبالغ المالية منهم، والتي وصلت إلى 100 مليار دولار أميركي باعترافه، بل تهدف بالأساس إلى القضاء على الفساد، لكنه في الوقت نفسه، لم يجب عن الأسئلة المتعلقة بثروته الشخصية، وتبديده لمئات الملايين في سبيل شراء قصر في فرنسا ويخت بحري فخم ولوحة فنية بنحو نصف مليار دولار، حيث اكتفى بالقول إن مسألة ثروته أمر يخصه، وأنه ليس "غاندي أو مانديلا"، بل ابن أسرة ثرية جداً، بحسب قوله.