أمام الرئيس التونسي المؤقت، رئيس البرلمان، محمد الناصر، 3 أشهر مليئة بالصعوبات والتحديات قبل تسليم المهام للرئيس الجديد المنتخب لعهدة رئاسية كاملة تنطلق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وكان الناصر قد تسلّم رئاسة البلاد، يوم الخميس الماضي، بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، بالتنسيق مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وسيستمر لفترة تتراوح بين 45 يوماً كحدٍ أدنى و90 يوماً كحدّ أقصى، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وحظي تولي الناصر مهام رئيس الجمهورية بشكل مؤقت برضا غالبية التونسيين إلى جانب الأحزاب والمنظمات والفاعلين السياسيين، خصوصاً لالتزامه ببنود دستور الثورة الجديد ولاحترامه مؤسسات الدولة، إذ سارع إلى دعوة الهيئة المؤقتة لدستورية القوانين التي يترأسها أعلى رؤساء السلطات القضائية العدلية والإدارية والمالية، إلى جانب استشارته رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس محكمة التعقيب ووزير العدل، قبل توليه الرئاسة. ومثّل تنظيم جنازة السبسي يوم السبت، أول امتحانات الناصر، في ظلّ توافد قادة دول عربية وأجنبية إلى التشييع. كما عقد الرئيس التونسي المؤقت لقاءات عدة مع رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية والعدل وقيادة الأمن الرئاسي وبروتوكولات الرئاسات الثلاث، وذلك لضمان تأبين الرئيس الراحل. وتمثّل المهمة الرئيسية التي تنتظر الرئيس الناصر دستورياً، تنظيم الانتخابات الرئاسية المبكرة في 15 سبتمبر/أيلول المقبل، بعد أن كانت مقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بما يقضي تزامناً وضغطاً مع الانتخابات التشريعية، المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
في السياق، أكد رئيس هيئة الانتخابات، نبيل بفون، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إمكانية تجاوز مدة الـ90 يوماً واردة، بسبب اقتضاء تنظيم دور رئاسي ثان وضرورة متابعة آجال الطعون والتقاضي". ودعا إلى "ضرورة فتح باب الترشح للرئاسيات لأسبوع بدءاً من 2 أغسطس/ آب المقبل"، مشيراً إلى أنه "سيجتمع بالأحزاب والمنظمات غداً الثلاثاء لتوضيح جميع التفاصيل".
وعلاوة على مخاوف الناصر من خرق الأجل الدستوري الذي يقتضي منه مغادرة قصر قرطاج في 25 أكتوبر المقبل والعودة إلى رئاسة البرلمان وتسليم السلطة إلى رئيس منتخب، فإن المخاوف الأخرى تتجلّى في عدم استعداد الأحزاب لهذا الاستحقاق الرئاسي الداهم الذي قلب حسابات الجميع، خصوصاً من لم يستعد لجمع تواقيع 10 آلاف ناخب أو 10 نواب. ويبرز دور الناصر السياسي في ضمان توافق الأحزاب والمرشحين على المضي في إنجاح الانتخابات، مما قد يدفعه إلى شوط من الحوارات واللقاءات مع قيادات الأحزاب.
وبعد أن ووري جثمان السبسي في الثرى يتسلم الناصر قصر قرطاج رسمياً، اليوم الاثنين. وحسبما أكد المقرر العام للدستور الحبيب خضر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فإن "صفة الناصر هو القائم بمهام رئيس الجمهورية والدستور أعطاه نفس الصلاحيات، باستثناء اختصاص حلّ البرلمان وتعديل الدستور وإجراء الاستفتاء". ولفت إلى أنه "يتولى ختم القوانين والتعيين والإعفاء في الوظائف العسكرية والدبلوماسية".
ويمثل ختم وإصدار تعديلات القانون الانتخابي التي رفض السبسي تمريرها، أكبر عقبة أمام الناصر لإنجاح ولايته، إذ تنتظر الأحزاب الحاكمة ختم التعديلات بعد أن اعتبروا أن ما أقدم عليه السبسي "خطأ جسيم وخرق دستوري" بامتناعه عن توقيع القانون، خصوصاً بعد أن أقرّت الهيئة الدستورية المؤقتة بدستوريته وصادق عليه البرلمان.
ويجد الناصر نفسه اليوم بين خيارين أحلاهما مرّ، إما معاداة معسكر رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحزب النهضة في أول ممارسة رئاسية، وإما ختم التعديلات ومعاداة نجل الرئيس الراحل ورئيس حزب "قلب تونس"، صاحب قناة نسمة نبيل القروي. فضلاً عن تداعيات ذلك على عمل هيئة الانتخابات.
ولم ينتهِ ضغط إرساء المحكمة الدستورية بابتعاد الناصر موقتاً عن رئاسة البرلمان، إذ يضاعف توليه الرئاسة من حجم المسؤولية عليه، فعلاوة على مهمته في استنهاض البرلمان لعقد دورة استثنائية خلال العطلة البرلمانية التي تبدأ في الأول من أغسطس/آب المقبل تُخصّص لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، فمن دوره كرئيس للبلاد وفقاً للدستور، تعيين 4 أعضاء في المحكمة، مما سيُصعّد من حجم الضغط عليه نظراً لدفع الأحزاب ورغبتها في بناء محكمة دستورية بروحية حزبية قائمة على محاصصة تضمن موطئ قدم لها.
ومع انتهاء فترة الحداد على السبسي، ستعود المنظمات والشارع للمطالبة بالمحكمة الدستورية والضغط على الناصر للتحرك، بعد أن كاد غيابها ينحرف بالبلاد إلى مربع التأويلات الدستورية حول الجهة التي تملأ الشغور في منصب الرئاسة. بالإضافة إلى ذلك، من المفترض أن يشرع الناصر في ختم القوانين الصادرة عن البرلمان. ويبدو أن المرض الشديد منع السبسي من توقيع نحو 5 قوانين صادق عليها مجلس الشعب أخيراً. كما حال المرض دون توقيعه أمر العفو الرئاسي عن المساجين بمناسبة عيد الجمهورية، مما خلق احتقاناً لدى مئات المساجين وعائلاتهم.
وعلى الرغم من قصر مدة الولاية الرئاسية الانتقالية، إلا أن جمهوراً من المتابعين والفاعلين طالبوا الناصر بتحقيق أمنية السبسي بالإسراع في تمرير قانون المساواة في الميراث. وهو أمر يعد مستحيلاً مع حلول العطلة البرلمانية وانطلاق الفترة الانتخابية، مما يضع الرئيس المؤقت في وضع لا يحسد عليه. ويتوقع مراقبون أن يبدأ الناصر بدعوة مجلس الأمن القومي للانعقاد في أول اجتماع تنسيقي لمتابعة الوضع الأمني، خصوصاً على الحدود الليبية بسبب توتر الوضع وتواصل حرب العاصمة طرابلس وارتفاع المخاطر الإرهابية في الجبال مع اقتراب الاحتفال بعيد الأضحى، منتصف الشهر المقبل. ويفتح الوضع الليبي الباب أمام مواصلة الناصر للدور الدبلوماسي الذي كانت تؤديه تونس بقيادة السبسي من خلال المبادرة الثلاثية وفي إطار البرنامج الأممي للسلام في ليبيا.