عودة صالح إلى بغداد تحرّك مفاوضات تسمية رئيس حكومة

30 ديسمبر 2019
صالح عاد إلى بغداد أقوى من السابق(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد ساعات من عودة الرئيس العراقي برهم صالح إلى قصر السلام وسط بغداد، إثر مغادرته، نهاية الأسبوع الماضي عقب رسالة وجهها إلى البرلمان عرض فيها استعداده للاستقالة ورفضه في الوقت ذاته مرشح تحالف "البناء"، المدعوم من إيران، أسعد العيداني، لتكليفه رئاسة الحكومة الجديدة، كان تحالف "البناء" يُقدّم، صباح أمس الأحد، شكوى رسمية ضد الرئيس العراقي إلى المحكمة الاتحادية العليا بتهمة خرق الدستور. وتأتي الشكوى بسبب امتناع صالح عن تكليف مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الحكومة، على اعتبار أن وظيفته تحتم تكليفه، ولا يحق له الاعتراض على المرشح، في خطوة رأى فيها البعض ضغوطاً جديدة على صالح.

وقالت مصادر في مكتب صالح، أحدها مستشار في ديوان الرئاسة، لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس العراقي "عاد أقوى من السابق، بدعم محلي من الشارع والنجف وكتل سياسية عدة، أبرزها تحالف سائرون الموالي لمقتدى الصدر، وبدعم دولي أيضاً، إذ وصلت إليه إشارات من أطراف دولية عدة تؤيد موقفه الرافض للإملاءات بالشأن العراقي". ووفقاً للمستشار، الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإن صالح عاد إلى بغداد بوضع أكثر أريحية مما كان قبل مغادرته، إذ تلقى دعم قوى سياسية عدة تُؤيد موقفه، وكذلك من مقربين للمرجع الديني علي السيستاني، كذلك فإن ساحات التظاهر قابلت خطابه بتأييد واضح، وطالبته بعدم التراجع عن تسمية رئيس وزراء غير حزبي وغير مجرب لقيادة المرحلة المقبلة. ووصف خطوة تحالف "البناء" بتقديم شكوى رسمية للمحكمة الاتحادية العليا في العراق ضد صالح واتهامه بخرق الدستور، بأنها محاولة ضغط لا أكثر، وخصوصاً أنها جاءت باسم نائب عن كتلة "صادقون"، أحد مكوّنات تحالف "البناء" الرئيسية، وتتبع مليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، ومعروف أنها لا تتحرك من دون توجيه من إيران. وحول إجراءات الأمن في محيط قصر السلام بعد تقارير تحدثت عن طائرات مسيّرة تتبع "كتائب حزب الله" العراقية حلقت فوقه، خلال الأسبوع الماضي، كنوع من التهديد أو الضغط، قال المستشار إن الإجراءات اعتيادية والمنطقة الخضراء تحت سيطرة الجيش العراقي وفرقة المهام الخاصة، وهناك تهويل ومبالغات تُضَخ يومياً على سبيل الإثارة.

وبالنسبة إلى شكوى "البناء" إلى المحكمة الاتحادية العليا، فوفقاً للدستور يحق لهذه المحكمة، وهي السلطة الأعلى في البلاد، قبول الشكوى أو رفضها، كذلك لها حق استدعاء الرئيس والتحقيق معه، في تهم انتهاك الدستور أو الحنث باليمين أو الخيانة العظمى. ولا يشترط للمحكمة أن تجيب بالرفض أو القبول بشأن الدعوى في سقف زمني محدد، لكن خبراء قانونيين وسياسيين اعتبروا أن الشكوى غير مكتملة الأركان، ومن المحتمل أن ترد أو أن يؤجَّل البت بقبولها أو رفضها، وذلك لأن أصل الشكوى يقوم على أن "البناء" هي الكتلة الأكبر في البرلمان، وهو أمر ما زال مختلفاً عليه حتى الآن، معتبرين أن الموضوع خطوة ضغط، ومحاولة للبقاء في حراك دائم بعد الحرج الذي سبّبه لهم برهم صالح.

مسؤول عراقي وقيادي آخر ضمن تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، أحد المكونات الرئيسية في تحالف "البناء"، قالا، لـ"العربي الجديد"، إنّ من المأمول أن يعقد اجتماع جديد اليوم الاثنين لبتّ اختيار مرشح جديد لرئاسة الحكومة بعد عودة صالح إلى بغداد، من بين ثلاث شخصيات مطروحة حتى الآن، هم قائد جهاز مكافحة الإرهاب السابق عبد الغني الأسدي، ورئيس جهاز المخابرات الحالي مصطفى الكاظمي، والثالث الذي برز في الساعات الماضية هو مدير مكافحة إرهاب بغداد السابق توفيق الياسري، وهو أيضاً عضو الجمعية الانتقالية التي تشكلت بعد غزو العراق في عام 2003.


ووفقاً للمصدرين، فإن كتل التحالف تشعر بالقلق من الهجوم الصاروخي على قاعدة "كي وان" في كركوك، الذي سبّب مقتل أميركي وجرح آخرين قبل يومين، لوجود مؤشرات على نقمة أميركية واحتمال عالٍ لأن ترد على الهجوم، تنفيذاً لتهديدات سابقة لوزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، صدرت عقب اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، مطلع الشهر الحالي، إذ اتهمت واشنطن فصائل عراقية مسلحة ضمن "الحشد الشعبي"، مرتبطة بإيران، بالوقوف وراء الهجمات التي تُشَنّ بصواريخ "الكاتيوشا" على قواعد تستضيف القوات الأميركية في العراق.

في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي هشام الهاشمي لـ"العربي الجديد"، إن "تحالف البناء دخل حالياً مرحلة التسوية، بعد الصدمات المتتالية له خلال الفترة الماضية"، مشيراً إلى أن "التحالف في مرحلة الوصول إلى تسوية مع المتظاهرين، وسيتجه إلى اختيار شخصية تكون غير مرفوضة من قبل جزء كبير من ساحات التظاهر، وتقديمها كمرشح لرئاسة الحكومة". وأضاف الهاشمي أن "تحالف البناء سيختار شخصية مستقلة بعيدة عن المنظومة السياسية، من ضمن المطروحين (عبد الغني الأسدي ومصطفى الكاظمي)، والأقرب قد يكون الأسدي بالنسبة إلى تحالف البناء وحتى ساحات التظاهر، وصالح ليس لديه مشكلة إذا كانت الشخصية بهذه المواصفات، فهو سيوافق على تكليفها".

من جهته، قال القيادي في "جبهة الإنقاذ" العراقية أثيل النجيفي، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "الصراع ما زال قائماً بين تحالف البناء ومن وراءه، وبين رئيس الجمهورية الذي يريد أن يأتي برئيس وزراء أقرب إلى الجماهير المنتفضة". وأضاف أن "عودة صالح إلى العاصمة بغداد ستعيد المفاوضات، لكن نعتقد أن الطريق شبه مسدود في الوقت الحاضر، لأن تحالف البناء متشبث برأيه، ولا يريد أن يقدم أي تنازل". ولفت إلى أن "المؤشرات تدل على أن قضية اختيار رئيس وزراء جديد ستستغرق وقتاً طويلاً، ولن تُحسم بسرعة، فالجماهير المنتفضة تريد تغييراً كاملاً وتغيير الطبقة السياسية بالكامل، وتحالف البناء يعرف أن هذا التغيير سيضربه في مقتل وسينهي نفوذه في العراق، وكذلك النفوذ الإيراني، ولهذا لا يقبل بما تريده الجماهير". وأضاف النجيفي: "لا أعتقد أن صالح سيكلف مرشحاً من تحالف البناء مرفوضاً شعبياً، وحتى وإن كلف مرشحاً كهذا، فهو يعرف أن الوضع سيزداد سوءاً، فهو يدرك أن تكليف مرشح تحالف البناء لا يحل الأزمة، بل سينقلها إلى مرحلة أخطر من المرحلة الحالية". وحذر من أن "تكليف مرشح من قبل تحالف البناء، يعني انتقال العراق إلى مرحلة الصدام بين المتظاهرين والأجهزة الموجودة داخل الدولة العراقية، وهذا الأمر يؤدي إلى خطورة أكبر من الخطورة الحالية".

أما النائب عن حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" ريبوار كريم، فقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "صالح موجود في بغداد، وهو مستمر في عمله". وأضاف أن "عودة صالح إلى بغداد ستعيد المفاوضات والتشاور لاختيار مرشح جديد يلبي طموح الشارع". وكشف أن "ما نلمسه وحصلنا عليه من معلومات، أنه حتى القوى السياسية المعارضة لطروحات صالح، وصلت إلى قناعة بأنه يجب اختيار مرشح يتوافق مع مطالب الشعب العراقي". وأضاف أن "رئيس الجمهورية سيبقى ثابتاً على موقفه برفض تكليف أي مرشح لا يتوافق مع مطالب الشعب العراقي، على الرغم من الضغوط التي يتعرض لها".

من جهته، رأى طلعت كريم، القيادي في تحالف "سائرون" المدعوم من مقتدى الصدر، في تصريح، لـ"العربي الجديد"، أن "عودة صالح، ستعيد الحوارات والنقاشات بشأن اختيار رئيس الوزراء الجديد، وهو الآن بانتظار مبادرات الكتل السياسية بشأن حل الأزمة وفق ما تريده الجماهير المنتفضة". ولفت كريم إلى أن "صوت الانتفاضة العراقية هو الأعلى من توافقات واتفاقات الكتل السياسية، فلا يمكن فرض أي مرشح لا يريده الشعب العراقي. لكن نعتقد أن قضية حسم مرشح رئيس الوزراء ستطول، فبعض الكتل ما زالت تصر على أن الترشيح يجب أن يكون وفق الكتلة الأكبر". وأضاف كريم أن "هناك محاولات لبعض الجهات كمحاولة لبقاء حكومة عادل عبد المهدي، لفترة أطول، ولهذا تجري المناورة المطولة في قضية تسمية رئيس الحكومة الجديدة، لكن في النهاية سيكون صوت الشعب هو الأعلى، والمعادلة السياسية اختلفت بعد ثورة أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التي أصبحت عاملاً مهماً وأساسياً في العملية السياسية. لا يمكن تكليف أي مرشح خارج مواصفات الشارع العراقي المنتفض".