استغلت المجموعات الاستخباراتية المناوئة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والمكونة من عناصر سابقة تم التخلّص منها وأخرى ما زالت في الخدمة، الأوضاع الإقليمية المشتعلة تحديداً في فلسطين، والتصعيد الإسرائيلي ضد مواطني قطاع غزة، وبدأت في بث مقاطع فيديو للرئيس المخلوع حسني مبارك تعود للعقد الماضي، يتحدث فيها عن القضية الفلسطينية ومواقف مصر "الثابتة" من رفض اعتبار القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وضرورة إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، واستعادة جميع الأراضي المحتلة في عام 1967. فعقدت بالتالي مقارنات بين مواقف مبارك وموقف السيسي الأخير الذي أكد أنه "لا يستطيع تقديم أي شيء للفلسطينيين أكثر من فتح معبر رفح، وتقديم المساعدات الطبية والغذائية".
مقاطع الفيديو التي اختيرت بعناية لمبارك من خطابات وحوارات بعضها لقنوات أميركية، انتشرت كالنار في الهشيم على صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها حديث وكأنه أنشئ خصيصاً للترويج لهذه المقاطع، والبعض الآخر قديم رجّح مراقبون تبعيته للمجموعات الاستخباراتية الموالية لمدير الاستخبارات الأسبق الراحل عمر سليمان، والمناوئة للسيسي ولذراعه المحركة للاستخبارات حالياً اللواء عباس كامل، خصوصاً أن تلك الصفحات تنشر من حين لآخر مدونات ومقاطع لإثارة الحنين لعهد مبارك، الذي يصفه السيسي دائماً في خطاباته بـ"سنوات الجمود والإهمال والترهل".
وأضاف المصدر أنه "على عكس نتيجة التحري عن الصحف الإخوانية أو المعارضة للسيسي، والتي يتم كشف الحسابات المديرة لها بسهولة وتكون معظمها مدارة من الخارج، فإن الصفحات المروجة لمقاطع فيديو مبارك ليست ممولة أو مدعومة مالياً، ولكنها تعتمد لترويج محتواها في المقابل على طريقة عنقودية لنشر المحتوى الإلكتروني. فالتدوينة أو المقطع الواحد يتم توزيعه ومشاركته في عشرات الصفحات الأخرى، وجميعها مدارة من قبل ذات الجهة أو الأشخاص، مما يرجح أن مجموعة استخباراتية واحدة هي التي تدير تلك الصفحات".
ورغم أن هذه الحملة لم تمنع السيسي من تكرار رسائله السلبية تجاه القضية الفلسطينية في ظهوره العلني الأخير، الثلاثاء الماضي، في المؤتمر الدوري للشباب، إلا أن الرسائل التي استشفها السيسي من نشاط المجموعات الاستخباراتية المناوئة له دفعته إلى توجيه بعض الرسائل للرأي العام، تأكيداً على انقطاع صلته بنظام حسني مبارك، وللتشديد على أنه الشخص الوحيد القادر على حكم مصر حالياً، في ظل عدم وجود بدائل أو خيارات أخرى من داخل النظام الجديد الذي بدأ في تأسيسه معتمداً على نواة صلبة من الجيش والاستخبارات والهيئات الرقابية والمجموعة المتحكمة حالياً في جهاز الأمن الوطني.
السيسي البالغ من العمر 64 عاماً من المفترض أن ينهي ولايته الثانية في سن 68 عاماً، وبدأت الدائرة الخاصة به في الترويج عبر إعلامها لإدخال تعديل دستوري سبق أن نوقش خلال الدورة البرلمانية الماضية يسمح له بالاستمرار في الرئاسة عدداً غير محدود من الولايات، أو بمد فترة الولاية الواحدة لتصبح 6 سنوات أو أكثر.
وبحسب مصادر حكومية وسياسية، فإن "مصدر القلق الرئيسي للسيسي حالياً يتمثل في مدى قدرة فلول نظام مبارك على تجميع أنفسهم وحشد قوتهم مرة أخرى تحت إمرة نجل الرئيس المخلوع، رجل الأعمال جمال مبارك، المحروم من مباشرة حقوقه السياسية حتى عام 2021، مما يعني أنه ربما يكون مؤهلاً نظرياً لمنافسة السيسي في العام التالي، إذا استمر الدستور على حاله".
ويعتمد فلول مبارك والمحيطون بجمال وشقيقه علاء في عملية التسلل إلى الوعي الجمعي للمصريين مرة أخرى على المتاجرة بفشل السيسي في إدارة شؤون البلاد، والمقارنات بين المواقف السياسية لمبارك والسيسي، تحديداً بشأن العلاقات مع واشنطن وإسرائيل وفلسطين والسعودية، وذلك بواسطة تحالفهم مع مجموعات استخباراتية مناوئة للسيسي، في ظل شعور متصاعد بأنه اختلق لنفسه طبقة حاكمة جديدة مكوّنة أساساً من ضباط الجيش، سواء المستمرين في معسكراتهم أو الموزعين على الرئاسة والاستخبارات والرقابة الإدارية وباقي أجهزة الدولة، مشكلين حكومة ظل، عاملة تحت إمرة مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل.
في المقابل، تحولت العلاقة بين السيسي والمجموعات الموالية لعمر سليمان إلى عداوة، بعد الإجراءات الواسعة التي اتخذها على مدار السنوات الثلاث الماضية لتطهير جهاز الاستخبارات العامة منهم، وكذلك من المشكوك في ولائهم للسيسي شخصياً، وليس للنظام، فأصدر أكثر من 18 قرارا جمهوريا بإحالة أكثر من 200 ضابط وموظف كبير للمعاش أو للعمل الإداري بجهات أخرى، من بينهم المسؤولون عن ملفات الحركات الإسلامية وجماعة الإخوان والتواصل مع حركة حماس والشؤون السودانية والإثيوبية.
ويلازم السيسي قلق من المجموعات الاستخباراتية الموالية لسليمان، المتوفي عام 2012، منذ ترشحه للرئاسة 2012 بغير رضا المجلس العسكري الحاكم آنذاك، بسبب الخلافات التاريخية بين سليمان والمشير حسين طنطاوي، الذي يعتبره السيسي بمثابة أبيه الروحي، خصوصاً أن فترة ترشح سليمان وما تلاها من استبعاده ثم تعاون بعض أجنحة الجهاز مع نظام حكم الإخوان المسلمين أثبتت للسيسي وغيره أن النواة الصلبة للجهاز ما زالت تدين بالولاء لسليمان ولن تقبل الانضواء تحت إدارة الجيش.
وكان أول قرارات السيسي بعد عزل رئيس الجمهورية محمد مرسي، في 3 يوليو/تموز 2013، الإطاحة بمدير الاستخبارات رأفت شحاتة الذي كان ابناً لجهاز الأمن القومي وصاحب باع طويل في متابعة الملف الفلسطيني تحديداً، وعين بدلاً منه اللواء محمد فريد التهامي الذي كان قد عمل من قبل في الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية، لكنه قضى معظم مشواره المهني في الاستخبارات الحربية وكان رئيساً للسيسي نفسه وأحد معلميه، وذلك بهدف إحكام الرقابة على الجهاز، كما نقل ابنه محمود من الاستخبارات الحربية للعمل بالمكتب المعاون للتهامي.