منذ لحظة وصول طائرة سعد الحريري إلى المملكة العربية السعودية، يوم الجمعة 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كان في انتظاره مفاجأة، إذ لم يكن هناك صف من أمراء سعوديين أو مسؤولين حكوميين كما هو المعتاد في استقبال الرجل كرئيس لوزراء لبنان في زيارة رسمية للاجتماع مع الملك سلمان، حسب ما قالت مصادر رفيعة المستوى قريبة من الحريري، بالإضافة إلى مسؤولين لبنانيين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى لوكالة "رويترز".
وبحسب الوكالة، فقد تمت مصادرة هاتفه الجوال، وفي اليوم الثاني أُجبر الحريري على تلاوة بيان استقالته كرئيس للوزراء في بيان بثته قناة تلفزيونية يملكها سعوديون، ودفعت هذه الخطوة لبنان مرة أخرى إلى واجهة صراع بين السعودية وإيران يعيد تشكيل الشرق الأوسط.
وتقول مصادر قريبة من الحريري إن السعودية كانت قد خلصت إلى أن رئيس الوزراء، وهو حليف للسعودية منذ فترة طويلة، وابن الراحل رفيق الحريري رئيس الوزراء الأسبق الذي اغتيل في عام 2005، كان عليه الرحيل عن المشهد السياسي، لأنه لم يكن مستعداً لمواجهة جماعة "حزب الله".
وبحسب مصادر لبنانية متعددة، فإن الرياض تخطط لأن يحل شقيقه الأكبر بهاء محله كأبرز سياسي سنّي في لبنان، وهي نفس المعلومات التي كشفتها صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، في مقال لها نشرته يوم السبت.
وبحسب مصادر "رويترز"، يعتقد أن بهاء موجود في السعودية وطُلب من أفراد عائلة الحريري السفر إلى هناك لمبايعته، ولكنهم رفضوا السفر.
وقال مصدر مقرب من الحريري إنه "عندما حطت طائرته في الرياض فهم الرسالة فوراً بأن الأمور ليست على ما يرام. لم يكن هناك أحد بانتظاره".
ورفضت السعودية المزاعم بأن الحريري أُجبر على الاستقالة، وتقول إنه "رجل حر"، ولم يتسنّ على الفور الوصول إلى مسؤولين سعوديين للتعليق على ملابسات وصوله، وما إذا كان هاتفه قد تمت مصادرته أو ما إذا كانت المملكة تخطط لأن يكون شقيقه بديلاً له.
ولم يعط الحريري أي تصريحات علنية منذ استقالته، ولا أي إشارة حول متى يمكن أن يعود إلى لبنان.
واستُدعي الحريري إلى المملكة للقاء الملك السعودي سلمان في مكالمة هاتفية مساء الخميس الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، وفيما كان يودع مسؤوليه قال لهم، إنه سوف يعود يوم الإثنين لاستئناف مناقشاتهم.
وقال لفريق إعلامه، إنه سيلتقي بهم آخر الأسبوع في شرم الشيخ، حيث كان من المقرر أن يلتقي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش المؤتمر العالمي للشباب.
وبعد وصوله ذهب الحريري إلى منزله في الرياض، إذ كونت عائلته ثروتها في المملكة، ولديها ممتلكات هناك منذ زمن.
وقال المصدر المقرب من الحريري، إن رئيس الوزراء جاءه اتصال من مسؤول في البروتوكول السعودي، صباح يوم السبت، وطلب منه الذهاب لحضور اجتماع مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد.
وقال المصدر، إنهم جعلوه ينتظر نحو أربع ساعات ثم قدموا له خطاب استقالته كي يتلوه عبر التلفزيون.
وقال مصدر لبناني رفيع المستوى: "من لحظة وصوله (السعوديون) لم يبدوا تجاه الرجل أي احترام".
ودأب الحريري على زيارة السعودية، وفي زيارة قبل ذلك ببضعة أيام كان محمد بن سلمان قد رتب له لقاءات مع مسؤولي مخابرات بارزين ومع المسؤول السعودي المختص بشؤون لبنان وهو وزير الشؤون الخليجية ثامر السبهان.
وعاد الحريري بعد هذه الزيارة إلى بيروت، وكان يبدو عليه الارتياح كما قالت مصادر في الوفد الذي يرافقه دائماً، ونشر الحريري صورة سيلفي له مع السبهان وهما يبتسمان.
وقال الحريري لمساعديه، إنه سمع كلاماً مشجعاً من ولي العهد شمل وعوداً لإعادة إحياء مشروع هبة سعودية للجيش اللبناني، وقالت المصادر المقربة من الحريري، إنه اعتقد أنه أقنع مسؤولين سعوديين بالحاجة للحفاظ على حالة من التوافق مع "حزب الله" من أجل استقرار لبنان.
وقال المصدر المقرب من الحريري الذي كان على علم بمحتوى اللقاءات "ما حصل خلال تلك اللقاءات -أعتقد- أن الحريري أبدى موقفه حول كيفية التعامل مع حزب الله في لبنان، وأن المواجهة مع حزب الله سوف تزعزع استقرار البلاد. وأعتقد أن ما سمعوه لم يعجبهم".
وقال المصدر، إن الحريري قال للسبهان "موضوع حزب الله ليس موضوعاً محلياً. لا تحملونا مسؤولية شيء يتخطاني ويتخطى لبنان"، مشيراً إلى أن الحريري هوّن من شأن الموقف السعودي تجاه حزب الله.
وقال المصدر "بالنسبة للسعوديين هي معركة وجودية، هي مسألة أبيض أو أسود، ولكن نحن في لبنان معتادون على الرمادي"، ولم يتسن على الفور الوصول إلى السبهان للحصول على تعليق الاستقالة وشكّل خطاب الاستقالة صدمة لفريقه.
وخلال خطاب الاستقالة قال الحريري، إنه يخشى التعرض للاغتيال، واتهم إيران وحزب الله بإثارة الفتنة وتوعد بقطع يد إيران، في لغة قال أحد المصادر إنها ليست لغة الحريري الاعتيادية.
وجاءت استقالة الحريري في وقت احتجزت فيه السعودية أكثر من 200 شخص، بينهم 11 أميراً ووزراء حاليون وسابقون ورجال أعمال كبار في عملية تطهير لمكافحة الفساد، وكثر في البداية الحديث عن أن الحريري كان أيضاً هدفاً لحملة الفساد، بسبب مصالح العائلة التجارية هناك، لكن مصادر مقربة من الزعيم اللبناني قالت، إن استقالته القسريه كانت مدفوعة بجهود سعودية لمواجهة إيران.
وتم أخذ الحريري للقاء الملك بعد استقالته. وتم بث اللقطات عبر التلفزيون السعودي. ومن ثم تم أخذه إلى أبوظبي للقاء الأمير محمد بن زايد الحليف الإقليمي الرئيسي لولي العهد السعودي. وعاد بعد ذلك إلى الرياض، ويستقبل منذ ذلك الحين سفراء غربيين في منزله هناك.
وقالت مصادر مقربة من الحريري، إن السعوديين بينما يبقون على الحريري قيد الإقامة الجبرية فإنهم يحاولون تغيير القيادة في تيار المستقبل من خلال تثبيت أخيه الأكبر بهاء، كزعيم جديد محل سعد.
وتم استبعاد بهاء من تولي المنصب الأعلى عندما اغتيل والده، والأخوان على خلاف منذ سنوات، وقال تيار المستقبل في بيان، إنه يقف خلف الحريري كزعيم له.
ورداً على التقارير التي تفيد أن بهاء كان في وضع يسمح له بالاستعاضة عن شقيقه الأصغر سعد، قال نهاد المشنوق وزير الداخلية وأحد مساعدي الحريري أيضاً "نحن لسنا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر، في لبنان الأمور تحصل بالانتخابات وليس المبايعات (مثل السعودية)".
ويقول أفراد العائلة والمساعدون والسياسيون الذين اتصلوا به في منزله في الرياض: إنه يشعر بالقلق ويتردد في قول أي شيء يتجاوز "أنا بخير" و"الحمد لله" وعندما سئل عما إذا كان سيعود أم لا اكتفى بإجابة عادية "إن شاء الله".
(رويترز، العربي الجديد)