يشير القرار الذي اتخذته الحكومة التركية، بتصنيف "هيئة تحرير الشام" كتنظيم إرهابي، إلى فشل المفاوضات بشكلٍ نهائي بين تركيا والهيئة (التي تشكل جبهة النصرة عامودها الفقري)، بشأن إقناع الأخيرة بحل نفسها وتسليم سلاحها الثقيل. إلا أن تبعات هذا القرار تبدو أنها تحمل الكثير من التعقيدات والتطورات في منحى الأحداث، والتي من المتوقع أن تؤثر بشكلٍ سلبي على كل الأطراف في محافظة إدلب، ويأتي في مقدّمتهم المدنيون الذين يبدو أنّهم سيدفعون الثمن الأكبر لتعنّت "جبهة النصرة".
ففشل تركيا في التوصّل سلمياً إلى إقناع الهيئة بحل نفسها، وضعها أمام خيار المواجهة معها من جهة، والقبول بضرب النظام السوري والروس مواقعها من جهةٍ أخرى، بشرط أن تكون الضربات مركّزة ولا تستهدف مدنيين. إلا أن اتّباع هذا السيناريو لن يمنع النظام من استهداف التجمّعات المدنية، وفق طريقة أدائه في السنوات الماضية، خصوصاً أن الهيئة تسيطر على العديد من المدن والبلدات على الشريط الحدودي مع تركيا، الأمر الذي سيزيد من تعقيدات التعامل معها في تلك المناطق.
وشهدت بلدات سورية، في الفترة الأخيرة، تفجيرات استهدف بعضها عناصر من الهيئة، وأخرى بدت كاستهداف من قبل الهيئة لمناطق خاضعة لسيطرة تركيا. تصاعُد هذا الأمر من شأنه أن يُدخل إدلب في حالة من التوتر والمخاطر على المدنيين التي لا تقل عن مخاطر العملية العسكرية. ومن الأمور التي قد تزيد من تعقيدات الوضع بعد القرار التركي، هو وجود التنظيمات الأكثر تشدداً من الهيئة والمبايعة لتنظيم "القاعدة"، كـ"حراس الدين" و"جند الملاحم" والتركستان"، التي قد تندفع بعد التصنيف التركي للهيئة إلى التوحّد معها كونها من الفصائل التي ستكون مستهدفة.
أما المشكلة الأعقد ضمن هذا السيناريو، فهي مشكلة "الجبهة الوطنية للتحرير"، والتي تشكّلت من مجموعة فصائل مدعومة تركياً ومن مزيج غير متجانس من الفصائل ذات الرؤى والأيديولوجيات المختلفة، والتي كانت مهيأة نفسياً للتصدي للنظام، فيما وجدت نفسها فجأة أمام الخيار الأصعب وهو مواجهة "هيئة تحرير الشام" التي يستهدفها النظام وروسيا. هذه المعادلة الصعبة قد تتسبّب في خروج بعض الفصائل عن الإجماع الذي كان متوافراً لمواجهة النظام، الأمر الذي قد يدفع بعض الفصائل إلى التراجع عن مواجهة الهيئة، لا سيما أن بعضها كان يدعو إلى إنشاء غرفة عمليات موحّدة مع الهيئة لمواجهة النظام.
وبالتالي، يبدو أن حسم موضوع "جبهة النصرة" بالقوة العسكرية مهما يكون السيناريو المتّبع لذلك، سيتسبّب في مزيد من الرعب وحالات النزوح باتجاه مناطق أكثر أمناً، وانقسامات إضافية، الأمر الذي قد يستغله النظام في محاولة إدخال بعض المناطق ضمن مصالحات تؤدي بالنتيجة إلى سيطرته الميدانية عليها.