بدا الرئيس السوداني عمر البشير مصمماً على جمع السلاح من المواطنين في إقليم دارفور، وحرص خلال جولة على ولايات الإقليم الخمس قبل نحو الشهر، على تحضير المواطنين لهذه الخطوة، المفترض أن تبدأ اعتباراً من شهر مايو/أيار الحالي.
وقد أعلن البشير عن تشكيل لجنة عليا لجمع السلاح من مواطني دارفور، على مراحل، من بينها "الجمع مقابل المال"، وقد وجّه البشير وزارة المالية، لتخصيص ميزانية إضافية في محاولة لإغراء الأهالي لتسليم سلاحهم طوعاً.
في هذا السياق، عقدت الحكومة ورشة على مستوى رئاسة الجمهورية بمدينة الفاشر، بغية السيطرة على الأسلحة بدارفور كضربة بداية لتنفيذ القرار. ورأى النائب الأول للرئيس السوداني بكري حسن صالح، أن "الورشة بمثابة تعزيز لجهود الدولة في نزع السلاح والاستقرار والأمن بدارفور"، مؤكداً أن "العملية ستتم بعد بسط هيبة الدولة في كامل أنحاء دارفور". لكن رئيس السلطة الانتقالية لدارفور التجاني السيسي، توقع أن تُواجه عملية نزع السلاح مقاومة شرسة من قبل المستفيدين من انتشاره، معتبراً بأن "دارفور باتت سوقاً رائجة للسلاح".
وبالتزامن مع الورشة اندلعت مواجهات قبلية جديدة بين قبيلتي المعليا والرزيقات، بسبب سرقة مواش قُتل خلالها 15 شخصاً، وأُصيب آخرون وفق إحصائية رسمية. واستُخدمت في المعارك الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وتبع ذلك هجوم قبلي مسلّح لأحد الفصائل الموقّعة على اتفاق سلام، وتنتسب لقبيلة الرزيقات، على منزل حاكم ولاية شرق دارفور، التي شهدت المواجهات القبلية. وأحرق المهاجمون المنزل بالكامل، فضلاً عن سيارات الحراسة، احتجاجاً على مقتل قائدهم في الحرب القبلية، إذ اتهموا الوالي بالانحياز لقبيلة المعليا.
كما رصد تقرير صادر عن الأمم المتحدة في وقت سابق، حجم السلاح المتداول بالإقليم بنحو مليوني قطعة، لكن أهالي الإقليم يُقدّرونه بأكثر من ذلك، فكل أسرة تملك ما بين ثلاث إلى أربع قطع سلاح. كما يحرص بعضها على بيع ممتلكاته مقابل اقتناء قطعة سلاح، الذي يعتبرون وجوده معهم ضرورة للحماية، في ظلّ حالات الانفلات الأمني في الإقليم، وشكاوى حكام دارفور أنفسهم من غياب هيبة الدولة.
وبين الحين والآخر تتواتر المعلومات حول عمليات نهب مسلحين لبنوك حكومية، واقتحام مبان تابعة للمحاكم من أجل تحرير متهمين، فضلاً عن مهاجمة حافلات للسفر، وتحديد نقاط لتحصيل الضرائب بعيداً عن سلطة الحكومة.
مع العلم أن حرب جنوب السودان (اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 2013 ولا تزال مستمرة) والحرب التشادية ـ الليبية (1978 ـ 1987)، فضلاً عن تسليح الحكومة لمواطني دارفور لمواجهة التمرّد، عناصر أساسية لانتشار السلاح بالمنطقة.
من جهته، يقول أحد مواطني دارفور، المدعو أبو بكر، بأن "السلاح في دارفور أنواع، بعضه حصل عليه الأهالي كغنائم من المعارك مع المتمردين، وآخر اشتروه من تجّار السلاح، ومن الحكومة نفسها، فكيف سيُسلّم؟".
أما المواطنة مريم، فترى بأن "تنفيذ القرار يتطلّب تدابير كبيرة، وأن يعمل الرئيس على حماية القرار بخلق آليات تنفيذ قوية، كي لا يصبح مثل قرارات سابقة". وترى بأن "الإبقاء على القوات شبه النظامية، لن يُشجّع الأهالي على التسليم مهما رُصد من مبالغ مغرية، باعتبارهم يمثلون حالياً الخطر الحقيقي".
كما أنه في الفترة الأخيرة تراجعت أسعار السلاح بدارفور بنسبة أكثر من 80 في المائة، مع زيادة الإقبال عليه، وذلك بسبب الوضع الليبي، والتوترات في الدول الإفريقية المجاورة للإقليم، ما أسهم في توافر السلاح.
في هذا الإطار، يقول تاجر سلاح بدارفور، إن "السلاح الذي يأتي من ليبيا أغرق السوق فسعر الرشاش يبلغ 12 ألف جنيه، بينما كان 35 ألف جنيه سابقاً، أما الطبنجة التركية فتراجع سعرها من ثلاثة آلاف جنيه إلى مبلغ يتراوح بين 1200 و1500 جنيه".
أما المحلل السياسي الطيب زين العابدين، فيرى بأن "أية عملية نزع للسلاح بعد نزاعات طويلة، تكون صعبة للغاية"، مشيراً إلى أن "العملية تتطلّب عرضا ماليا مغرياً للتسليم". ويتوقع زين العابدين أن "يعمد البعض لإخفاء السلاح، وأعتقد بأن جمع السلاح من الأفراد لن يكون بذات صعوبة جمعه من المليشيات، خصوصاً أن معظم القبائل الدارفورية الكبيرة، لديها مليشيات تدافع عنها".
ويضيف أنه "من الصعب أن تُسلّم المليشيات سلاحها، لأنه جزء من حماية القبيلة وممتلكاتها، خصوصاً أن النزاعات قد تقع في أية لحظة. كما لا أعتقد بأن الحكومة قد تدفع مبالغ مغرية لشراء السلاح من الأهالي، بالنظر للظروف التي تمر بها".
ويؤكد بأن "العملية كان يمكن أن تنجح بشكل أكبر إذا كانت نتاجاً لسلام دائم، لأنها ستجد في هذه الحالة دعماً دولياً". ويُشدّد على أن "ارتباط العملية بفرض هيبة الدولة في الإقليم والاستقرار الأمني والاقتصادي، يؤدي إلى انتفاء حمل المواطن للسلاح".
أما المتخصص بملف دارفور ماهر أحمد، فيرى بأن "الحكومة تملك سلطة تُمكّنها من جمع السلاح في دارفور، كما أن لها تجربة في ذلك في مطلع تسعينات القرن الماضي، حين جمعت السلاح من الإقليم". ويتابع "لكن في الوضعية الجديدة لدارفور، فإنها ورغم اعلان الخطوة، إلا أنه لن تكون هناك إرادة حقيقية لجمع السلاح في الدولة، لأن جزءاً كبيراً منه وزّعته الحكومة للأهالي لمساعدتها في حربها على التمرّد هناك". ويردف بأنه "طالما أن التهديد الأمني موجود من قبل الحركات، سيستمرّ توزيع السلاح، وتكمن الخطورة الكبرى إذا مضت الحكومة في تنفيذ القرار، لأنها ستجمعه من مجموعات وتتركه لدى الأخرى. ما يترتب عليه من اختلال في موازين القوة، لأن التوزيع يكون على أساس قبلي".
ويضيف أنه "حتى تجربة استيعاب حملة السلاح بعد توقيعهم على اتفاقيات سلام في القوات النظامية أو شبه النظامية، يمنع منسوبي القبائل من مناصرة أهلهم في الصراع القبلي". ويؤكد أن "من أهم الخطوات التي يجب أن تتخذها الحكومة هو أن تُحرّك المجموعات القبلية التي استوعبتها في القوات النظامية، أو شبه النظامية إلى خارج دارفور". ويرى بأن "نظرية السلاح مقابل المال، قد تُشجّع عملية تجارة السلاح بالمنطقة"، معتقداً بأن "الخيار الأمثل هو السلاح مقابل التنمية والخدمات". كما يعتبر مراقبون أن "حكام الولايات يقفون خلف قرارات الرئيس بشأن نزع السلاح بالإقليم، باعتبار أن انتشار السلاح خلق مراكز قوة يطمحون في تفكيكها لمصلحتهم".