وإن طغى على إحاطة سلامة الجانب الوصفي للأوضاع الميدانية والإنسانية وتكرار دعوات وقف إطلاق النار والعودة إلى الحل السياسي، إلا أنه أشار إلى ضرورة "العمل على تعديل المسار بغية جسر الهوة العميقة من انعدام الثقة التي سادت منذ ذلك التاريخ"، في إشارة إلى تاريخ هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس قبل أيام من التاريخ المقرر لعقد ملتقى غدامس منتصف إبريل/نيسان الماضي، بل ووصف "تعديل المسار" بـ"عملية سياسية جديدة"، مؤكداً أن البعثة "لم تتوقف مشاوراتنا مع مختلف الأطراف بشأنها".
تلك التلميحات قد تشير إلى اتجاه البعثة إلى العمل على اقتراح حلول سياسية جديدة تختلف عن شكل المبادرات السابقة، والتي كان آخرها عقد ملتقى غدامس الذي كان من المقرر أن ينهي مسائل الانتخابات والدستور.
ويرى مراقبون أن سلامة كان ينعى جهوده السابقة وقرب تحول الأمم المتحدة إلى صياغة خارطة طريق جديدة، فحديثه عن "عملية سياسية جديدة" قد يشي بأنها انعكاس لنجاح اتصالاته بعدة دول مؤثرة في الملف الليبي خلال زيارته الأخيرة لعواصم عدة آخرها مشاركته في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، في الثالث عشر من الشهر الجاري، فضلاً عن لقائه بالأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في اليوم ذاته.
في المقابل، لا يرى مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية السياسية (أهلي)، عبد الرحيم بشير، في حديث مع "العربي الجديد"، إمكانية لنجاح أي جهود جديدة لسلامة في الوقت الحالي، قائلاً إن "جهود سلامة لم تعد مقنعة لأي طرف ليبي بعد فشله السابق وطريقة إدارته للعملية السياسية"، مشيراً إلى أنه "فشل في تطبيق أي من مراحل خطته التي أعلن عنها في سبتمبر/أيلول 2017".
ويعتقد بشير أن "تعدد الأطراف اليوم، خصوصاً التي عادت إلى الواجهة من خلال مشاركتها الفاعلة في ميدان القتال، سيكون أول عوامل رفضه، فقد عمل سلامة على إبعادها وتهميشها في السابق حتى حصر الأزمة في شخصي حفتر والسراج"، لافتاً إلى أن المجتمع الدولي قرأ إحاطة سلامة بـ"أنها نعي لجهود بل نهاية لوجوده في البعثة".
ويرى بشير أن أمل الأمم المتحدة في لعب دور جديد بين الأطراف الليبية يعتمد على قدرتها على تطوير دورها، من بعثة للدعم السياسي إلى بعثة لحفظ السلام تبعاً لتغير الأوضاع التي وصلت إلى حد انعدام الثقة واتهام الطرفين بعضهما بعضاً بتهم ليس أقلها الإرهاب.
ويرى أيضاً أن "تطوير البعثة لدورها يتطلب دعماً دولياً مباشراً وقراراً مجمعاً عليه من مجلس الأمن من جانب، وقبولاً محلياً من جانب آخر لا يمكن أن يكون في الوقت الحالي والحرب لا تزال في ذروتها وكل من الطرفين لا يزال يصبو لتحقيق نصر".
ورجح أن يكون دور البعثة في شكلها الحالي كبعثة للدعم السياسي مغايراً بشكل كامل للأوضاع ومواقف الطرفين الرافضين الرجوع لطاولة المفاوضات، كما أن تطوير دورها لبعثة لحفظ السلام من خلال قوات دولية أمر ربما يحتاج إلى وقت أطول لا سيما أمام انقسام الموقف الدولي حتى الآن بشأن الحرب على طرابلس.
من جهته، عارض الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، بشير في رأيه، معتبراً أن تدخل سلامة بعد تورط حفتر في الحرب وإجبار الحكومة على خوضها سيكون بمثابة طوق نجاة لكليهما وسيجد الطرفان في الترحيب برجوع سلامة فرصة لتأكيد حرصهما على الحل السياسي، خصوصاً حفتر المتورط والذي يبحث عمن ينتشله من ورطه ولإثبات أنه لا يسعى لعسكرة الدولة والانقلاب على المسار السياسي.
وقال الجواشي، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إن "سلامة لم يشر إلى عملية سياسية جديدة إلا بعد أن وجد قبولاً دولياً ودعماً لرحلته الجديدة، كما أن تقديم مقترح أو مبادرة جديدة سيكون مقبولاً من الطرفين الرافضين العودة إلى طاولة التفاوض على أساس الخطة الأممية السابقة"، مشيراً إلى أن كل ذلك يعتمد على شكل المبادرة الأممية الجديدة.