شكل قرار حركة حماس النهائي بالمشاركة في الانتخابات البلدية الفلسطينية المقررة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعدما كانت أعلنت عدم نيّتها خوضها، مفاجأة كبيرة للسلطة الفلسطينية، ومفاجأة أكبر لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي وجدت نفسها مضطرة لإعادة قراءة أوراقها مجدداً. المعادلة التي يمكن أن تنتج عن مشاركة "حماس" في هذا الاستحقاق الانتخابي، قد تتعارض مع ما تطمح إليه مخططات وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، وقيادة الجيش، وقد تعيق سياسة "العصا والكثير من الجزر"، التي يعكف ليبرمان عليها، كوسيلة وأداة يمكنها في مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، أن تؤدي إلى حل ما، من خلال تسوية إقليمية جامعة، أو أن تقود، على الأقل، إلى توفير مظلة إقليمية عربية تضغط على القيادة الفلسطينية لاتخاذ قرارات حاسمة، تتيح تسوية مرحلية يمكن لإسرائيل أن تتعايش معها.
هذه هي عملياً الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من تقرير خاص أعدّه المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، في رصده لعملية خلط أوراق الاحتلال بفعل قرار حماس. وبحسب توصيف فيشمان، فإن هذه الحركة أدخلت الجميع "في حالة غيبوبة" اطمأنوا خلالها إلى أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح ستعيد وتكرر انتصارها في الانتخابات البلدية، كما حدث في العام 2012، عندما "انتصرت فتح على نفسها" لعدم وجود منافسين لها في الانتخابات. لكن هذا كله تبدّل، قبل أسبوعين، مع إعلان "حماس" عزمها خوض الانتخابات البلدية، وإعلان حركة الجهاد الإسلامي أيضاً أنها تفكر هي الأخرى بالمشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي.
إعلان واحد كان كفيلاً إذاً، بتغيير الصورة وخلط الأوراق لدى الاحتلال. وكان كافياً أيضاً لإحباط مسبق للخطط التي كان يضعها ليبرمان، عبر جلسات مكثفة مع كل من رئيس أركان الجيش، ونائبه، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وقائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، المسؤول عن ضبط إيقاع أوضاع الضفة الغربية، وبطبيعة الحال جهاز الاستخبارات العامة، الشاباك، بشأن ملامح ومضمون السياسة الجديدة للجيش في الضفة الغربية المحتلة.
وبفعل قرار "حماس" الأخير، وجد ليبرمان نفسه مضطراً لإعادة النظر بحساباته مجدداً، وتغيير وجهته حول تعزيز قوة الطبقة الوسطى في الضفة الغربية، عبر إقامة مدينة إضافية للفلسطينيين على غرار مدينة روابي، ومنح تسهيلات في مسألة البناء، من خلال نقل صلاحيات التنظيم والبناء في المناطق المسماة "أ و ب"، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. وكان يطرح أيضاً إمكانية نقل صلاحيات ترخيص البيوت في هذه المناطق للسلطة الفلسطينية لحل مشكلة عشرات آلاف البيوت التي يقطنها نحو 200 ألف فلسطيني، وبالتالي شرعنة هذه البيوت، ودعم الاقتصاد الفلسطيني في هذه المناطق. هذا إلى جانب خطوات وعقوبات جماعية في "المناطق الإشكالية"، وفق التعبير الإسرائيلي. وكل ذلك في سياق استعداد إسرائيلي لاستباق واستقبال "مرحلة ما بعد أبو مازن". لكن مع قرار "حماس" ستصبح وجهة هذه الخطوات مجتمعة موجهة لدعم أبو مازن والسلطة الفلسطينية، أملاً في أن تساهم هذه الخطوات بمنع سيطرة "حماس" وفوزها في الانتخابات المحلية.
اقــرأ أيضاً
التوقعات الإسرائيلية تغيرت كلياً بعد إعلان "حماس"، وتحولت إلى كابوس ترى فيه إسرائيل، أن حركة حماس ستنتصر في الانتخابات البلدية في محاور وبلدات كبيرة، أولها مدينة أم الفحم ومحافظتها، حيث يقر الاحتلال بسيطرة "حماس" شبه المطلقة في حال قررت خوض الانتخابات. وكذلك الحال في نابلس وطولكرم وحتى قلقيلية التي تشكل لوحدها رأس هذا الكابوس، لقربها من الخط الأخضر، وكون مدينة كفار سابا الإسرائيلية تحت مرمى البصر فيها، وربما على مرمى حجر أو رصاصة "يطلقها مراقب بلدية قلقيلية في حال قرر رئيس البلدية المنتخب من حماس تسليح مراقبي البلديات بأسلحة حقيقية وبمسدسات خفيفة".
المشهد السياسي والأمني سيتغير كلياً إذاً، بفعل قرار "حماس"، الذي أدخل قيادة حركة فتح نفسها في دوامة جديدة لمعرفتها بتراجع شعبيتها في الشارع الفلسطيني. انطلاقاً من ذلك، طالب ليبرمان قيادة الجيش بالاستعداد لجلسة خاصة لمناقشة تبعات قرار الحركة وتداعياته وسبل مواجهته ومنعها من "السيطرة" على الضفة الغربية، لأن من شأن ذلك أن يؤدي، ربما، إلى تغيير البيئة السياسية التي مكنت إسرائيل منذ العام 2007 عملياً، من الفصل بين الضفة والقطاع، وحصر "حماس" في قطاع غزة، والتعامل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. هذا الوضع بات مهدداً بالزوال، و"حماس" باتت تقترب من تغيير المشهد السياسي في الضفة الغربية والعودة إلى واجهة المشهد في البلدات الفلسطينية الملاصقة لإسرائيل، على خط التماس الحدودي (الخط الأخضر) في قلب إسرائيل وليس على أطرافها، بفعل الموقع الجغرافي مثلاً لمدن مثل طولكرم وقلقيلية.
في المقابل، باشرت السلطة الفلسطينية بدورها التحرك لإضعاف حركة حماس وضرب فرص فوزها في الانتخابات البلدية، عبر اعتقال نحو 70 ناشطاً سياسياً رفيعي المستوى في الحركة. ويتوقع فيشمان أن تشن السلطة حملات اعتقال إضافية لضرب الجهاز الانتخابي لـ"حماس"، التي قد ترشح أنصارها في قوائم مستقلة. ويلفت فيشمان إلى أن هذه الاعتقالات لا تشكل بالضرورة ضماناً لنجاح خطة السلطة في ضرب "حماس". فقد تمت تجربة هذا الأسلوب في انتخابات مجلس الطلبة لجامعة بير زيت، وعلى الرغم من ذلك، فاز أنصار "حماس" بمقاعد المجلس.
المخاوف الإسرائيلية لا تقف عند انتصار مرشحي "حماس" في الانتخابات البلدية، وإنما تتجاوز ذلك لجهة محاولة استشراف نتائج ذلك، وانعكاس انتصار كهذا على مستقبل السلطة الفلسطينية، في سياق الاتجاه نحو المطالبة بانتخابات فلسطينية عامة لرئاسة السلطة، تمهيداً لبسط سيطرة "حماس" لاحقاً على منظمة التحرير ومؤسساتها. هذا يعني في حال إجراء انتخابات فلسطينية عامة، ضياع مخططات إسرائيل "لليوم الذي يلي أبو مازن" وذهابها هباء منثوراً. كل خطط الاحتلال وتصوراته للجهة والطرف الذي سيخلف أبو مازن، ومساعيه للتأثير على هوية الرئيس المقبل تصبح غير ذات صلة، وتعود "حماس" للمشهد الفلسطيني العام، في قطاع غزة، كما في الضفة الغربية، لتقضي على سياسية الفصل الإسرائيلية.
"حماس" ستنتصر بحسب التوقعات الإسرائيلية، في مدينة الخليل والمجالس القروية والبلدية في محافظتها، كما يتوقع أن تفوز في كل من جنين ونابلس وقلقيلية، فيما لا تزال الصورة في مدينة طولكرم غير واضحة. لكن يتوقع أن تدفع السلطة ثمن الإهمال المتراكم لعشرين عاماً. في المقابل، تشير صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن أبو مازن أصدر مرسوماً رئاسياً يلزم فيه انتخاب رؤساء بلديات مسيحيين في 11 بلدة فلسطينية على الأقل، بما يشير إلى محاولة منه لتفجير الانتخابات.
اقــرأ أيضاً
هذه هي عملياً الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من تقرير خاص أعدّه المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، في رصده لعملية خلط أوراق الاحتلال بفعل قرار حماس. وبحسب توصيف فيشمان، فإن هذه الحركة أدخلت الجميع "في حالة غيبوبة" اطمأنوا خلالها إلى أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح ستعيد وتكرر انتصارها في الانتخابات البلدية، كما حدث في العام 2012، عندما "انتصرت فتح على نفسها" لعدم وجود منافسين لها في الانتخابات. لكن هذا كله تبدّل، قبل أسبوعين، مع إعلان "حماس" عزمها خوض الانتخابات البلدية، وإعلان حركة الجهاد الإسلامي أيضاً أنها تفكر هي الأخرى بالمشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي.
وبفعل قرار "حماس" الأخير، وجد ليبرمان نفسه مضطراً لإعادة النظر بحساباته مجدداً، وتغيير وجهته حول تعزيز قوة الطبقة الوسطى في الضفة الغربية، عبر إقامة مدينة إضافية للفلسطينيين على غرار مدينة روابي، ومنح تسهيلات في مسألة البناء، من خلال نقل صلاحيات التنظيم والبناء في المناطق المسماة "أ و ب"، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. وكان يطرح أيضاً إمكانية نقل صلاحيات ترخيص البيوت في هذه المناطق للسلطة الفلسطينية لحل مشكلة عشرات آلاف البيوت التي يقطنها نحو 200 ألف فلسطيني، وبالتالي شرعنة هذه البيوت، ودعم الاقتصاد الفلسطيني في هذه المناطق. هذا إلى جانب خطوات وعقوبات جماعية في "المناطق الإشكالية"، وفق التعبير الإسرائيلي. وكل ذلك في سياق استعداد إسرائيلي لاستباق واستقبال "مرحلة ما بعد أبو مازن". لكن مع قرار "حماس" ستصبح وجهة هذه الخطوات مجتمعة موجهة لدعم أبو مازن والسلطة الفلسطينية، أملاً في أن تساهم هذه الخطوات بمنع سيطرة "حماس" وفوزها في الانتخابات المحلية.
التوقعات الإسرائيلية تغيرت كلياً بعد إعلان "حماس"، وتحولت إلى كابوس ترى فيه إسرائيل، أن حركة حماس ستنتصر في الانتخابات البلدية في محاور وبلدات كبيرة، أولها مدينة أم الفحم ومحافظتها، حيث يقر الاحتلال بسيطرة "حماس" شبه المطلقة في حال قررت خوض الانتخابات. وكذلك الحال في نابلس وطولكرم وحتى قلقيلية التي تشكل لوحدها رأس هذا الكابوس، لقربها من الخط الأخضر، وكون مدينة كفار سابا الإسرائيلية تحت مرمى البصر فيها، وربما على مرمى حجر أو رصاصة "يطلقها مراقب بلدية قلقيلية في حال قرر رئيس البلدية المنتخب من حماس تسليح مراقبي البلديات بأسلحة حقيقية وبمسدسات خفيفة".
المشهد السياسي والأمني سيتغير كلياً إذاً، بفعل قرار "حماس"، الذي أدخل قيادة حركة فتح نفسها في دوامة جديدة لمعرفتها بتراجع شعبيتها في الشارع الفلسطيني. انطلاقاً من ذلك، طالب ليبرمان قيادة الجيش بالاستعداد لجلسة خاصة لمناقشة تبعات قرار الحركة وتداعياته وسبل مواجهته ومنعها من "السيطرة" على الضفة الغربية، لأن من شأن ذلك أن يؤدي، ربما، إلى تغيير البيئة السياسية التي مكنت إسرائيل منذ العام 2007 عملياً، من الفصل بين الضفة والقطاع، وحصر "حماس" في قطاع غزة، والتعامل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. هذا الوضع بات مهدداً بالزوال، و"حماس" باتت تقترب من تغيير المشهد السياسي في الضفة الغربية والعودة إلى واجهة المشهد في البلدات الفلسطينية الملاصقة لإسرائيل، على خط التماس الحدودي (الخط الأخضر) في قلب إسرائيل وليس على أطرافها، بفعل الموقع الجغرافي مثلاً لمدن مثل طولكرم وقلقيلية.
المخاوف الإسرائيلية لا تقف عند انتصار مرشحي "حماس" في الانتخابات البلدية، وإنما تتجاوز ذلك لجهة محاولة استشراف نتائج ذلك، وانعكاس انتصار كهذا على مستقبل السلطة الفلسطينية، في سياق الاتجاه نحو المطالبة بانتخابات فلسطينية عامة لرئاسة السلطة، تمهيداً لبسط سيطرة "حماس" لاحقاً على منظمة التحرير ومؤسساتها. هذا يعني في حال إجراء انتخابات فلسطينية عامة، ضياع مخططات إسرائيل "لليوم الذي يلي أبو مازن" وذهابها هباء منثوراً. كل خطط الاحتلال وتصوراته للجهة والطرف الذي سيخلف أبو مازن، ومساعيه للتأثير على هوية الرئيس المقبل تصبح غير ذات صلة، وتعود "حماس" للمشهد الفلسطيني العام، في قطاع غزة، كما في الضفة الغربية، لتقضي على سياسية الفصل الإسرائيلية.
"حماس" ستنتصر بحسب التوقعات الإسرائيلية، في مدينة الخليل والمجالس القروية والبلدية في محافظتها، كما يتوقع أن تفوز في كل من جنين ونابلس وقلقيلية، فيما لا تزال الصورة في مدينة طولكرم غير واضحة. لكن يتوقع أن تدفع السلطة ثمن الإهمال المتراكم لعشرين عاماً. في المقابل، تشير صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن أبو مازن أصدر مرسوماً رئاسياً يلزم فيه انتخاب رؤساء بلديات مسيحيين في 11 بلدة فلسطينية على الأقل، بما يشير إلى محاولة منه لتفجير الانتخابات.