وجاء هذا التأكيد في تصريحات أدلى بها، أمس، عدد من الجمهوريين والديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب وبما يعكس شبه إجماع حول وجود نقمة عارمة في الكونغرس على المملكة السعودية، خاصة بعدما جاءت الاستخبارات المركزية سي آي إيه بخلاصة تحمّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مسؤولية الجريمة. توافق نادر بين الحزبين في الآونة الأخيرة وتميّز بخروج عدد غير قليل من الجمهوريين علناً عن خط الرئيس دونالد ترامب وبشيء من النقد الصريح لدفاعه عن المملكة، كما قال السناتور مايك لي.
وجرى التنويه بعدة مشاريع قوانين متداولة، تتراوح بين فرض المزيد من العقوبات، ووقف تزويد السعودية بالسلاح ولغاية انتهاء حرب اليمن، وانتهاء باحتمال أن يتولى الكونغرس فتح تحقيق خاص بمقتل جمال خاشقجي إذا لم تفض العقوبات إلى نتيجة، بحسب السناتور الديمقراطي بيرني ساندرز.
كما جرى التلويح بعقد جلسات وتوجيه "أسئلة للتحري عن الأسباب التي تحمل الرئيس على الدفاع عن ولي العهد السعودي"، كما وعد النائب الديمقراطي آدم شيف المتوقع أن يتولى رئاسة لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الجديد.
والمعروف أنه كان قد سبق وجرى الحديث عن خطوات من هذا النوع غداة وقوع الجريمة. لكن هذا التوجه أخذ شحنة زخم قوية بعد بيان ترامب الأسبوع الماضي والذي رفض فيه التسليم "باستنتاج" السي آي إيه حول مسؤولية ولي العهد السعودي. يومها كان الكونغرس في إجازة عيد الشكر. الآن وبعد فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب، اشتدت عزيمة خصوم الرئيس وبات بعض الجمهوريين يتجرأ على المجاهرة باعتراضه على موقف البيت الأبيض من القيادة السعودية. الأمر الذي يعزز احتمال تمكّن الكونغرس وبالذات مجلس النواب من اتخاذ خطوات أبعد مما يريد الرئيس، كأن يفتح التحقيق الذي يتحدث عنه أو يتمادى في العقوبات أو يضع المزيد من التضييق على تزويد المملكة بالسلاح. منسوب النفور في الكونغرس من القيادة السعودية، أعلى بكثير مما كان عليه في شهر مارس/آذار الماضي، عندما ضغط ترامب وأطاح بمشروع قرار مشترك جمهوري ديمقراطي لوقف تسليح المملكة عقاباً على قتل المدنيين.
الآن تغيرت المعطيات، الرئيس بات أقل نفوذاً في الكونغرس عما كان عليه قبل الانتخابات النصفية على الأقل بالنسبة لفريق من الجمهوريين. يضاف إلى ذلك ويتقدم عليه، أن قتل جمال خاشقجي أعطى دفعة قوية للاعتراض على المملكة ووسع دائرته.
منذ فترة طويلة تتردد أصوات تطالب بمراجعة العلاقات مع السعودية وإعادة صياغة عقدها المبرم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وكان هناك باستمرار جدل وإن كان محدوداً، بين رأيين في واشنطن حول تصنيف المملكة: هل هي حليف أم شريك – صديق؟ الثاني كانت كفته راجحة، خاصة بعد هجمات سبتمبر/أيلول 2001. وهو موقف يلتقي عنده الديمقراطي والجمهوري، الليبرالي والمحافظ، من خلال الاعتراف بأن هناك مصالح كبيرة مشتركة تشكل الصمغ الرابط لهذه العلاقة. والآن جاء إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وفتح الصراع معها، ليعطيا الإدارة ورقة أخرى لتسويغ موقفها الأخير من ولي العهد، لكنّ هذا التسويغ له معارضوه، ليس فقط من باب الدواعي القانونية والأخلاقية، بل أيضاً من باب أن "السعودية تحتاج أميركا أكثر مما أميركا تحتاجها". مقولة ترددت كثيراً في الآونة الأخيرة، في سياق تفنيد الحيثيات التي أوردها ترامب في بيانه الشهير.
في كل حال، باتت الآن حرب اليمن فوق نار حامية في الكونغرس، مقتل جمال خاشقجي رفع من درجة حرارتها. وترامب يقف على عتبة ثلاثة استحقاقات: انتقال القرار في مجلس النواب إلى الديمقراطيين في 3 يناير/كانون الثاني.
ثانياً، اقتراب صدور تقرير المحقق روبرت مولر أو المزيد من الإدانات في هذا الملف.
ثالثاً، إجراء التغييرات المنتظرة في الإدارة، خاصة استبدال المدير العام في البيت الأبيض الجنرال جون كيلي وتعيين وزير عدل أصيل والبحث عن بديل لوزير الدفاع جيمس ماتيس، المتوقعة مغادرته في مطلع السنة الجديدة. وبالتالي هو ليس في وضع القادر على حماية المملكة من الكونغرس كما كان في السابق. أو هكذا يُفترض.