"الجمهوريون" الفرنسي... الخاسر الأكبر في الانتخابات الأوروبية

28 مايو 2019
فوكييز اعترف مراراً بالهزيمة (فرانس برس)
+ الخط -
من كان يتصور أن اليمين الفرنسي، الذي كان يتأهب للعودة إلى السلطة، في بدايات انتخابات 2017 الرئاسية، بعد خمس سنوات من حكم فرانسوا هولاند، قد يَهوي إلى هذا المستوى، ويحصد أقل من 8 ونصف في المائة، في الانتخابات الأوروبية، ويتحول إلى رابع قوة سياسية فرنسية؟

زلزالٌ لم يتوقعه أحد، ولا حتى استطلاعات الرأي، أو مقالات وافتتاحيات صحيفة "لوفيغارو"، اليمينية، التي كانت، قبل أسبوع فقط من الانتخابات، تبتهج، بجذل، بحملة رئيس لائحة "الجمهوريين"، فرانسوا كزافيي بيلامي، وتتوقع له اختراقا كبيرا، بل وتتنبأ له بمستقبل سياسي باهر على حساب رئيس الحزب لوران فوكييز.

وهكذا، فإن هذا الحزب اليميني الذي وعد بالعودة إلى الحكم، وبالتخلص من "الخراب" الذي سببه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر استمالته أطُراً هامة في الحزب، توجَد الآن في رئاسة الحكومة وأهم الوزارات، أصبح مهدَّداً بالانهيار، على غرار الحزب الاشتراكي أو الأحزاب التقليدية في إيطاليا واليونان.

ومنذ ظهور نتائج الانتخابات، لم يتوقف أحد من قياديي الحزب، بمن فيهم رئيس الحزب فوكييز، عن الاعتراف بالهزيمة.


ولكن المشكل الذي يعرفه الحزب، يكمُنُ في قراءة الهزيمة، فرئيس الحزب الذي يرفض الاستقالة، لحد الآن، يُرجع الهزيمة، في قسمها الأكبر، إلى السياسة التي اتبعها الرئيس ماكرون عبر "شيطنة" مارين لوبان، واختزال الحملة في مبارزة معها، وهو ما ارتدَّ عليه وعلى كثير من الأحزاب الأخرى، ومنح الفوز لحزب مارين لوبان.


وكما هو الشأن حين تسقط البقرة، تحرر قياديون في الحزب من صمتهم، وبدأوا يهاجمون، صراحة، الخط السياسي والأيديولوجي للقيادة.

وكان على رأس المهاجمين جيرار لارشي، رئيس مجلس الشيوخ، الذي لم يكن راضيا على خيار بيلامي رئيسا للائحة الحزب في الانتخابات، بسبب ميول فرانسوا كزافيي بيلامي، المُحافِظة. وفي تصريح قاس، لفرانس أنفو، يوم الثلاثاء، يعترف: "لقد وجدنا أنفسنا في ركن من حلبة ملاكمة، مع مواضيع لا تمثّل سوى جزء مما نمثّله. البعض يصفهم بالهوياتيين. لقد نسينا ما نحمله في داخل اتحاد الحركة الشعبية (الاسم السابق لحزب "الجمهوريين"): الاجتماعي والاقتصادي والإيكولوجي. اليمين انكمش على نفسه".

ودعا جيرار لارشي، الذي تجنَّبَ مطالبة فوكييز بالاستقالة، مُفضِّلاً المطالبة بـ"استخلاص الدروس"، إلى تحالُفٍ لا غنى عنه، بين اليمين والوسط. وفي هذا الصدد، طالب بعودة القيادات اليمينية، التي فضلت الانسحاب أو الصمت، ومن بينها، فرانسوا باروان وكزافيي بيتران ودومينيك بوسرو.

وهذا الموقف دافعت عنه القيادية فاليري بيكريس، رئيسة جهة باريس الكبرى، التي طالبت باستقالة رئيس الحزب، وهو ما يعني المطالبة بتغيير الخط السياسي للحزب، عبر انفتاح حقيقي على الليبراليين وعلى الوسط، وخاصة حزب "اتحاد الديمقراطيين المستقلين"، الذي يقوده جان كريستوف لاغارد، والذي غادر التحالف مع "الجمهوريين"، بسبب خطهم المحافظ والهوياتي، وأيضا استعادة كل الطاقات التي غادرت الحزب، ومن بينها كزافيي برتران، رئيس جهة الشمال القوي.

وفي هذه الأثناء، تختلف مواقف المستفيدين من هذا الانهيار لأكبر حزب يميني فرنسي. فالإليزيه، الذي خرّب هذا الحزب، عبر إفراغه من أهم قياداته، والذي يمارس سياسة يمينية، باعتراف قادة في "الجمهوريين"، من بينهم جان فرانسوا كوبي، والذي يعبر عن الارتياح للتخلص من خصم كبير، بعد أن تخلص من الاشتراكيين، لا يخفي قلقه، من احتمال استفادة "الجمهوريين" من هذه الهزيمة، من أجل تجميع قواهم، كما فعلوا حين أسسوا حزب "اتحاد الحركة الشعبية"، وصعدوا إلى السلطة مع نيكولا ساركوزي، ما سيمثل، في هذه الحالة، تهديدا جديا للرئيس ماكرون في سعيه لتجديد ولايته الرئاسية. وليس سرا أن الرئيس ماكرون، لا يخشى شيئا في ظل بقاء منافسين ضعفاء له، كلوران فوكييز. بل يخشى أن يلتف اليمين من حول شخصيات يمينية معتدلة، منفتحة على الوسط، كفرانسوا باروان، أو رجل الشمال القوي، كزافيي برتران، تكون قادرة على مواجهته.


عملية استعادة "الجمهوريين" لوحدتهم، لن تكون سهلة، فخناجر كثيرة مشرعة في كل جانب، والطموحون للقيادة كثيرون. ونيكولا ساركوزي لا يزال قادرا، على تحريك رجالاته، عن بعد.

ثم إن الخطر الأكبر لا يزال جاثما، وهو مواصلة اليمين المتطرف سياسته الناجحة في إغراء ناخبي اليمين باللحاق به، عبر إشهار شعار "صوّتوا على الأصل بدل نسخة مشوَّهة"، وهو ما فسره رئيس لائحة "التجمع الوطني"، جوردان بارديلا، الفائز في الانتخابات الأوروبية بالقول: "إن حزب "الجمهوريين" يعيش نفس سيناريو انهيار الحزب الاشتراكي". ​