أعلنت الهيئة الوطنية للحوار في الجزائر استبعاد الأحزاب والتحالفات السياسية التي كانت تدعم سياسات الرئيس بوتفليقة والتي أيدت ترشحه لولاية رئاسية خامسة من الحوار الوطني، مؤكدة أنه لن يتم إشراكها في جولات الحوار واللقاءات السياسية التي تعقدها الهيئة.
وقال رئيس الهيئة كريم يونس، في مؤتمر صحافي عقده اليوم الخميس، إن أحزاب السلطة والموالاة لن تُستدعى للحوار، مضيفاً: "نحن نطبق توجهات المجتمع والحراك الذي يرفض ذلك، وهناك الكثير من الأحزاب والشركاء الذين رفضوا مشاركة أحزاب الموالاة في الحوار، ونحن بالطبع لن نفرض على شركائنا حواراً مع أحزاب يقبع قادتها في السجن بتهم الفساد، ونأخذ بعين الاعتبار موقف أحزاب المعارضة التي اجتمعت في 6 يوليو (كتلة التغيير) و26 يوليو (كتلة البديل الديمقراطي)".
وشدد رئيس البرلمان السابق كريم يونس على أنه يتعين على أحزاب الموالاة أن تقنع المجتمع والحراك وأحزاب المعارضة بمراجعتها لمواقفها وبأن مشاركتها ستقدم إضافة.
في السياق ذاته، قال عضو الهيئة عبد الوهاب بن جلول: "لدى أحزاب السلطة اتصال مباشر مع السلطة، ويمكن أن تقدم مقترحاتها مباشرة إلى الرئاسة إن استطاعت، ولا علاقة للهيئة بها".
ويقصد بأحزاب الموالاة أربعة أحزاب يقبع قادتها في السجن بتهم الفساد، وهي حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية (يقبع أمناؤها العامون في السجن، على التوالي جمال ولد عباس وأحمد أويحيى وعمار غول وعمارة بن يونس).
وجدد رئيس الهيئة مطالبة السلطات بتنفيذ تدابير التهدئة، وقال "طلبنا من رئيس الدولة عبد القادر بن صالح استبعاد الحكومة والإفراج عن الناشطين الموقوفين، ونحن متمسكون باجراءات التهدئة"، مشيراً إلى أن تدابير التهدئة لا تعني محاولة التأثير على قرارات العدالة، وأنه تم اتخاذ خطوة إيجابية جيدة عبر الإفراج، اليوم، عن ناشط شاب كان معتقلاً في مدينة عنابة، شرقي الجزائر، بسبب رفع الراية الأمازيغية وحكمت المحكمة ببراءته.
وشدد يونس على ضرورة الذهاب إلى انتخابات رئاسية دون الحاجة إلى المرور بمرحلة انتقالية، وقال "نرفض تنفيذ الخيار أو النموذج الليبي والمرور على مرحلة انتقالية، نحن نسعى لأن يتم توفير كافة الظروف للذهاب إلى انتخابات رئاسية دونما الحاجة لمرحلة انتقالية"، مشيراً إلى أنه يقترح في المقابل "عهدة رئاسية انتقالية كحل في الجزائر، على أن يتم توقيع ميثاق أخلاقي بين المرشحين للرئاسة لمنع تكرار الحكم الفردي الذي جرى في عهد بوتفليقة".
ويقصد بعهدة رئاسية انتقالية توافق قوى المعارضة على مرشح أو التزام مجموع المرشحين للرئاسة على أن تكون العهدة الرئاسية عهدة انتقالية يتم فيها صياغة دستور جديد وتنفيذ إصلاحات سياسية لتعزيز الديمقراطية وإصلاح المؤسسات السيادية.
ويتصادم موقف الهيئة الرافض للمرور بمرحلة انتقالية مع مطالب كتلة البديل الديمقراطي التي تضم مجموعة أحزاب تقدمية تطالب ببدء مرحلة انتقالية يديرها رئيس أو هيئة رئاسية انتقالية لفترة محدودة يتم خلالها انتخاب مجلس تأسيسي وإعادة صياغة الدستور، قبل الذهاب بناء على ذلك إلى انتخابات رئاسية.
واعتبر رئيس البرلمان السابق أن تفسير المادتين السابعة والثامنة من الدستور اللتين يطالب الشعب عبر الحراك في المظاهرات بتطبيقهما، تعنيان الذهاب إلى انتخابات رئاسية لاختيار رئيس شرعي، مشيراً إلى أن الانتهاء من ترتيبات الانتخابات الرئاسية المقبلة سيكتمل باختيار الهيئة الوطنية للانتخابات التي ستنبثق من داخل الندوة الوطنية للحوار التي ستعقد في وقت لاحق، بعد الانتهاء من جولات الحوار وصياغة الأرضية المتفق عليها.
وجدد رئيس هيئة الحوار التأكيد على أنه وفريق الهيئة لا يمثلون الحراك الشعبي وإنما يمثلون أنفسهم، وأنهم على قناعة بأن الحوار هو الحل الأمثل للخروج من الأزمة، كما رفض التعليق على مواقف أحزاب سياسية، بينها حزب جيل جديد والعدالة والتنمية، التي أعلنت رفضها للحوار مع الهيئة، مشيراً إلى أنه لا يملك في الوقت الحالي تصوراً عن أجندة زمنية تخص الاستجابة لكافة مطالب الحراك الشعبي.
واقترح يونس أن يستمر الشارع والحراك الشعبي في ضغوطه نفسها لمراقبة مسارات الحوار وإجبار السلطة على الاستجابة للمطالب المطروحة.
وكانت هيئة الحوار الوطني قد نجحت، الأربعاء الماضي، في عقد أول جولة تفاوض مع نشطاء في الحراك الجزائري، يمثلون عشر ولايات، ومع عدد من قادة منظمات وجمعيات وطنية، كالكشافة الإسلامية الجزائرية.
واصطدمت الهيئة بموقف ناشطين يطالبون برفض مشاركة أحزاب الموالاة التي كانت تدعم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في أي من جولات الحوار الوطني، والدعوة إلى استبعاد حكومة نور الدين بدوي بسبب مسؤولية رئيس الحكومة الحالي بصفته وزير الداخلية السابق الذي اتهمته بالإشراف على تزوير الانتخابات البلدية التي جرت في يونيو/حزيران ونوفمبر/تشرين الثاني 2017، كما دعت إلى ضرورة تغيير المسؤولين عن التزوير والفساد السياسي والمالي.
الجيش يجدد الدعوة للرئاسية
من جانبه، دعا قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح إلى تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب وقت ممكن لإخراج البلاد من الأزمة السياسية التي تعيشها.
وأشاد قايد صالح، اليوم، بعمل الهيئة والجهود التي تبذلها، متهماً ما وصفها "بمجموعات صغيرة مرتبطة بالعصابة تصر على رفض كل المبادرات لحل الأزمة"، ويقصد بها كتلة البديل الديمقراطي التي تضم قوى وشخصيات تقدمية تطالب ببدء مرحلة انتقالية وترفض الحوار مع هيئة كريم يونس.
وأشار قائد الجيش إلى أن هذه الأطراف "تصر على التمسك بمطالب غير مقبولة تجاوزتها الأحداث والإنجازات".
ولمح قائد الأركان لرفضه استبعاد حكومة نور الدين بدوي في الوقت الحالي، بل وأثنى على أدائها بقوله إن "مؤسسات الدولة ستستمر في أداء مهامها إلى غاية انتخاب رئيس جمهورية جديد، لأن القائمين على هذه المؤسسات هم مسؤولون يؤدون مهامهم على أكمل وجه، وهذا ليس من باب المجاملة أو تزييف الحقائق، بل انطلاقاً من متابعتنا اليومية لأداء هذه المؤسسات"، وذلك رداً على مطالب مستمرة من الحراك الشعبي والقوى السياسية وهيئة الحوار التي تطالب باستبعادها، موضحاً أن "المطالب الأساسية للشعب الجزائري التي عبر عنها خلال المسيرات السلمية تحققت وبشكل كامل، وبقيت مرحلة الانتخابات الرئاسية وما يتعلق بها من ضبط الإجراءات الضرورية لإنجاحها".
وعاد قائد الأركان إلى ملف المطالبات الشعبية والسياسية بالإفراج عن بعض الشخصيات السياسية الموقوفة، كالقائد الثوري لخضر بورقعة، وقال "أثمن موقف بعض أساتذة القانون، الذين لم يتوانوا عن قول كلمة الحق، حيث إنهم بعد الاطلاع على ملفات الموقوفين أكدوا أن هؤلاء ليسوا سجناء رأي، كما تدعي بعض الأطراف التي تحاول استغلال هذا الملف، وأن العدالة هي المخولة للفصل في هذا الموضوع".
خطط معادية
وكشف قائد الجيش عن توفر معلومات لدى أجهزة الأمن والاستخبارات بوجود خطط لزعزعة استقرار البلاد، وقال: "لدينا كقيادة عليا المعلومات المؤكدة حول هذه المخططات المعادية، التي سبق وأن حذرنا منها ومن مخاطرها وتهديداتها، والتي تستغل الوضع الراهن في بلادنا، لمحاولة فرض أجنداتها والتأثير في مسار الأحداث".
ووضع المسؤول العسكري محدداً رئيساً لمواقف الجيش يتعلق بـ"منع الوقوع في فخ الفراغ الدستوري والانزلاق إلى ما لا يحمد عقباه، لأن الجزائر ليست لعبة في أيدي المغامرين، والجيش يقف بالمرصاد لكل من يحاول المساس باستقرارها وأمنها وسمعتها ومكانتها".
وحث قايد صالح وسائل الإعلام الجزائرية إلى عدم الوقوع في ما اعتبره "مغالطات أعداء الوطن، وعدم الانسياق وراء المخططات المشبوهة"، مشيراً بشأن ملفات قضايا الفساد إلى أن الجيش "سيدعم العدالة ويوفر لها كافة الضمانات لتأدية مهامها".
ويشير قايد صالح في هذا السياق إلى قضية الطريق شرق غرب، التي تورط فيها عدد من الوزراء، وتم البت فيها عام 2015، حيث نجح وزراء ومسؤولون في النجاة من الملاحقة بفضل حماية محيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لهم، إضافة إلى قضية الفساد في شركة النفط سوناطراك المتورط فيها وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، ونجلاه وزوجته ومدراء وموظفون كبار عام 2013، إضافة إلى قضية تهريب 701 كيلوغرام من الكوكايين في مايو/ أيار 2018.