في هذا الخضم أثيرت تساؤلات حول أداء المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية الذي أنشئ في العام 2010، خصوصاً بعد غيابه عن مجريات المصالحة الأخيرة. من هنا برزت دعوات لحل المجلس أو إجراء تغيير أساسي في تشكيله وسياساته. وللاطلاع على المزيد حول المصالحة الأفغانية ومدى إمكانية نجاح الجهود الأخيرة، ولتسليط الضوء على أداء المجلس، حاورت "العربي الجديد" القائم بأعمال رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية المولوي عبد الحكيم مجاهد.
ما رأيكم بجهود المصالحة الحالية، بعد انعقاد الاجتماع الرباعي الأول بين أفغانستان وباكستان والصين والولايات المتحدة في إسلام آباد في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، والثاني في كابول في 19 من يناير أيضاً، ثم جلسات الحوار الأفغاني في الدوحة بإشراف مؤسسة بغواش في 22 من الشهر الماضي؟
تلك الاجتماعات نافعة ومثمرة. الاجتماعات الرباعية تأتي نتيجة التفاهم بين باكستان وأفغانستان، والذي حصل على هامش مؤتمر قلب آسيا لعملية إسطنبول في إسلام أباد في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. وآمل أن تثمر هذه الاجتماعات نتائج قريباً، شرط أن تكون لدى كل من الولايات المتحدة والصين ودول المنطقة نوايا صادقة إزاء المصالحة الأفغانية. كل تلك الاجتماعات والأعمال تهدف لوضع آلية شاملة لعملية الحوار، وستكتمل الآلية خلال الاجتماع المقبل، المرتقب عقده في إسلام آباد في غضون أيام. بعد ذلك نتوقع انطلاق عملية الحوار المباشر بين الحكومة الأفغانية وبين المسلحين. الجديد هذه المرة، وهو ما يعطي الأمل، ضمانات الولايات المتحدة والصين أو إشرافهما على العملية، حسب تعبيرين مختلفين. ولكني أشدد مرة أخرى على أن تعاون دول المنطقة والقوى الدولية، لا سيما بكين وواشنطن، هو الأساس، ومن دون ذلك لن يكون نجاح عملية المصالحة إلا حلماً من المستحيل أن يتحقق.
أما جلسات الحوار في الدوحة التي عُقدت في 22 من الشهر الماضي بإشراف منظمة بغواش، والتي شارك فيها وفد مهم من "طالبان" وبعض السياسيين الأفغان، فهذه الجلسات كانت نافعة، وهي تستكمل الاجتماعات الرباعية ولعلها تأتي بنتائج إيجابية في العاجل القريب. مع ذلك أتأسف جداً إزاء تصريحات المسؤولين الأميركيين الأخيرة التي مغزاها أن الأزمة الأفغانية قد تدوم، وأن الوضع الأمني نحو الأسوأ. تلك التصريحات تلمّح إلى أن جهود المصالحة لن تلفح. ولكني أرى غير ذلك، أرى أن جميع أطراف الصراع الأفغاني راضية على الحوار مع بعضها البعض وأنها تريد إيجاد حل للمعضلة.
بالنظر إلى جلسات الدوحة الأخيرة، هل تلاحظون أي تغيير في موقف "طالبان"؟
بالتأكيد ثمة تغير كبير في موقف "طالبان"، فجميع مطالب الحركة التي جاءت خلال جلسات الدوحة هي أمور طبيعية قابلة للنقاش والعمل عليها، مثل شطب أسماء قادة الحركة عن قائمة المطلوبين، أو التغيير في الدستور. وفيما يتعلق بالوجود الأجنبي في البلاد، فإن دور القوات الدولية قد انتهى نهاية العام 2014، وهي الآن في مهمة جديدة. خلاصة القول أن شروط "طالبان" شروط طبيعية يمكن العمل عليها، وهي تُظهر حصول تغيير كبير في موقف الحركة. في أوقات سابقة، لم تكن الحركة ترضى بالتفاوض مع الحكومة إلا بعد خروج القوات الدولية من أفغانستان، ولكنها تفعل ذلك الآن وقد فعلت في يوليو/تموز الماضي، حين جلست على طاولة المفاوضات مع الحكومة. سياسياً "طالبان" لم تكن ترضى بالحديث حول الدستور الحالي، ولكنها الآن تتحدث حول التغيير في الدستور الأفغاني أو التعديل فيه. ومن المعلوم أن الدستور قابل للتغيير والتعديل. وهو مطلب الكثير من الأفغان وليس "طالبان" فحسب.
بعد مقتل الملا عمر، انقسمت حركة "طالبان" إلى عدة جماعات. إلى أي مدى تعتبرون الأمر عقبة في سبيل نجاح عملية المصالحة؟
الخلافات الداخلية في صفوف "طالبان" ليست خلافات دائمة ومستمرة، إنما هي مؤقتة. إذ هناك جهود للوساطة تُبذل لاحتواء تلك الخلافات. ثمة لجنة علماء تعمل على توحيد صف الحركة. بالتالي نأمل أن تشارك "طالبان" في الحوار مع الحكومة تحت قيادة واحدة. ولكن إذا استمرت الخلافات، حينها لا بد من دعوة جميع تلك الجماعات إلى طاولة الحوار، لأن بقاء أي جماعة في الجبهة المعارضة يعني بقاء الأزمة ويمهد لاستمرار دوامة الحرب.
هناك جماعات أخرى تعارض الوجود الأجنبي في أفغانستان وتقاتل القوات الأجنبية والحكومة الأفغانية، كـ"الحزب الإسلامي" بقيادة قلب الدين حكمتيار، هل دُعيت تلك الجماعات للحوار؟
بالنسبة لـ"الحزب الإسلامي" لقد جاءت هيئات ووفود مختلفة من الحزب والتقت برئيس الجمهورية ومسؤولين في الحكومة، وكانت تحمل معها اقتراحات لحل القضية ولكن لا نتائج حتى الآن مع الأسف. وما نؤمن به هو أن تكون عملية الصلح شاملة لجميع الأحزاب المعارضة مهما كان اسمها.
اقرأ أيضاً: حوار الدوحة الأفغاني: "وفد وسطاء" يعبّد طريق المفاوضات
كيف تقيّمون دور دول الجوار كباكستان وإيران في عملية المصالحة؟
لدول الجوار دور هام للغاية ولن تتكلل جهود السلام من دون تعاون تلك الدول. نطلب منها التعاون، ولكن ما حدث أن كل دول المنطقة لها مصالح في أفغانستان، وتتعارض مصالحها أحياناً مع المصالحة في أفغانستان. على سبيل المثال مشروع "تابي" الذي بفضله سيصل غاز تركمانستان إلى باكستان والهند، تعارضه إيران، وبالتالي تلجأ الأخيرة إلى استخدام طرق مختلفة لإفشال المشروع، واستمرار دوامة الحرب في هذه البلاد وسيلة لأن تصل تلك الدول إلى مبتغاها. وبالتالي أفغانستان ضحية لمصالح دول المنطقة والقوى العالمية. لذا فإن نجاح جهود المصالحة مرهون بإخلاص القوى العالمية ودول المنطقة، لا سيما باكستان وإيران.
ما العقبات داخل أفغانستان في وجه جهود المصالحة؟
مع الأسف الشديد ثمة أحزاب وشخصيات لها مصالح مالية وسياسية وعرقية، وتلك المصالح تستدعي استمرار الحرب والعنف. بالتالي هؤلاء يعملون ضد الحوار وضد عملية المصالحة، وكلما نحرز نجاحاً ولو نسبياً في المصالحة، ترفع تلك الشخصيات والأحزاب أصواتها وتقف في وجه المصالحة وعملية الحوار وتتبنى شتى الأساليب لأجل إفشالها.
كيف تقيّمون موقف الحكومة الأفغانية من المصالحة مع الجماعات المسلحة، ومع دول الجوار؟
الحكومة تسعى لوقف العنف وإنجاح المصالحة. الرئيس أشرف غني يعمل لذلك، ولأجل الوصول إلى ذلك الهدف لا بد من تحسين العلاقات مع دول الجوار، إذ من دون ذلك لا يمكن وقف العنف. إذاً، للمصالحة شقان كما تقول الحكومة وهي: المصالحة مع الجماعات المسلحة، والمصالحة مع دول الجوار. ومن دونهما لا يمكن حلحلة الأزمة.
ماذا بالنسبة لعمل المجلس الأعلى للمصالحة منذ تأسيسه وحتى اليوم؟
المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية شُكّل في العام 2010 خلال حكومة حامد كرزاي بعد أن قرر الاجتماع القبلي تشكيل شورى للصلح. المجلس يضم 73 عضواً منهم العلماء والسياسيون وزعماء الأقوام والعشائر وقادة الجهاد وبعض النساء. وكان الرئيس الأفغاني الراحل برهان الدين رباني، أول رئيس للمجلس بعد تشكيله، وبعد مقتله إثر عملية انتحارية في سبتمبر/أيلول 2011، عُيّن نجله صلاح الدين رباني خلفاً له. وبعدما تم تعيين الأخير وزيراً للخارجية، أصبحت أنا القائم بأعمال الرئيس.
لجنة المصالحة تعمل على عدة محاور داخل الحكومة وخارجها. التركيز كان وما زال على بث الوعي في أطياف وأفراد الشعب وداخل الأحزاب بأن المصالحة هي الحل النهائي، وأن الخيار العسكري هو الخيار الفاشل، ولا طائل من ورائه. عملنا خلال الأعوام الماضية لخلق مناخ مناسب للمصالحة، مستخدمين كل الوسائل القديمة كالأواصر القبلية والمجموعات الدينية والوسائل الحديثة كوسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي. إضافة إلى مناقشة القضية مع أطراف الصراع من خلال مكاتب للمجلس في الأقاليم وفي المركز.
ما هي أهم إنجازات المجلس خلال الأعوام الماضية؟
لو رجعنا إلى الوراء قليلاً، كنا نواجه الكثير من العقبات. كانت أصوات عديدة تناهض فكرة المصالحة مع الجماعات المسلحة، وكانت أحزاب سياسية وقومية تقف في وجه المصالحة. استطعنا أن نقنع الجميع، سواء كانت أحزاباً أو أفراداً، أن المصالحة والحوار هو الحل. بالتالي نتيجة تلك الجهود، نشاهد اليوم الجميع يدعون إلى المصالحة ولا أحد يدعو إلى الحرب. كذلك كانت "طالبان" والجماعات المسلحة ترفض الحوار ولكنها الآن تقبل به وتدعو إليه، وهو تغيير مفصلي.
وعلى المستوى الإقليمي أيضاً، فالعديد من دول المنطقة كانت ترفض الحوار مع الجماعات المسلّحة مثل روسيا والهند، ولكنها جميعها تدعم الآن المصالحة. كما أن دولاً مختلفة في المنطقة تتعاون معنا بهذا الصدد كدولة قطر والسعودية وتركيا. كما أن المجلس يعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وغيرهما. وبفضل هذه الجهود الحثيثة للمجلس هُيئت أجواء مناسبة لإجراء حوار شامل سيحدث في العاجل القريب.