كشفت صحيفة "صنداي تلغراف" أنّ دولة عربية ثرية كانت تموّل توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا سابقاً، واستخدمته كمستشار مدفوع الأجر، حين كان يعمل كمبعوث للشرق الأوسط.
وأظهرت الصحيفة أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة هي التي موّلت مكتب بلير في لندن، فضلاً عن تلقّيه الملايين مقابل عمله كمستشار لها وللعاصمة أبوظبي، كما تمّ استخدام مسؤول بارز في وزارة الخارجية، بصفته رئيس أركان بلير، في دوره كمبعوث للجنة الرباعية، لمهام ترتبط بإمبراطوريته الاستشارية الخاصة.
وقد تثير هذه الحقائق أسئلة جدية حول تضارب المصالح بين عمل بلير العام والخاص، إلا أنّ بلير لطالما أكّد أنّ عمليه العام والخاص كانا منفصلين تماماً، نافياً أن يكون موظّفو اللجنة الرباعية ضالعين في "عمل تجاري".
وعلى الرّغم من ذلك، أجبر بلير، بعد الأسئلة التي طرحتها الصحيفة، على الاعتراف بحصوله على أموال من الإمارات، إلى الشركة ذاتها، لتمويل دوره كمبعوث رسمي غير مدفوع الأجر إلى الشرق الأوسط، وتمويل أعمال استشارية خاصة.
ولم يتم الكشف عن مساهمات دولة الإمارات العربية المتحدة في عمل اللجنة الرباعية لبلير، على الموقع الإلكتروني لمكتب ممثّل اللجنة، على الرّغم من أنّ صفحة "التمويل" تعلن عن مصادر أخرى للدخل، من الولايات المتحدة وكندا والحكومة البريطانية أيضاً.
وتظهر رسائل البريد الإلكتروني، التي أعلنت عنها التلغراف، أنّه عقب مرور عام على ترك بلير لمكتب رئيس الوزراء، بعد أن أصبح ممثّل اللجنة الرباعية، سافر نيك بانر، رئيس أركانه، في دور مبعوث إلى الإمارات، لمقابلة خلدون المبارك، الرئيس التنفيذي لـ"مبادلة للاستثمار"، صندوق الثروة السيادية، ليبدأ في العام التالي عمل بلير الاستشاري مدفوع الأجر.
في المقابل، رفض مكتب بلير، هذا الأسبوع، شرح الغرض من لقاء السيد المبارك، الذي يرأس أيضاً هيئة الشؤون التنفيذية لحكومة أبوظبي. بينما كلّف السيد بانر، المسؤول الرسمي عن القروض من مكتب وزارة الخارجية، في الشهر التالي، بإجراء محادثات بين رئيس شركة استثمار في أبوظبي وشركة "UI Energy"، وهي شركة نفط كورية، دفعت لرئيس الوزراء السابق لتقديم المشورة إليها.
إلى ذلك، لم يكشف عن عمل بلير للشركة الكورية، لمدّة عامين آخرين، لأنّه قال مراراً وتكراراً، للجنة الاستشارية في وايت هول، إنّ الشركة كانت قلقة بشأن "حساسيات السوق".
كما تظهر رسائل البريد الإلكتروني أنّ بلير حصل على دعم وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، عبد الله بن زايد آل نهيان، في عرض أرقام الإمارات العربية المتحدة على الطاولة في أغسطس/آب 2008، وقبل مشاركة بانر. وخلال زيارته كممثّل للجنة الرباعية، عقد بلير العديد من الاجتماعات الرّسمية مع بن زايد.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، مؤرّخة في 7 أغسطس/آب، وبعد وقت قصير من وصول وفد من شركة "UI Energy" إلى أبوظبي، كتب السيد بانر إلى مسؤول بارز في دولة الإمارات العربية المتحدة: "في ما يلي تفاصيل عن مجموعة (UI)، وهي حريصة على مقابلة كبار موظّفي (أوبيك)، في محاولة لحل الخلافات التي يبدو أنّها ازدادت، لأسباب مفهومة، لكن أعتقد أنّها خاطئة".
وبما أنّ النتيجة بدت مفيدة للطرفين، كان بلير ممتناً لأنّ بن زايد تعهّد بضمان اجتماعاتهم، يكمل بانر.
أمّا أحد الشخصيات الرئيسية في أبوظبي من الجانب الكوري، فكان كيو صن شوي، الرئيس التنفيذي لـ"IU"، الذي تبيّن لاحقاً أنّه قضى حكماً بالسجن لمدّة سنتين بسبب الرشوة.
وفي عام 2009، أرسلت ريبيكا غوثري، المسؤولة في وزارة الخارجية المنتدبة إلى مكتب اللجنة الرباعية لبلير، تفاصيل مصرفية لشركة ويندروش فينتوريس، وهي الشركة التي وجّهت المال لعمله الاستشاري التجاري من مسؤول في دولة الإمارات، بعد أيام من محادثات رسمية عن الشرق الأوسط عقدها مع وزير خارجية الإمارات في الأمم المتحدة في نيويورك.
وأرسل جاسون سيرانك، المراقب المالي لشركة توني بلير، أسوسيتس الاستشارية، رسالة إلكترونية منفصلة في عام 2010 إلى المسؤولين الإماراتيين الذين يسعون للحصول على أموال من أجل أنشطة بلير كممثّل للمجموعة الرباعية.
فضلاً عن ذلك، نشرت صحيفة التلغراف تفاصيل عن مبلغ منفصل بقيمة 2 مليون دولار أميركي، لشركة ويندروش من مكتب عبد الله بن زايد في عام 2011. وتشير الفواتير المستقلّة، إلى أنّ شركة ويندروش تلقّت ما لا يقل عن 12 مليون دولار أميركي، من وزارة الخارجية الإماراتية، للعمل الاستشاري في كولومبيا وفيتنام ومنغوليا، بالإضافة إلى الملايين التي دفعتها شركة "مبادلة".
من جهته، رفض متحدّث أن يقول ما إذا كانت الدفعة التي طلبتها غوثري، أو المبلغ الذي استلمه مكتب وزير الخارجية في عام 2011، يتعلّق بالعمل التجاري أو اللجنة الرباعية. غير أنّه أكّد أنّ دولة الإمارات ساهمت في تكاليف بلير وموظّفيه في لندن بالعمل الذي قام به، وأنّهم قاموا بذلك من أجل دور اللجنة الرباعية، وأنّ حساب ويندروش استخدم ببساطة لأغراض محاسبية.
وتضم اللجنة الرباعية: الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وروسيا. وتمّ توجيه التمويل من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأعلن عنه في الموقع، وفق مكتب موقع اللجنة الرباعية. وأدرجت أسماء تسعة مانحين، بما في ذلك بريطانيا، إلا أنّ دولة الإمارات لم تتواجد على القائمة.
وقال كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، الذي دعا إلى مزيد من الشفافية حول عمل بلير، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إنّ ما أفصحت عنه الصحيفة يدعم ترجيحات السياسيين الفلسطينيين الذي رأوا أنّه لم يكن منخرطا بشكل جاد بالعمل على قضيتهم والاعتراف بدولة فلسطين، بقدر اهتمامه بمصالحه الخاصّة، لافتاً إلى أنّه من المهم أن تكون الحدود واضحة بين العمل الدبلوماسي والعمل الخاص.
كما أكّد دويل أيضاً، أنّ إصرار بلير على عدم وجود تضارب مصالح بين أدواره، يبدو بعد الكشف عن هذه الحقائق "كأنّه ينفجر من الماء".
وهذه ليست المرّة الأولى التي تكشف فيها التلغراف عن فضائح بلير، كونها أظهرت في وقت سابق في عام 2013، محادثات بلير مع اللورد ديتون، السكرتير التجاري للخزينة، بالنيابة عن دولة الإمارات العربية المتحدة، عندما كان يحاول تأمين صفقات في بريطانيا تبلغ قيمتها مئات الملايين من الجنيهات.
ولا يزال متحدث باسم بلير يصرّ على أنّه لم يستخدم دوره في اللجنة الرباعية لمواصلة مصالح تجارية، وأنّ تمويل اللجنة الرباعية، كان إسهاماً في تكاليف بلير وموظفيه العاملين في لندن، مقابل ما قاموا به أثناء تأديتهم لمهامهم في اللجنة الرباعية ولا سيما السفر. وأضاف أنّ قصّة تضارب المصالح مع مكتبه الذي لا يمثّل أنشطة اللجنة الرباعية، كانت خاطئة على الدوام، وأنّه لم يقم بعمل تجاري متصل بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية.
وفي العام الماضي، أعلن بلير أنّه يعمل على إنهاء شركة "توني بلير أسوسيتس" الاستشارية، وهيكلة ويندروش، من أجل فتح معهد جديد غير هادف للربح يركّز على العولمة.