ما بعد قمم مكة: مرحلة جديدة من حرب السعودية والحوثيين؟

02 يونيو 2019
تردد السعودية أن الحوثيين أداة بيد إيران لاستهدافها(فرانس برس)
+ الخط -
جاءت القمم الثلاث، الخليجية والعربية والإسلامية، التي استضافتها مدينة مكة، يومي الخميس والجمعة الماضيين، لتطرح أسئلة عدة بين اليمنيين عما ستؤول إليه الأوضاع داخل بلادهم خلال الفترة المقبلة، في ظل حرص السعودية على حشد المواقف الدولية المنددة بتصعيد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وربط ما يجري بالصراع مع إيران.
وانقسمت الآراء في الأوساط اليمنية بين تبرير دوافع الرياض في حشد هذه المواقف، رداً على تصعيد الحوثيين باستهداف منشآت نفطية قرب الرياض، للمرة الأولى، في 14 مايو/أيار الماضي، وبين أخرى ذهبت إلى أن القمم والخطابات فيها قد تكون أفادت الحوثيين، بتقديمهم كقوة تمكنت من تحريك اجتماعات ومواقف إقليمية ودولية، على النحو الذي سار عليه رد الفعل السعودي المرتبط بالتصعيد الأخير.

وعادة ما كانت الرياض تواجه تصعيد الحوثيين بموجة عنيفة من الغارات الجوية والإجراءات العسكرية، كما حصل عقب استهداف "أنصار الله" مطار الملك خالد الدولي في الرياض بصاروخ باليستي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. غير أن الرد اختلف إلى حد كبير هذه المرة، بعد أن ضربت طائرات مسيرة تابعة للجماعة محطتي ضخ خط أنابيب، ما أدى إلى توقفه منتصف مايو/أيار الماضي، ليبدو وكأن المعركة دخلت طوراً جديداً، تتصدر فيه التحركات والتحشيدات الإقليمية على حساب ردود الفعل المباشرة.

في الأثناء، لم تخف مصادر قريبة من الحكومة اليمنية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، وجود حالة من الحيرة في أوساط مسؤولي الشرعية اليمنية إزاء إظهار الرياض حرصاً لافتاً على حشد المواقف السياسية المنددة بتصعيد الحوثيين، أو الداعمة لحقها بحماية أراضيها من الجماعة، المتهمة بتلقي الدعم من إيران. كما أن هذا التحرك، السياسي والدبلوماسي، لم يتزامن أو يترافق مع إجراءات عسكرية مباشرة، على غرار ما لوح به المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي، أكثر من مرة أخيراً، بالتأكيد أن التصعيد الحوثي غير المسبوق، باستخدام طائرات مسيرة لتنفيذ هجمات داخل السعودية، سيواجه بـ"عمل عسكري".
وبينما جاءت تعليقات الحوثيين على مجريات ونتائج قمم مكة مُحملة بالتهكم، على غرار اعتبار كبير مفاوضي الجماعة محمد عبدالسلام، في تغريدة، أن السعودية استقدمت "زعماء العالم الإسلامي لتبكي إليهم ورطة وقعت فيها بحماقتها، فلم يذرفوا لها دمعاً"، فقد أثارت التطورات تساؤلات عما بعد حملة السعودية الواسعة للحشد، وما إذا كانت تمهد لموجة من العمليات العسكرية كرد على هذا التصعيد، أم أن الهدف يقتصر على الدفاع عن موقفها العسكري باستمرار العمليات في اليمن، وإيصال رسالة مفادها أن الخطر الذي يمثله الحوثيون على درجة عالية من الجدية.



 من المؤكد أنه لا يمكن النظر إلى قمم مكة من زاوية يمنية بحتة. وبالتالي فإن تحرك الرياض، بالدعوة إلى القمم الطارئة، يأتي لحشد الدعم المساند لموقفها ومجمل توجهاتها في الأشهر الأخيرة، في ظل التصعيد الإيراني الأميركي، أكثر منه للرد على تطور عسكري نوعي متمثل بتمكن الحوثيين من الوصول إلى أهداف شديدة الحساسية، كما هو الحال، بمنشآت النفط، والتأكيد على اعتباره تطوراً مُداناً من الدول المشاركة في هذه القمم.
ومع الآخذ بالاعتبار، البعد المحوري المرتبط بالتصعيد مع إيران، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن اليمن في قلب هذا الصراع، وأن للرياض أجندتها من الترديد، بأعلى صوت ممكن، أن الحوثيين أداة بيد إيران لاستهدافها، على الأقل لتبرير موقفها من التصعيد بين طهران وواشنطن. كما أن السعودية تبدو حريصة أكثر من أي وقت مضى على ربط الحرب الدائرة في اليمن بصورة مباشرة بتهديد يطاولها من خارج الحدود، على عكس ما كان خطاب السنوات السابقة، الذي يحرص على التأكيد أن التدخل العسكري يأتي تجاوباً مع الحكومة اليمنية، ويهدف لإنهاء سيطرة الحوثيين المسلحة على المدن اليمنية، بما فيها العاصمة صنعاء.

وكان لافتاً، أن قمم مكة، وما سبقها من تطورات، ترافقت مع توجه سعت الرياض إلى تأكيده يتمثل باعتبار أن الحوثيين جزء لا يتجزأ من "الحرس الثوري" الإيراني، الذي واجه عقوبات أميركية، على الرغم من أن الجماعة المسلحة التي تحارب السعودية منذ سنوات، تتمتع بخطوط اتصال مباشرة مع دول غربية، وترفض واشنطن ولندن وغيرهما تصنيفها في "قوائم الإرهاب"، وسط تجاهل للمطالب المتكررة التي ترفعها الحكومة اليمنية، ومثلها السعودية، دون أن تلقى أي أصداء متجاوبة في السياق.
في كل الأحوال، يمثل الخطاب، الذي بدا حريصاً على إبراز الحوثيين كقوة تهديد متزايدة قادرة على استدعاء اجتماعات دولية منددة بهذا الخطر، مؤشراً مهماً على أن اليمن سيظل خلال الفترة المقبلة محطة محورية بتصعيد الأزمة مع إيران. وبالتالي يبقى الوضع مفتوحاً على كافة الاحتمالات، بما في ذلك تمديد أمد الحرب أو تصعيدها خلال الفترة المقبلة، على نحو يعزز ما قاله الحوثيون أنفسهم بأن ما بعد "عملية التاسع من رمضان ليس كما قبل"، في إشارة إلى استهدافهم منشآت نفطية في الرياض.