خطوة واحدة فقط وتصبح حزمة تعديلات العقوبات التي اقترحتها الحكومة الجزائرية بشأن قضايا مثيرة للجدل، كأمن الدولة والوحدة الوطنية والنظام العام، قابلة للتنفيذ، إذ لم يتبق سوى إقرار أخير من المجلس الدستوري، بعدما حصلت هذه الحزمة على مصادقة غرفتي البرلمان في ظرف 42 ساعة، كأسرع قانون يصدر في تاريخ البلاد، برغم اعتراضات سياسية وووسط تساؤلات جدية عن دوعي هذا الاستعجال، ومخاوف من هيئات حقوقية من استغلال السلطة للتعديلات الأخيرة لقمع المعارضة والناشطين.
وصادق مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) في الجزائر، الخميس، بالأغلبية، على مسودة تعديل العقوبات، بعد أقل من 24 ساعة من تصويت الغرفة السفلى، واستخدمت الحكومة المادة 16 من القانون العضوي الذي ينظم العلاقة بين الحكومة والبرلمان، التي تضفي الطابع الاستعجالي على القوانين، والمادة 36 من القانون نفسه، والتي تسمح بالتصويت والمناقشة المحدودة، والمادة 58 من نظام البرلمان، التي تتيح المصادقة دون اكتمال النصاب القانوني، إذ تعذر على أغلبية النواب الحضور بسبب تدابير الحجر الصحي وغياب النقل الجوي.
واعترضت كتل نيابية وأحزاب سياسية على حزمة التعديلات بسبب مخاوف من المس بحرية التعبير، وإطلاق يد الأجهزة الأمنية والسلطة لاستخدامها ضد المعارضين والناشطين والحراك الشعبي والصحافة الحرة في المرحلة المقبلة، والتي سيتم خلالها طرح مسودة دستور جديد يتوقع أن تثير ردود فعل سياسية وشعبية. واستغربت هذه الأحزاب عدم وجود أي مبررات تدفع بالحكومة إلى التعجيل واستخدام البرلمان لتمرير هذه التعديلات بالسرعة القصوى، وأصدرت الكتلة النيابية لحركة "مجتمع السلم" بيانا أعلنت فيه رفضها التصويت لصالح هذه التعديلات.
وتساءل النائب والعضو في قيادة الحركة، نصر الدين حمدادوش، في تقدير موقف، أرسل نسخة منه إلى "العربي الجديد"، عن طبيعة الاستعجال وخلفيات تمرير هذه الحزمة بزعم "التكفّل بالأشكال الجديدة للإجرام، والأفعال التي تهدّد الأمن والاستقرار"، في الوقت الذي تم فيه تعطيل أشغال البرلمان منذ منتصف مارس/آذار الماضي بحجة خطورة كورونا.
شكوك في نوايا السلطة
وطرح حمدادوش شكوكاً سياسية حول النوايا الحقيقية للسلطة في تمرير هذه التعديلات، وقال: "ما الذي يجعل الحكومة تصرّ على الطابع الاستعجالي في تمرير هذه القوانين بطريقةٍ مثيرةٍ للشكّ والجدل؟ وكان الأولى هو الاستعجال في فتح نقاشٍ وطني حول أولوية المرحلة، وهي جائحة كورونا وكيفية مواجهة تداعياتها الخطيرة، واجتماع البرلمان من أجل ممارسة السّلطة الرّقابية على أداء الحكومة".
ورجّح أن تكون السلطة بصدد وضع ترتيبات تستخدمها ضد كل معارضة لخياراتها في المرحلة المقبلة، مؤكدا "بهذه الطريقة الاستعجالية المستفزّة لتمرير هذه القوانين، وفي موضوعٍ حسّاسٍ وخطيرٍ مرتبطٍ بالمساس بالحرّيات كمكسبٍ دستوري أصيل، يصبح من حق البعض أن يشكّك في الخلفيات التي تقف وراء تمرير هذه القوانين التي تمسّ بالحرّيات وحقوق الإنسان، ومحاولة ترتيب خريطة المرحلة القادمة، والاستعداد المرتبك لعودة الحرَاك الشّعبي، وخاصّة مع حالة التخبّط وعدم الشفافية في مواجهة كورونا وتداعياتها الآنية والمستقبلية".
ولفت المسؤول في حزب إخوان الجزائر إلى أن "هذا التمرير بخرق كلِّ الأشكال المعمول بها، وبدون مناقشةٍ ولا تعديلٍ ولا تغييرٍ لنقطةٍ ولا فاصلةٍ في هذه القوانين، هو مظهرٌ آخرٌ من مظاهر تغوّل السّلطة التنفيذية، واستنساخٌ لنفس المنظومة والذّهنية والأساليب وبنفس أغلبية العصابة السابقة"، محذرا من المضمون الفضفاض للقوانين الجديدة.
وطالبت كتلة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بالسحب الفوري لما وصفه "القوانين الخانقة للحرّيات التي أقرتها سلطة الأمر الواقع"، مشيرة إلى أن "ما يجري أمر مذهل، إذ في الوقت الذي تدعو فيه حكومات العالم مؤسّسات دولها إلى البحث عن وسائل لمواجهة جائحة كورونا، تُسنَد للرئيس تبون مهمّة ردم ثغرات ترسانة القمع، التي تأسست ووُضعت حيّز الخدمة في عهد بوتفليقة"، وكذا "ترقيع حيل قانونية تتيح للعدالة الخاضعة للأوامر، بالتعسف على ما تبقى من فضاءات يستعملها المواطن للتعبير عن رأيه"، ولفت التجمع إلى أن تمرير هذه القوانين يتزامن مع "اشتغال آلة الردع والقمع النظامية بأقصى طاقاتها، لإبقاء معتقلي الرأي في السجون وحبس آخرين".
من جهته، عبّر حزب العمال اليساري عن قلقه العميق بشأن مضمون مشروع القانون وسرعة اعتماده "كجزء من إجراء طارئ ليس له أي مبرر". وأعلن الحزب، في بيان نشره الخميس، عن رفضه التام للتدابير العقابية الجديدة، ووصفها بأنها جزء من "التحول السلطوي الجديد الذي يفتح الطريق لإضفاء الشرعية على جميع حالات الانزلاق التي لوحظت منذ بدء الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) 2019، وملاحقة واستجواب المئات من المواطنين وإدانتهم بموجب تهم زائفة، كتقويض أمن الدولة والوحدة الوطنية والنظام أو الأمن العام".
وطالب حزب العمال السلطة بسحب مشروع هذه التعديلات التي تنطوي، وفقه، "على محاولة خبيثة لتجريم الصحافة التي تم إلغاؤها رسميًا في عام 2016، وتشديد سيطرة السلطة والأجهزة الأمنية وقمع المعارضة"، مضيفا أن هذه التعديلات تعد "اعتراضا صارخا على الرغبة العميقة التي أبداها الجزائريون في الديمقراطية والإصلاح السياسي المؤسسي والدستوري، والطموح الذي كان في قلب التعبئة الثورية للغالبية العظمى من الشعب منذ 22 فبراير 2019، لوضع حد لنظام القهر".
وقبل الأحزاب السياسية، كانت هيئات وناشطون حقوقيون في الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان ومحامون قد تحدثوا، الأربعاء، لـ"العربي الجديد"، عن المخاوف ذاتها مما وصفوها بـ"التعديلات المشؤومة" الموجهة أساسا للمزيد من تقييد الحريات، فيما كانت السلطة قد دفعت - إضافة إلى وزير العدل - بعدد كبير من المتحدثين باسم القضاء لتبرير هذه التعديلات والتقليل من تأثيرها على حرية الرأي والتعبير.