انتقل الشك السياسي في الجزائر من الحالة الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الرسائل والمواقف السياسية التي تعلن باسم الرئيس، وتُنسب إليه في الفترة الأخيرة، والتي تتزامن مع غيابه عن المشهد السياسي نتيجة تواجده في جنيف للعلاج بسبب وضعه الصحي الحرج، والذي تفاقم إلى حد كبير بعد نحو 6 سنوات على إصابته بجلطة دماغية في إبريل/نيسان 2013.
ويُطرح أكثر من سؤال في الوقت الحالي في الجزائر عمن يصدر الرسائل باسم بوتفليقة، وتحديداً منذ الأسبوع الماضي، تاريخ نشر رسالة ترشح الرئيس لولاية خامسة وإيداع ملف ترشحه لدى المجلس الدستوري. وتزايدت الشكوك حول الطرف الذي ينشر رسائل باسم الرئيس تتضمن مواقف سياسية مبنية على تقييم وتحليل سياسي لا يرقى، بحسب المتابعين والفاعلين السياسيين، إلى حالة بوتفليقة. المدير السابق لحملة الرئيس الانتخابية، عبد المالك سلال، الذي أقيل من منصبه قبل أيام، ذكر قبل أسبوعين أن بوتفليقة سهر بنفسه ليلة كاملة على كتابة رسالة إعلان الترشح، لكن قطاعاً واسعاً من الفاعلين في المشهد السياسي والمدني في الجزائر لم يتقبل هذه الفكرة بسبب الوضع الصحي لبوتفليقة. وهو ما حاول المدير الجديد لحملة الرئيس، عبد الغني زعلان، أيضاً تأكيده رغم إقراره أن الرئيس مريض.
وأكد جمال، الذي تحفظ على ذكر اسمه كاملاً، وعمل في مراكز حكومية وسبق له كتابة رسائل لبوتفليقة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مضمون الرسائل الرئاسية كان يتم اقتراحه عبر آلية تجميع جملة أفكار يطرحها الرئيس مع أقرب مستشاريه، ثم يتم تضمينها في رسالة حسب المناسبة، لكن الرسائل الأخيرة لا تبدو صادرة بنفس هذه الآلية". وقال جمال "طُلب مني ذات مرة، بعد مرض الرئيس في العام 2013، كتابة رسالة رئاسية تقرأ بمناسبة يوم الطالب حول الجامعة ومنجزات الدولة في هذا المجال. كنت في عطلة، لكن كتبت الرسالة التي سيقرأها الرئيس، وفعلاً بعد يومين، وبمناسبة عيد الطالب، قرأت الرسالة باسمه. وفي اليوم التالي خرجت الصحف تتحدث عن توجيهات الرئيس للمؤسسات الجامعية وخياراته وسياساته ومنجزاته أيضاً".
من جهتها، تتحدث قوى المعارضة السياسية في البلاد عما تصفه بـ"رسائل منسوبة للرئيس"، وترفض الإقرار أو التعامل مع هذه الرسائل والمواقف السياسية المتضمنة فيها على أنها مواقف فعلية صادرة عن بوتفليقة. وقال رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، الذي يتزعم كتلة المعارضة، في حديث مع "العربي الجديد"، "أنا رجل دولة، ولا يمكن أن نتعامل مع ما ينسب إلى الرئيس على أنه مواقف صادرة عنه. نعتقد أن المجموعة التي تتحدث باسمه هي التي تصدر مواقف باسمه، وهذا أمر غير سياسي". وتحدث بن فليس عن المسألة انطلاقاً من مواقع متقدمة شغلها مع بوتفليقة كمدير لحملته الانتخابية في العام 1999، ثم مديراً لديوان الرئاسة قبل ترؤسه للحكومة، ما يتيح له معرفة الفارق بين رسالة صادرة عن رئيس الجمهورية ورسالة منسوبة إليه.
من جهته، ذهب المحلل السياسي مروان لوناس إلى أن أكثر ما يعزز الشكوك في نسب الرسائل إلى بوتفليقة وجود تناقضات سياسية صارخة في تقييم الموقف السياسي. وقال "أعتقد أن المواقف المتضمنة في الرسائل الرئاسية، على الأقل الثلاث الأخيرة، بمناسبة إعلان ترشح بوتفليقة في العاشر من فبراير/شباط الماضي، ثم رسالة إيداع الترشح في الثالث من مارس/آذار الحالي، وأخيراً رسالة عيد المرأة في السابع من مارس، تؤكد أن كاتب الرسالة غير منسجم ويطرح تقديرات للموقف السياسي لا علاقة لها بالواقع". وأضاف "على هذا الأساس لا يمكن التعامل مع رسائل غامضة المصدر، منسوبة إلى الرئيس على أنها موقف رسمي منه". لكن المسألة لا تتوقف عند حدود وجود شكوك، وتتعداها إلى ما وصفه المحامي والناشط الحقوقي عبد الغني بادي بلائحة من حالات انتحال صفة الرئيس. وأوضح "نظرياً يمكن القول إننا أمام حالة إصدار رسائل باسم بوتفليقة، وهذا انتحال صفة، خصوصاً أن هذه الرسائل تتضمن مواقف وقرارات سياسية، لها علاقة وتأثيرات مباشرة بالأحداث ومستقبل البلاد، وكان يمكن أن تفجر الأوضاع وتخلق حالة من الانفلات، مثلما حدث يوم الثالث من مارس عندما صدرت رسالة التعهدات الرئاسية"، في إشارة إلى رسالة الثالث من مارس التي دفعت إلى مسيرات ليلية غاضبة من تجاهل الرئيس لمطالب المتظاهرين برحيله.