في سابقة دنماركية، اتفق البرلمان، بمختلف اتجاهاته، على "تشديد قوانين تصدير معدات المراقبة للدول الديكتاتورية"، وذلك كردّ فعلٍ على عملية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وفي إطار الكشف عن دور أجهزة المراقبة والتنصت الدنماركية في قمع الحريات. ووفقاً لما رشح عن مناقشات البرلمان الدنماركي، فإن "أغلبية سياسية باتت تتشكل لتمرير قانون يوقف تصدير هذه المعدات لأنظمة ديكتاتورية كالسعودية"، بحسب ما أكد عضو في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، عن اليسار الدنماركي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة.
وكانت أحزاب وصحافة اليسار ومنظمات حقوقية، في الدنمارك، قد وجهت، خلال الأعوام القليلة الماضية، انتقادات شديدة لتصدير تلك المعدات الحساسة إلى كل من السعودية والإمارات. وكانت صحيفة "انفارماسيون" كشفت، العام الماضي، في هذا الإطار، أن "حكومة يسار الوسط السابقة (حتى 2015)، وهي ائتلاف الاجتماعي الديمقراطي وراديكال فينسترا، مررت، وبسرّية تامة، تسهيل بيع تلك المعدات لأنظمة ديكتاتورية".
ومن المفارقات أن وزير الخارجية السابق في تلك الحكومة، مارتن ليدغورد، هو أحد المبادرين اليوم لجمع البرلمانيين لتمرير قانون وقف الصادرات إلى الرياض. ويعتبر ليدغورد أنه في فترة ترؤسه للخارجية لم يكن على علم أنه جرى تخفيف شروط تصدير المعدات الحساسة، على حدّ قوله.
وبحسب ما اطلع عليه "العربي الجديد" من مصادر خاصة في البرلمان الدنماركي، فإن المقترح "يقصد به دول خليجية، وعلى رأسها السعودية، على خلفية الاقتناع بأن ما جرى للصحافي جمال خاشقجي تمّ بموافقة وعلم أعلى المستويات". ويشمل هذا التشديد في تصدير المعدات الحساسة، "معدات المراقبة السيبرانية التي يبدو أنها تستخدم لانتهاك حقوق الإنسان وملاحقة المعارضين".
وكان يوم أمس الخميس شهد نقاشاً حاداً داخل البرلمان الدنماركي طالبت فيه الأغلبية، الحكومة "الالتزام الفوري بتشديد الإجراءات الإدارية والتطبيقية لتكون الدنمارك الأكثر صرامة في الاتحاد الأوروبي لناحية تصدير معدات حساسة للأنظمة الديكتاتورية". وعبّر وزير الخارجية السابق، مارتن ليدغورد، عن "دعمٍ بلا حدود لتقييد التصدير، فلا أحد يرغب في أن يساهم في تسهيل الأمور للدول الديكتاتورية الشبيهة بالسعودية، لممارسة القمع ضد شعبها".
وأثيرت القضية، أمس، بمبادرة من حزب "اللائحة الموحدة" اليساري، الذي اقترح "وقف تصدير كل المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى السعودية وغيرها من الدول التي تنتهك بشكل خطير حقوق الإنسان".
ووفقاً لمقررة الشؤون الأمنية والدفاعية في الحزب اليساري، إيفا فلوهولم، فإنه "من المؤسف أنه لم تتشكل أغلبية برلمانية في السابق (خلال الأعوام الماضية) لوقف بيع السعودية معدات مراقبة والوصول إلى المعارضين".
وإلى جانب تشديد شروط بيع أجهزة مراقبة، فإن البرلمان الدنماركي طالب حكومة يمين الوسط بـ"العمل بنشاط لأجل تشديد القوانين في الاتحاد الأوروبي في هذا المجال، بحيث يكون هناك ربط بين القضايا الحقوقية وتصدير هذه المعدات"، وفقاً لوصف مقرر الشؤون الدفاعية في يمين الوسط الحاكم، بيتر ينسن. وحتى اليمين المتشدد، حزب الشعب الدنماركي، الذي طالما دافع عن علاقات بلاده بأنظمة غير ديمقراطية حول العالم، وجد نفسه في معسكر منع التصدير إلى السعودية، وغيرها. فقد اعتبر مقرر الشؤون الدفاعية في هذا الحزب، ييبا ياكوبسن، أن "الدنمارك لديها مسؤولية ألا تقع هذه الأجهزة في الأيدي الخطأ لاستخدامها في القمع أو الاعتداء على مجموعات بشرية محددة".
ومن الجدير ذكره، أن "العربي الجديد" أشار في العام الماضي (للاطلاع انقر هنا) إلى قضية بيع الدنمارك معدات وأجهزة تستخدم في مراقبة ومتابعة المعارضين والناشطين في عدد من دول الخليج، ومن بينها السعودية، إلى جانب تصدير معدات من الشركة البريطانية - الدنماركية BAE Systems Applied Intelligence.
ويُعتقد على نطاق واسع بين عدد من المنظمات الحقوقية والصحافيين في كوبنهاغن أن تلك المعدات والأنظمة التي بيعت للسعودية "ساهمت من خلال عناوين بريد إلكتروني وأرقام الهواتف، في مراقبة اتصالات المستهدفين وشبكات تواصلهم، من خلال وضع النظام لخارطة التواصل وتحديده، بحيث يمكن للسلطات الوصول إلى كل الأشخاص".
وكانت منظمة العفو الدولية "أمنستي" قد انتقدت، في وقت سابق، توريد هذه المعدات والأنظمة إلى دول بعينها، ومن بينها الإمارات، التي يعتقد على نطاق واسع أنها ساهمت في اعتقال ناشطين، بينهم الحقوقي أحمد منصور، بالطريقة ذاتها التي تنتقدها الأحزاب الدنماركية. ويشير هؤلاء إلى أنه "ما من شك في أن الأنظمة في الخليج لديها قوانين تجرم الانتقاد السياسي للسلطات، ففي السعودية يسمون هذا الانتقاد بأنه دعم للإرهاب وإساءة لسمعة الدولة"، بحسب ما ظلت تذكر "أمنستي" في معرض انتقاداتها لتزويد دول بتلك المعدات والأنظمة الحساسة.
وبحسب ما ذكرت مديرة مكتب "أمنستي" في كوبنهاغن، ترينا كريستنسن، اليوم، فإنه "من الأفضل لو أن القرار يحتوي على صيغة منع التصدير، بدل تشديد القوانين".