عادت أزمة التواجد العسكري السعودي في محافظة المهرة اليمنية، إلى الأضواء مجدداً، مع فشل السياسات السعودية باحتواء السخط الشعبي الرافض لقواتها وعودة الاحتجاجات في الأسابيع الأخيرة، في وقتٍ يجري الاستقطاب محلياً فيه بين شخصيتين من وجاهات المحافظة، الأولى هي وكيل المهرة السابق، علي سالم الحريزي، على رأس مناهضي التواجد السعودي، في مقابل محافظ المحافظة الحالي، راجح باكريت، والذي يدعمه السعوديون ويواجه انتقادات محلية متزايدة.
وشهدت المهرة، على مدى الأيام الماضية، عودة مظاهر الأزمة، باحتجاجات وحملات إعلامية على أثر الزخم المتزايد الذي تحظى به الأصوات المحلية الرافضة للوجود السعودي، وبالتزامن مع مرور عامٍ على تولي المحافظ الحالي باكريت منصبه، على وقعٍ المطالبات المتزايدة بإقالته، إثر موقفه المتماهي مع رغبات السعوديين، المتهمين بالسعي لتنفيذ أجندة "استعمارية" خاصة بالبوابة الشرقية لليمن، تتمثل بمد أنبوب نفطي عبر الأراضي اليمنية وحتى سواحل المهرة على الأقل.
ووفقاً لمصادر محلية لـ"العربي الجديد"، فقد "واجه باكريت، ضغوطاً متزايدة في الأسابيع الأخيرة، على أثر حادثة مقتل اثنين من المحتجين وإصابة ثالث في منطقة الأنفاق، منتصف الشهر الحالي، برصاص القوات الأمنية المدعومة من القوات السعودية. إثر ذلك، نظم المشاركون في اعتصام المهرة الذي بدأ من أشهر، مهرجاناً تصعيدياً في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أكدوا خلاله على استمرار الاحتجاجات السلمية الرافضة للتواجد السعودي ورفعوا سقف المطالبات بإقالة المحافظ باكريت ومحاكمته، على ضوء حادثة مقتل المحتجين".
ويُعدّ باكريت (مواليد منطقة حوف بالمهرة في عام 1975)، أحد الوجهاء القبليين في المهرة، عُيّن مستشاراً للمحافظ للشؤون الأمنية في عام 2013، كما شغل مسؤولاً بفرع "الأمن القومي" في المحافظة. غير أنه منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تحوّل إلى واجهة محلية للقبول بالوجود السعودي، بعدما عُيّن محافظاً خلفاً للمحافظ السابق محمد عبدالله كدة، الذي عارض دخول القوات السعودية.
ومنذ تولي باكريت، كثّفت الرياض من تواجدها العسكري في المحافظة بإرسال مزيد من القوات وتقوية حضورها من بوابة دعم المشاريع التنموية، على نحوٍ أثار حفيظة شريحة غير قليلة من أبناء المحافظة، التي يرتبط سكانها بعلاقات جيدة مع سلطنة عُمان (الجار الشرقي لليمن). وبسبب الإجراءات السعودية الاستفزازية بالسيطرة على منافذ المحافظة، بما فيها مطار الغيضة (مركز المدينة)، تنامت موجة الرفض الشعبية بوجه النفوذ السعودي، وتحولت لاعتصام مفتوح ضد التواجد السعودي منذ يوليو/تموز الماضي.
بالنسبة لباكريت، الذي برز كشخصية تتبنّى الدفاع عن النفوذ السعودي من بوابة دعم المشاريع التنموية والمساعدات الإنسانية، لم يكن شخصية محورية، مقارنة بشخصيات أخرى، لها ثقلها القبلي في المهرة، كما هو الحال، بوكيل المحافظة السابق، علي سالم الحريزي، الذي بات رمزاً للحراك الشعبي، الذي رفض كل الضغوط والإغراءات السعودية، ودفع ثمن موقفه بإقالته من منصبه في أبريل/نيسان الماضي، لكنه يواصل حتى اليوم، قيادة الاحتجاجات.
وعزت مصادر محلية في المهرة لـ"العربي الجديد"، صمود الحراك المحلي وموجة الرفض التي يقف الحريزي على رأسها، إلى "عدد من العوامل، أبرزها أن موقف الرفض هو ما تميل إليه الأغلبية من السكان والوجهاء المحليين الذين يلتفون حول الحريزي، وموقفه الذي يرى أن التحالف بواجهته السعودية الإماراتية، تحول إلى ما يشبه (الاحتلال)، وينفذ أجندة استعمارية لا علاقة لها بالأهداف المعلنة لدعم الشرعية".
استطاعت الرياض، بما أنها الدولة التي تتولى واجهة التحالف وتستضيف عدداً غير قليل من مسؤولي الشرعية اليمنية، تطويع قراراتها لخدمة المشروع السعودي في المهرة. واستخدمت العديد من الأساليب من الإغراءات ومحاولة شراء الولاءات المحلية إلى التهديد أو التلويح بالاستهداف، كما حصل في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما كشفت مصادر محلية عن توجيه من قيادة التحالف باحتجاز علي الحريزي، وصولاً إلى استخدام أسلوب التشهير والحملات الإعلامية التي سعت إلى النيل منه واتهامه بتلقي الدعم من جماعة أنصار الله (الحوثيين) ومن أطراف إقليمية، وحتى بتهريب المخدرات، وغيرها من الشائعات التي استخدمتها الرياض وماكينتها الإعلامية كأحد الأسلحة في سبيل إخضاع المحافظة التي مثلت نموذجاً متفرداً بالوقوف بوجه الوجود العسكري السعودي غير المبرر.
في المقابل، تحوّل الحريزي إلى شخصية يمنية "مناضلة"، مثيراً إعجاب قطاعات واسعة بين اليمنيين تعدّت محافظة المهرة إلى مختلف محافظات البلاد. ومن الواضح أن الرياض، وعلى الرغم مما انتهجته من سياسات وخطوات، بدأت قبل عام بإقالة المحافظ الرافض لتواجد قواتها، إلا أن صوت الرفض لا يزال أقوى، في ظل هشاشة المبررات التي تسوقها لهذا التواجد، في محافظة بقيت بعيدة عن أي صراعات في السنوات السابقة.