ويشترط الاحتلال الإسرائيلي تسليم الجثامين ودفنهم ليلا، ما يعيق أي إمكانية لتشريح طبي كامل، أو جمع الأدلة الجنائية الكافية لإثبات الإعدام الميداني أو الإصابة حتى الموت لعشرات الشهداء الذين يحتجز الاحتلال جثامينهم والذين وصل عددهم إلى 55 جثمانا.
ورفض والد الشهيدة أشرقت قطناني شروط الاحتلال برمتها، مؤكدا: "أنه لن يستلم جثمان طفلته تحت أي شرط، حتى لو كان شكليا".
وقال قطناني لـ"العربي الجديد" اليوم الإثنين جلس معنا محافظ مدينة نابلس أكرم الرجوب، وأطلعنا على شروط الاحتلال لاستلام جثمان طفلتي أشرقت، لكنني رفضت الامتثال لشروط الاحتلال".
وحول هذه الشروط قال: "يشترط الاحتلال أن يكون التسليم ليلا، وأن يكون الوقت ما بين تسليم الجثمان ودفنه قصيرا جدا".
وقال: "أخشى أن يكون هناك شيء لم نبلغ به حرفيا، لكن السياق يكشفه وهو عدم إعطاء الوقت الكافي للتشريح"، وأكد: "عندما قال محافظ نابلس إن القرار يعود للعائلة هذا يدل يقينا على أن هناك شروطا أخرى لم يطلعنا عليها الاحتلال".
وكان محافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب قد عقد اجتماعا مع عائلتي الطفلة الشهيدة أشرقت قطناني (16 عاما) والشهيدة مرام حسونة (21 عاما) اليوم الأربعاء، وأطلعهما على أن الاحتلال يعتزم تسليم جثماني الشهيدتين قطناني وحسونة، وقد أبلغ بشروط الاحتلال عبر الارتباط الفلسطيني.
اقرأ أيضا: المطالبة بفتح معبر رفح لإنقاذ 4 آلاف مريض فلسطيني
وقالت نائبة المحافظ عنان الأتيرة لـ"العربي الجديد"الاحتلال أبلغ الارتباط الفلسطيني أنه على استعداد أن يسلم جثماني الشهيدتين أشرقت قطناني ومرام حسونة، لكن بشرط أن يتم الدفن ليلا، وأخبرتهم المحافظة أنه لا نستطيع الموافقة على هذا الشرط، وهذا من حق العائلات التي يجب أن تقرر به".
وقالت: "الشرط أن يتم الدفن ليلا من دون تحديد وقت، وتبلغنا به عبرالارتباط الفلسطيني وعدنا بالجواب لذات المصدر"، وحسب الأتيرة: "فإن العائلات ما تزال تتدارس هذه الشروط".
من جهته قال أنور حسونة عم الشهيدة مرام: "الشروط التي أبلغونا بها عبر المحافظة هي الدفن ليلا، وعدم وصول الجنازة إلى نقاط التماس مع الاحتلال".
واستشهدت قطناني وهي طالبة ثانوية عامة في 22 تشرين الثاني/نوفمبر على حاجز حوارة بادعاء محاولة طعن جندي إسرائيلي، فيما استشهدت حسونة في الأول من كانون الأول/ديسمبر على حاجز عناب قرب طولكرم، وهي طالبة جامعية، وما زال الاحتلال يحتفظ بجثمانيهما في الثلاجات منذ ذلك الحين.
وفي قصة أخرى، تبرز مقدار التحكم الإسرائيلي حتى بقرار دفن الشهداء، وغياب القرار الفلسطيني، قال رامي عويصي، شقيق الشهيدة رشا لـ"العربي الجديد" يوم السبت الماضي حضر إلى منزلنا في مدينة قلقيلية ضابط من الارتباط الفلسطيني، وأخبرنا أن هناك ضابطا إسرائيليا يود الحديث مع والدي، وعندما وافق والدي على سماع ما يريد الضابط الإسرائيلي حول تسليم جثمان شقيقتي، قام الضابط الفلسطيني بالاتصال به ووضع الهاتف على وضعية "مكبر الصوت".
وتابع عويصي:"لقد قال الضابط الإسرائيلي لأبي بالحرف الواحد: لا أريد أن تطلع جنازة البنت والشمس في السما، لازم تكون الدنيا ظلام"، وأوضح:"أما الشرط الثاني حسب الضابط الإسرائيلي "يجب أن تقوم بضبط أولادك وعائلتك والبلد، وأي مشكلة ستتحمل أنت المسؤولية".
وحسب الشقيق عويصي، فقد وافق الأب على شروط التسلم، وأخبره الضابط الإسرائيلي أن تسليم الجثمان سيتم ظهر الأحد، لكن الاحتلال ظل يماطل إلى أن سلمها قرب أذان المغرب، وتم دفنها بعد صلاة العشاء.
وفي سؤال لماذا لم تقم العائلة بتشريح الجثمان، قال عويصي: "انحكمنا بالوقت، توقعنا التسليم الظهر حتى نرسله إلى نابلس حيث معهد الطب العدلي، لكن الاحتلال سلمنا الجثمان وقت المغرب وتم الدفن بعد صلاة العشاء".
اقرأ أيضا: الاحتلال ينكل بالأسرى الفلسطينيين في سجن "ريمون"
وأكد الشقيق: "لقد حضر الأطباء إلى المشفى وأخبرونا أن الجسد متجمد بشكل كبير جدا"، ومن خلال معاينة العائلة لجسد ابنتهم بالعين المجردة، فقد تبين أنها أصيبت بـ 18 رصاصة على الأقل، منها أربع رصاصات فصلت كفها اليمنى عن ذراعها بشكل كامل.
واستشهدت عويصي في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهي طالبة جامعة في العام الثالث تخصص جغرافيا، وكان من المخطط أن يكون عرسها الأسبوع الحالي.
وتنظر المؤسسات الحقوقية بخطورة بالغة إلى ما تم من تسليم الجثامين بشكل منفرد، وبأوقات متباعدة، وعدم وجود قرار رسمي يلزم الأهالي بتشريح جثامين شهدائهم، ما يعني دفن أدلة الجرائم التي اقترفها الاحتلال تحت الثرى مع الضحايا.
وقال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام العاروري لـ"العربي الجديد" لقد علمنا أنه يتم إبلاغ عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم عن طريق الارتباط الفلسطيني أو الإسرائيلي مباشرة، بما في ذلك، الشروط التي لدينا تحفظات كبيرة عليها، وتحديدا بما يتعلق بموعد التشييع، وتسليم الجثمان قبل وقت قصير من التشييع".
ويؤكد العاروري:"أن الهدف من التشييع في ساعات الليل هو الحد من المشاركة الشعبية، والأهم عدم إفساح المجال لأي تشريح أو كشف طبي، لا سيما أن الجثامين التي يتم تسليمها تكون مجمدة بدرجات حرارة منخفضة جدا، ما يتطلب على الأقل 3 أيام حتى يتم تشريحها، وبذلك تضيع الأدلة حول ظروف الاستشهاد".
وأكد العاروري: "ما زالت السلطة الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية غير قادرة على استصدار قرار إلزامي بتشريح الشهداء حتى الآن، والتوجه بمثل هذا القرار يجب دراسته وأن يكون جماعيا، لأن هناك مخاطرة بامتناع الاحتلال عن تسليم الجثامين".
وتابع: "إلزامية التشريح بحاجة إلى دراسة، لأن هناك خشية بأنه في حال التوجه إلى المحكمة الإسرائيلية، بخصوص وجوب التشريح وعدم وضع اشتراطات فيه أن تكون النتيجة عكسية ولا يتم تسليم الجثامين".
وحسب العاروري:"فإن الهدف من شروط التسليم التي يترتب عليها عدم التشريح إغلاق الاحتلال لأي باب قد يفضي إلى ملاحقة جنائية لجنود بتهم القتل العمد، والإعدامات الميدانية، وعدم تقديم علاج طبي، وفبركة الروايات، وهذا ما يحدث عندما يتم دفن الأدلة مع جثامين الشهداء".
اقرأ أيضا: مستوطنون يستصدرون أوامر بإخلاء 4 منازل فلسطينية قرب الأقصى