واشنطن تغيّر استراتيجيتها ضد "طالبان": الأولوية لتصفية القيادة

21 مارس 2017
تفجير لطالبان في كابول (الأناضول)
+ الخط -
بات واضحاً أن الولايات المتحدة بصدد تغيير استراتيجيتها في أفغانستان، تحديداً تلك المتعلقة بحركة طالبان، بعد تقاربها مع إيران وروسيا. ومن أهم بوادر ذلك تصفية قيادات الحركة. ولعل مقتل القيادي البارز المولوي عبد السلام، العقل المدبر لنشاط الحركة في شمال البلاد وللكثير من الهجمات الدموية في فبراير/ شباط الماضي، بغارة أميركية، بداية تغيير ميداني في استراتيجية الولايات المتحدة. في هذا الصدد، رأى قيادي في طالبان أن "تصفية قيادات الحركة، وفي مقدمتهم المولوي عبد السلام، هو نتيجة للخلافات الداخلية والاستراتيجية الضعيفة لزعيم الحركة الملا هيبت الله أخوندزاده".

في المقابل، أكدت مصادر مقربة من الرئاسة الأفغانية لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الأميركية الجديدة لبّت مطلب أفغانستان باستهداف وتصفية قيادات طالبان والعمل المشترك لأجل ذلك". وإلى جانب ترحيبها بما وصفته بـ"التغيير الجذري في سياسة واشنطن إزاء جميع الجماعات المسلحة، ولا سيما طالبان"، صنّفت الحكومة الأفغانية سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أفغانستان بـ"الحاسمة"، في إشارة إلى رغبة الولايات المتحدة بالقضاء على طالبان. وذلك نتيجة التفاهم مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، المعتبر "الحليف الأفضل"، مقارنة بالرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي. إلا أن المعروف في أفغانستان هو أن لسياسات الرئيس غني تأثيراً على استراتيجية الأميركيين إزاء طالبان، وواشنطن راغبة في القضاء على الحركة بسبب تقاربها مع طهران وموسكو، وليس لصالح أحد. وأوضحت المصادر نفسها أن "كابول كانت تطلب من واشنطن الدعم القاطع والعمل المشترك لأجل تصفية قيادات طالبان في أفغانستان وخارجها، بجانب الدعم الجوي من خلال تجهيز سلاح الجو الأفغاني والمشاركة الحاسمة في الحروب".

مع العلم أنه بعد مقتل عبد السلام، توالت أحداث استهداف قيادات الحركة وقياديين في شبكة حقاني الموالية لها، وقتل كل من حاکم طالبان على إقليم أورزجان المعروف في الأوساط الجهادية بالحافظ، ونائبه المعروف بلقب الشيخ. كما قتل قيادي مهم في شبكة حقاني، المدعو القائد عبد الله، وهو كان مسؤول عمليات الشبكة في الجنوب. إضافة إلى تصفية هؤلاء القادة، بدأ سلاح الجو الأميركي باستهداف تجمعات واجتماعات الحركة، ما أدى إلى مقتل العديد من القادة الميدانيين. كما استهدفت الطائرات الأميركية، الأسبوع الماضي، تجمّعاً لقيادات الحركة المشاركين في عزاء قيادي قتل خلال المعارك مع الجيش الأفغاني في إقليم بكتيكا، ما أدى إلى مقتل 30 شخصاً، بينهم عدد من القياديين.

وبدت في تصريحات القيادة الأفغانية تلميحات لتغيير استراتيجية أفغانستان وحلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، إذ أكد مستشار الرئيس الأفغاني للأمن القومي حنيف أتمر، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة الهندية نيودلهي، أنه "سوف نستهدف طالبان وقياداتها أينما حلوا وحيثما ذهبوا". كما هدد الرئيس الأفغاني أثناء اتصال هاتفي بقائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر باجوا، بـ"الانتقام من قياداتها لدماء مواطنينا".



بدورها، عززت وسائل إعلام أميركية فرضية التحول في السياسة الأميركية تجاه طالبان، بإعلانها أن "إدارة ترامب بصدد تغيير الاستراتيجية في أفغانستان". وذكرت صحيفة "ديلي كالر" الأميركية في 13 مارس/ آذار الحالي، تحت عنوان "استراتيجية الرئيس الأميركي الجديدة خطيرة لطالبان"، أن "استراتيجية الحكومة الأميركية الجديدة في أفغانستان أساسها تصفية قيادات طالبان، وأن مقتل الملا عبد السلام هو انطلاق تلك الاستراتيجية".

وأضافت الصحيفة أن "استراتيجية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كانت تنبني على عدم استهداف قيادات الحركة سعياً منه لحل الأزمة عبر الحوار، ولكن ترامب غيّر استراتيجيته، وأن استهداف عبد السلام بداية تلك الاستراتيجية الخطيرة لمستقبل طالبان". وأشارت إلى أن "الغارة حملت رسالة إلى طالبان مفادها أن قيادة الحركة مستهدفة في كل مكان". بدورها، كتبت صحيفة "ملتري تايمز" أن "الغارة الأميركية بداية استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة". وكان قائد القوات الأميركية الجنرال جون نيكولسن، قد طلب من قيادة الحركة أن تعود إلى طاولة الحوار بعد مقتل عبد السلام، معتبراً أن الحوار فرصة لقيادة الحركة ولمسلحيها كي تترك السلاح.

وعلى عكس ذلك، اعتبر بعض القياديين في الحركة أن "تصفية قيادات الحركة أتت نتيجة الخلافات الداخلية والسياسة الهشة لزعيم الحركة". في هذا السياق، وزع القيادي في الحركة، حاكم طالبان، مسؤول عملياتها السابق في إقليم هلمند الملا عبد المنان أخوند، منشورات في هلمند وهرات، مفادها أن "مقتل المولوي عبد السلام أتى نتيجة الاستراتيجية الهشة التي يتبناها زعيم الحركة". وأكد الملا عبد المنان أخوند أن "القيادة التي تدعي أنها تدير شؤون الحركة، أفرادها يعيشون في باكستان وفي دول أخرى، ولا يعرفون ما يحل بالقيادة الميدانية"، لافتاً إلى أن "الانشقاقات الداخلية هي السبب الأساسي وراء تصفية القيادة الميدانية ومنهم الملا عبد السلام".

كما أشار القيادي إلى "قرار زعيم الحركة الملا هيبت الله أخوندزاده، بعزل عشرات القادة الميدانيين"، مضيفاً أن "القرار هو لأجل المصالح الشخصية والقومية، وأنه أضرّ بالحركة عموماً وبقيادتها الميدانية خصوصاً".
في المحصلة، مما لا شك فيه أن استراتيجية الولايات قد تغيرت إزاء طالبان وقياداتها، لا سيما بعد توجه الأخيرة إلى روسيا وإيران، وأن خلافات طالبان الداخلية وسياستها الضعيفة ستعزز تلك الاستراتيجية، تحديداً تلك المتعلقة بتصفية قياداتها. فقرار عزل القيادات الميدانية الأخير خلق الكثير من المشاكل الداخلية، وهو ما ستستفيد منه الولايات المتحدة وأفغانستان.