بعد نحو 10 أيام من المعارك المتواصلة تمكنت القوات العراقية أخيراً من اقتحام مدينة القائم، أقصى غرب العراق، أمس الجمعة، والسيطرة على غالبية أجزاء المدينة بما فيها معبر القائم الحدودي مع سورية، وسط توقعات بإعلان تحرير كامل المدينة سريعاً، لتتبقى من العراق بلدة راوة على نهر الفرات فقط، والمتوقع حسم معاركها خلال أيام قبل الإعلان عن تحرير كامل المدن والبلدات العراقية من سيطرة تنظيم "داعش" بعد معارك استمرت أكثر من 3 سنوات. وبارك رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، للقوات العراقية، في بيان مقتضب، دخولها مدينة القائم وتحرير المنفذ الحدودي مع سورية.
ورأى مراقبون أن "استعادة بغداد سيطرتها الكاملة على مدن البلاد لا تنهي ملف العنف في العراق، إذ يُخشى من عودة التنظيم إلى أسلوب الهجمات الإرهابية المتفرقة، ذات الطابع الانتقامي تحديداً ضد المدنيين، في ظلّ اعتماد داعش على الانسحاب المتكرر من تلك المدن، ضمن ما اصطلح عليه (ذوبان التنظيم بين المدنيين) أو تخفّيه وتحوّله لخلايا متفرقة داخل المدن المحررة حديثاً والمناطق الصحراوية الشاسعة بالعراق، خاصة الغربية منها الحدودية مع كل من السعودية والأردن وسورية".
وأعلنت خلية الإعلام الحربي المرتبطة بوزارة الدفاع العراقية، أمس، عن سيطرة القوات العراقية على مناطق واسعة داخل مدينة القائم، من أبرزها الكرابلة والعبيدي وسعدة والحي الصناعي، فضلاً عن أحياء غزة والشيخ علي والنهضة العربية و7 نيسان والسكك والمشاريع والتنك، أي نحو 80 في المائة من مجموع مساحة مدينة القائم.
وكثّف تنظيم "داعش" دفاعاته عبر استخدام الانتحاريين من الأجانب والعرب غير العراقيين والسوريين، وفقاً لمصادر عسكرية عراقية قالت إن "التنظيم انسحب باتجاه الأراضي السورية عبر طريق صحراوي يرتبط بمدينة البوكمال السورية". مع العلم أن أهمية استعادة القائم متمثلة بموقعها الجغرافي، لكونها البوابة الرئيسية للعراق مع سورية، وفيها المعبر الأكبر بين البلدين الذي يرتبط بطريق دولي سريع على طول 540 كيلومتراً بدءاً من بغداد وحتى الأراضي السورية.
وأكد قائممقام مدينة الرطبة (غرب الأنبار)، عماد الدليمي، أن "تحرير القائم سينعكس بالإيجاب على جميع مدن ومناطق غرب المحافظة"، مشيراً إلى أن "تحرير مناطق سابقة في الأنبار مثل عكاشات، انعكس بشكل واضح على الأمن في المحافظة". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تحرير القائم يعني أنه أصبح لدينا عمق سوقي ولوجستي كبير يمكن من خلاله القضاء على جميع الأوكار الإرهابية غرب الأنبار".
ولفت إلى أن "طرد داعش من القائم يعني نهاية كابوس التنظيم الذي ستعقبه مرحلة من الأمن والاستقرار وعودة الحياة لمحافظة الأنبار، التي تعاني تدهوراً في الأمن منذ عام 2014". وأشار إلى أن "سيطرة القوات العراقية على الرطبة تعني تأمين الطريق مع سورية، وعودة انتعاش الاقتصاد العراقي، لأن الطريق مع دول الجوار سيكون مؤمناً"، مبيّناً أن "القوات العراقية بدأت مرحلة ما بعد داعش من خلال القيام بعمليات تمشيط في الصحراء الغربية، التي ما زالت تأوي بعض جيوب التنظيم". وشدّد الدليمي على "ضرورة الالتفات إلى هذه المناطق وتأمينها كي لا تعود الخروقات الأمنية من جديد".
إلى ذلك، أفاد القيادي في القوات العشائرية عدنان العيثاوي، بأن "مرحلة داعش في الأنبار والعراق انتهت، ولا يمكن أن تعود في المستقبل بسبب القوات التي تمسك الأرض في المناطق التي تحررت من التنظيم"، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "العشائر أدت دوراً مهماً وفاعلاً من خلال تقديم الإسناد للجيش العراقي". وشدّد على "ضرورة فتح صفحة جديدة في المناطق التي تخلصت من داعش، وعدم إفساح المجال لذوي النفوس المريضة بالقيام بعمليات انتقامية، وجرائم سلب ونهب في المدن المحررة". ودعا الجهات المختصة إلى "الإسراع بإعمار ما خرّبته المعارك، والعمل على إنشاء جهاز أمني محلي يمكنه التمييز بين العناصر الإرهابية والمدنيين"، متوقعاً أن "ينعكس الأمن في الأنبار على أمن العراق بأكمله".
من جهته، توقع الخبير العسكري حسين العلوي، ألا "تشهد مرحلة ما بعد داعش استقراراً كبيراً، كما يتمنى العراقيون، بسبب فرار المئات من عناصر التنظيم وبقائهم أحراراً". وأشار إلى أن "الأزمة السياسية التي ستعقب طرد داعش، لن تكون أقلّ خطراً من الأزمات الأمنية السابقة"، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الصراع سيكون على أشده بين القوى السياسية للسيطرة على المناطق المحررة، وهذا الأمر قد يتسبب بظهور نسخة جديدة من الإرهاب".
كما أكد المتحدث باسم قيادة عمليات الأنبار العسكرية العقيد محمد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الجيش قد تنهي السيطرة على المدينة وتشرع فوراً بعمليات تفتيش المنازل والمباني". وبيّن أن "الإعلان عن التحرير رسمياً سيكون من قبل رئيس الوزراء"، مؤكداً "توجيه التحالف الدولي ضربات مكثفة نحو تجمعات داعش ساهمت في انهياره سريعاً".