ضاقت إيطاليا ذرعاً بالتأخر الرسمي المصري في تقديم الأدلّة عن الجناة، الذين اعتدوا ومثّلوا بجثمان الإيطالي جوليو ريجيني (28 سنة). ولم يفلح الصبر الإيطالي لحد الآن، بعد انتظار شهرين، في إقناع السلطات المصرية بتقديم كل ما يكشف ملابسات هذه الجريمة.
ويدفع هذا الحكومة الإيطالية، وفقاً لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، إلى اتخاذ إجراءات عقابية، خصوصاً أن المسألة بدأت تتخذ أبعاداً شعبية غير مسبوقة. وبعد استدعاء سفيرها ماوريزيو ماساري في القاهرة، أكّدت روما على لسان وزير الخارجية باولو جينتيلوني، أنها "ستتخذ كل الإجراءات الضرورية، بالتوازي مع عدم استجابة القاهرة".
القرار الإيطالي الأول تم اتخاذه بعد فشل لقاء روما، الأسبوع الماضي، بين المحققين الإيطاليين ونظرائهم المصريين. وكان مطلب الإيطاليين، حسب الصحيفة الفرنسية، هو تَسلُّم الصُّوَر التي التقطتها كاميرات المراقبة، وأيضاً بيانات الاتصالات الهاتفية التي توجد بحوزة المصريين، من أجل الوصول إلى قتلة جوليو ريجيني، الذي تعرض للاختطاف في 25 يناير/كانون الثاني الماضي، أي في يوم ذكرى الثورة المصرية، وعُثر على جثته بعد تسعة أيام من عملية الخطف.
وتعدّد الصحيفة الفرنسية إخفاقات الشرطة المصرية، التي قدمت للمحقّقين الإيطاليين روايات متعددة من دون أي أساس (حادث سيارة، جريمة جنسية، إلخ)، ثم تحدثت، فيما بعد، عن تصفيتها لخمسة من أفراد عصابة إجرامية، مدعية أنها عثرت في حوزتهم على ممتلكات تعود للطالب الإيطالي الراحل. لكن تضارُب المعلومات، بالإضافة إلى احتجاجات عائلات الضحايا الذين قامت قوات الأمن المصرية بتصفيتهم، دفعت إيطاليا لتصعيد لهجتها تجاه الحكومة المصرية.
وتتجه الاتهامات الإيطالية وفقاً لـ"ليبراسيون"، نحو أجهزة أمن النظام المصري، التي تكون قد اختطفت ريجيني، إمّا بسبب أبحاثه المنصبة على النقابات المستقلة التي تُضايق النظام المصري، وإمّا لكونه ضحية تصفية حسابات داخل نظام السيسي الذي بدأ يتعرّض للوهن.
ولا يمكن للحكومة الإيطالية، كما تعترف الصحيفة الفرنسية، أن تَغضّ الطرف عن حالة التعبئة التي يشهدها الرأي العام الإيطالي في القضية. ولا يُستبعد أن تدرج روما مصر على قائمة الدول التي تُشكّل زيارتها "خطراً"، وهو ما سيثني السياح الإيطاليين عن زيارة مصر. كما أن إيطاليا قد تفكر، في حالة انعدام أو بطء التعاون المصري في التحقيقات، بالاستعانة بالاتحاد الأوروبي في قراراتها المستقبلية.
وبدل من أن يعمد الجانب المصري إلى مدّ يد التعاون، تكتفي القاهرة بالحديث عن "تسييس إيطاليا لهذه القضية لأهداف سياسية داخلية". وهنا تتحدث الصحيفة الفرنسية عن نشطاء سابقين يرون في قضية ريجيني رمزاً لانتهاكات متكررة لحقوق الإنسان من قبل النظام المصري. وتتحدث عن الأبعاد التي وصلت إليها هذه القضية، والتي جعلت اسم ريجيني يرد أكثر من 15 مليون مرة في محرّك البحث "غوغل" باللغة العربية.
ولكن كل هذا لا ينفي كون إيطاليا، وفقاً لصحيفة "لوجورنال دي ديمانش" الأسبوعية الفرنسية، لا تريد تفاقم العلاقات بين البلدين وبالتالي خسارة السوق المصرية، إذ ترى إيطاليا في مصر شريكاً اقتصادياً حاسماً، خصوصاً بعد اكتشاف الشركة الإيطالية "إيني" العام الماضي، مقابل الشواطئ المصرية، لأكبر حقل غاز في البحر المتوسط. ولا يبدو أن هذه الشراكة الاقتصادية "المُهدَّدَة" بين البلدين غائبة عن أذهان المسؤولين السياسيين في كلا البلدين.