أطلق الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية نزار العدساني تصريحات مثيرة للجدل، إذ قال إن الخلافات النفطية الكويتية السعودية حول منطقة الإنتاج النفطي المشترك بين البلدين "لا تزال قائمة"، وإن "الأمور باتت أسوأ مما كان متوقعاً".
وجاء تصريح العدساني على هامش ملتقى سنوي اجتماعي لموظفي القطاع النفطي في البلاد، تأكيداً على تعاظم الخلافات بين البلدين في مسألة الحقول النفطية المشتركة، وتعنّت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حل هذه المسألة.
وأشار العدساني إلى أن "هناك اتفاقات جاهزة بين الطرفين كان يجب أن توقع"، لكن الملف تحول من فني واقتصادي إلى سياسي بعد زيارة بن سلمان الكويت في سبتمبر/ أيلول الماضي، التي وصفها العدساني بـ"غير الموفقة".
وسارع نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارلله، إلى التصريح بأن رأي العدساني حول الزيارة "التاريخية" لولي العهد السعودي "لا يعكس العلاقات التاريخية مع المملكة إطلاقاً، ولا سيما أنه قيل في مناسبة فنية بين موظفي النفط فقط".
وتأتي تصريحات الجارلله في محاولة منه لاحتواء الموقف وعدم استفزاز السعودية وولي عهدها، الذي يبدو في أضعف حالاته وغير قادر على اتخاذ قرارات منطقية، بعد تورط أجهزته في مقتل الكاتب والمعارض السعودي جمال خاشقجي، وانقلاب الرأي العالمي ضده.
لكن تصريحات العدساني، الذي يدير أعلى مؤسسة وطنية للبترول والنفط في الكويت، التي تتحكم بفاصل القطاع النفطي الكويتي كله من الإنتاج والحفر إلى البيع والتسويق، تعكس حالة سخط كبيرة داخل القيادة السياسية في الكويت، من البرود السعودي في التعامل مع مسألة الحقول المشتركة التي تراها الكويت "مسألة حياة أو موت".
وبعد زيارة بن سلمان الأخيرة للكويت، نقلت "العربي الجديد" عن مصادر موثوقة داخل الديوان الأميري، فشل الزيارة بعد وصول المفاوضات النفطية بين البلدين إلى طريق مسدود، وتمسك كل طرف برأيه، مع تعنّت الطرف السعودي وتمسكه بمطالب لا تتناسب مع السيادة الكويتية، لكن وزارة الديوان الأميري أصدرت بياناً نفت فيه ذلك، وأكدت عدم وجود أي خلافات.
وخرجت الصحف الكويتية بتعليمات من وزارة الإعلام، بحسب مصادر "العربي الجديد"، لتؤكد إنهاء أزمة المنطقة المقسومة وقرب الوصول لاتفاق بين البلدين، يقضي بعودة الإنتاج في الحقول المشتركة، وذلك للتعويض عن النقص الحاصل في السوق العالمي، نتيجة فرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية.
في المقابل، سارع بن سلمان بعدها بأيام، في مقابلة صحافية مع وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، وأكد وجود "خلافات كبيرة" مع الكويت في مسألة الحقول النفطية المشتركة، قائلاً إن هناك رأيين لدى القيادة الكويتية لحل الأزمة، ليؤكد بنفسه صحة التقارير والمصادر التي أشارت لوجود توتر رافق زيارته التي لم تستمر سوى ساعات، بعد تأجيلها ليوم كامل على إثر الخلاف النفطي.
وكان الخلاف بين البلدين على الحقول النفطية المشتركة قد بدأ عام 2014، حينما قامت السعودية وبدون سابق إنذار، بوقف عمليات التشغيل في الحقول المشتركة بعد 50 عاماً من الإنتاج المشترك، لتهدد القيادات النفطية في الكويت باللجوء للمحاكم الدولية إذا لم تقم السعودية بإعادة التشغيل، لكن القيادة السياسية ارتأت محاولة إصلاح الأزمة عبر المفاوضات، خوفاً من تداعيات تحولها إلى أزمة سياسية كبرى مع وصول بن سلمان إلى ولاية العهد.
وتحاول القيادة السياسية في الكويت تهدئة الأمور مع ولي العهد السعودي، لكن بن سلمان يصر على إنهاء المشكلة وإعادة العمل في الحقول المشتركة وفق شروط بلاده، التي يراها الكويتيون مجحفة، بسبب أنها تمثل تعدياً على بعض المناطق الحدودية الكويتية وتسليمها للسعودية، بالإضافة إلى تسليمه ميناء الزور الكويتي المحاذي للسواحل السعودية.
وتخسر الكويت يومياً أكثر من 300 ألف برميل نفط بسبب إغلاق الحقول المشتركة، كما أنها تخسر سيادتها وصورتها أمام العالم بسبب سطو السعودية على الأراضي الحدودية المشتركة.
وتحدثت "العربي الجديد" مع مصدر مسؤول داخل الديوان الأميري، حضر مراسم زيارة بن سلمان للكويت، التي أعادت الخلافات من جديد وحولتها لأزمة سياسية بين البلدين، قال إن "الكويت تحاول حل الموضوع ضمن الأطر الفنية، لكن فريق المفاوضين يفاجأ بأن السعوديين يحولونها لقضية سياسية".
وعن سبب التأجيل الذي سبق الزيارة، قال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، لكنه سمح بالإشارة لكونه زعيماً قبلياً في الكويت: "كل الخلافات التي حدثت في الزيارة كان منشؤها المنطقة المقسومة والحقول المشتركة، والكويتيون شعروا بأن السعودية تفرض عليهم الشروط فرضاً، فقاموا برفضها كلها وإغلاق الملف".
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي عبدالرحمن العجمي، لـ"العربي الجديد"، إن "حادثة مقتل خاشقجي منحت الكويت فرصة للتخلص من الهجوم الذي كان يعده بن سلمان تجاه الكويت، بسبب مسألة الحقول المشتركة، لأنها جاءت بعد أيام فقط من فشل زيارته الكارثية للكويت، التي كانت ستحمل تداعيات كارثية كبرى".
وأضاف: "أزمة المنطقة المقسومة بدأت منذ 2014، أي ما قبل مجيء بن سلمان، لكنها كانت أزمة فنية متعلقة بجوانب اقتصادية فقط، وبن سلمان اختار مع الأسف تحويلها لأزمة سياسية كبرى بين البلدين".