إذا كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مريضاً وغير قادر على الكلام منذ آخر خطاب ألقاه في مايو/ أيار 2012، فما الذي منع رئيس الحكومة أو وزير الداخلية أو قائد أركان الجيش من مخاطبة الشعب وعائلات الضحايا، والاكتفاء فقط ببيان من وزارة الدفاع وبرقية تعزية من الرئيس؟ والغريب أنه حتى عندما عزم رئيس الحكومة على عقد مؤتمر صحافي بعد أربعة أيام من الحادث، لم يخصّص سوى دقيقة واحدة للترحّم على أرواح الضحايا، في حين خصّص باقي المؤتمر للحديث عن منجزات الحكومة ومشروع الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة.
ليس في الأمر عجب إذا كان الأمر يتعلّق بالمؤسسة الحكومية في الجزائر، كما ليس به غرابة، فبعظمة لسانه الطرية التي تستطيع أن تبرّر الشيء ونقيضه في اللحظة نفسها بدون خجل، يُقرّ رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى بأن "الحكومة ليست لديها ثقافة الندوات الصحافية". هذا جزء من الحقيقة، لكن الحقيقة كاملة هي أن آخر ما يمكن أن تفكّر فيه الحكومة هو إبلاغ الرأي العام في الجزائر بتفاصيل قضية أو ملابسات حادث. والرأي العام بالنسبة للحكومة هو كتلة من الرعايا وشعب من الأهالي، ودوائر الخارج أكثر أولوية في الإخبار والإبلاغ والتوضيح من دوائر الداخل.
تمتلك السلطة في الجزائر ميزة سادية بإلقاء الشعب في حمى القلق والتوجّس، هذه سُنتها وسكّتها. في يناير/ كانون الثاني عام 2013، كان الرأي العام في الجزائر يتابع أخبار الهجوم الإرهابي على منشأة الغاز "بتيقنتورين"، جنوبي البلاد، عبر القنوات والوكالات الأجنبية، لأن الحكومة بلعت لسانها. وفي إبريل/ نيسان من العام نفسه، بلعت الحكومة لسانها أيضاً ولم تبلغ الرأي العام بحقيقة مرض الرئيس، حتى انكشف الأمر من صحافة باريس. وفي مارس/ آذار عام 2017، اضطرت الحكومة إلى الاعتراف قسرياً بنقل الرئيس للعلاج في سويسرا وفرنسا، بعدما كشفت الصحف هناك القصة. وقس على ذلك في أن الجزائر مثلاً آخر بلد يصدر المواقف بشأن الهزات الدولية الكبرى، بعد أن يكون العالم قد استفاق مبكراً.
يتطور العالم إلى حدّ أن صار رئيس أكبر دولة في العالم يتواصل عبر "تويتر"، ويحادث الرؤساء شعوبهم عبر "فيسبوك"، فيما لا تملك مؤسسات رسمية في الجزائر موقعاً إلكترونياً. ويصبح الإخفاق الاتصالي في الجزائر مفهوماً عندما يُعرف أيضاً أن الحكومة ليس لها منذ سنوات متحدث رسمي، وأنّ وزارة واحدة ووحيدة – الخارجية ــ من مجموع 28 وزارة، لها متحدث رسمي، مع أنه لا يتحدّث أيضاً، بينما باقي الوزارات توظّف مكلفاً بالإعلام، مهمته قص ولصق المقالات وإرسال الفاكس. والأمر لا يتعلّق بإخفاق الاتصال الحكومي، بقدر ما يعبّر عن مظهر آخر من مأزق الشرعية الذي يدفع السلطة إلى الخوف من الوضوح والتوجّس من الحقيقة. فكم هو مؤلم أن يشعر شعب باليتم؟ وكم هو مخجل أن تكون الدولة بكماء؟