تأتي أخبار الملاحقة القضائية لرفعت الأسد، عم رئيس النظام السوري بشار الأسد، بعد أكثر من ثلاثة عقود من إقامته في أوروبا بمثابة غصة في قلوب السوريين الذين كانوا يتمنون أن تكون الملاحقة بشأن جرائم القتل والاغتصاب المثبتة بحق السوريين، وليس من أجل تملكه مزرعة أو تهربه من دفع الضريبة.
وصدرت الثلاثاء الماضي في باريس مذكرة توقيف بحقه بتهمة التهرب الضريبي وغسل الأموال، وكان رفعت الأسد البالغ (78 عاما) وافق على مغادرة سورية عام 1984 إثر صراع على السلطة مع شقيقه الرئيس حافظ الأسد مقابل حصوله على مبلغ 400 مليون دولار، قيل إن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي دفع معظمها آنذاك على شكل قرض، فضلا عن الأموال الأخرى التي حملها معه من سورية.
وجاء اتهام رفعت الأسد بعد تحقيق قامت به المصالح القضائية الفرنسية إثر دعويين رفعتهما منظمة "شيربا"، والفرع الفرنسي لمنظمة "ترانسبرانسي إنترناشينال"، وهما منظمتان غير حكوميتين تهتمان بمكافحة الفساد والرشوة، ضده عامي 2013 و2014، حيث اتهمتاه بحيازة عقارات "بطرق مشبوهة" وبمراكمة ثروة عقارية عبر أموال متحصلة من رشى واختلاس أموال عامة تم نقلها من سورية إلى فرنسا بطرق غير شرعية.
وقدر محققو الجمارك الفرنسيون في تقرير صدر عام 2014 بنحو تسعين مليون يورو القيمة الإجمالية لممتلكاته العقارية وممتلكات عائلته التي ضمت أربع زوجات وعشرة أبناء.
ويبدو أن بعض أبناء رفعت الأسد أضيفوا الى لائحة الاتهامات، إذ ذكرت وسائل إعلام فرنسية أنه يتم أيضا استجواب ولديه سومر وسوار بعدة قضايا منها التستر على الاختلاس وتبييض الأموال والتهرب الضريبي وأملاك غير مشروعة ودفع رشى، ونُشرت قائمة ببعض أملاكه غير المشروعة.
وتشمل الملاحقة القانونية قصرا ومزرعة للخيل وأرضا في ضواحي باريس، وممتلكات عقارية في أغنى أحياء باريس، بينها فنادق ومبنيين كاملين ومكاتب في مدينة ليون. وقال المحققون إنه اشترى هذه الممتلكات بعد وصوله إلى فرنسا عام 1984 ولغاية عام 1988.
وكان رفعت بدأ في بيع ممتلكاته بعدما اشتم رائحة الملاحقة القانونية قبل ثلاثة أعوام خشية مصادرتها من جانب السلطات، حيث باع عام 2013 على عجل قصره في العاصمة باريس مقابل 70 مليون يورو، في حين يبلغ سعر المنزل الحقيقي حوالي مائة مليون، وفق صحيفة "ذي تلغراف".
كما توجد أملاك أخرى له في بريطانيا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى، وتتوزع بين فنادق ومنتجعات سياحية وقصور ومنازل فارهة. وذكرت صحيفة "ديلي تلغراف" أن رفعت الأسد باع أخيراً قصراً في العاصمة البريطانية بقيمة 70 مليون جنيه إسترليني.
وكان رفعت قد أدلى بإفادته للمرة الأولى العام الماضي، قال فيها إن الأموال جاءت من ولي العهد السعودي حينذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز في الثمانينيات مؤكدا في الوقت نفسه أنه لم يتول إدارة هذه الممتلكات بنفسه، وأنه لا يعرف حتى "دفع فاتورة المطعم". لكن المعلومات التي رشحت من التحقيق أفادت بأنه لم يقدم سوى وثيقة واحدة تتعلق بمنحة قدرها عشرة ملايين دولار في 1984.
والواقع أن الأموال المنهوبة التي تشغل المحاكم الفرنسية، ليست هي ما يشغل بال ملايين السوريين الذين اعتادوا على عمليات النهب المنظمة لعائلة الأسد والعائلات الأخرى المتحالفة معها في السلطة مثل مخلوف وشاليش، والتي ارتبط اسمها بالفساد، حتى أن المبالغ التي يتهم بها رفعت الأسد تصبح صغيرة مقارنة بما جرى من عمليات نهب ضخمة خلال العقود الماضية في سورية.
وأكثر ما ارتبط به اسم رفعت الأسد ليس سرقة الأموال، بل بجرائم الحرب التي ارتكبها خاصة في مدينة حماة وفي سجن تدمر، حيث قتل في حماة ما بين 30 و40 ألف شخص خلال قمع السلطات الدموي لتمرد مسلح محدود جرى في المدينة في ثمانينيات القرن الماضي من جانب الجناح المسلح في جماعة الأخوان المسلمين. وتؤكد معظم الروايات الدور الرئيسي لرفعت الأسد والقوات التي كان يقودها آنذاك، والمسماة (سرايا الدفاع) في مجزرة حماة، برغم نفيه المتكرر لذلك، وزعمه أنه لم يزر حماة مطلقا.
كما تشير مصادر عدة إلى دوره الرئيسي في مجزرة سجن تدمر، حيث قتل جنوده أكثر من ألف سجين أعزل إثر محاولة اغتيال جرت عام 1980 لرئيس النظام حافظ الأسد. ولم ينكر رفعت عمليات القتل في السجن، لكنه زعم أن الأوامر صدرت من شقيقه حافظ الذي كان يعالج في المستشفى بعد محاولة الاغتيال، وأصدر آنذاك قانونا يقضي بإعدام كل منتسب لجماعة الإخوان المسلمين.
ومع اندلاع الثورة السورية، حاول رفعت ركوب الموجة زاعما أنه يقف إلى جانب المعارضة ضد حكم ابن أخيه، بشار الأسد. كما سجل ابنه ريبال موقفا مشابها. لكن ذلك لم يشوش صورة الرجل في ذاكرة السوريين التي تقرن اسمه دائما بالقتل والدموية والتصرفات الرعناء، مثل إقدام عناصره في الثمانينيات على نزع حجاب النساء في شوارع دمشق، وممارستهم الاعتداءات والبلطجة على المواطنين.