ورفض فصيل "جيش العزة"، أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، تسيير دوريات روسية في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال حماة، حتى إطلاق سراح المعتقلين كافة في سجون النظام، مؤكداً في بيان أصدره مساء السبت، أنه "لن يسمح بفتح الطريق الدولية المارة في إدلب، والتي تصل حلب ببقية المناطق، حتى تنفيذ مطالبه".
وأشار البيان إلى أن "الاتفاق يتضمن إنشاء منطقة خالية من السلاح الثقيل بعرض 15 - 20 كيلومتراً، يفترض أن تكون بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة الفصائل، إلا أنه تبين لاحقاً أنها ستكون بكاملها ضمن مناطق المعارضة فقط"، مطالباً بأن "تُقسم المنطقة الخالية من الأسلحة الثقيلة مناصفة مع مناطق سيطرة قوات النظام". وطالب "جيش العزة" في بيانه الجانب التركي ألّا "يكون اتفاق سوتشي كاتفاق خفض التصعيد، الذي انهارت فيه المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة"، مشيراً إلى أن "مقاتلي الجيش سيبذلون الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن الأرض".
وكان قائد الفصيل، جميل الصالح، قد رحّب باتفاق إدلب عقب الإعلان عنه قبل أسبوعين، عبر تغريدة في "تويتر"، فقال: "كل الشكر للإخوة الأتراك الذين منعوا الطيران والراجمات من استهداف أهلنا المدنيين، وكل الخزي والعار لمن ترك الشعب السوري في منتصف الطريق وخذل النساء والأطفال". من جانبه، أكد قائد العمليات في جيش العزة، العقيد مصطفى البكور، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "جيشه لم يعلن الرفض بشكل كامل لاتفاق سوتشي"، مضيفاً أنه "أصدرنا بياناً يوضح ما حصل معنا أثناء الاجتماع مع الجانب التركي، وأوضحنا موقفنا من النقاط التي وجدناها لا تتوافق مع مبادئنا ولا تناسب مصالح أهلنا".
ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد"، متعلق بالتبعات السلبية جراء الموقف الجديد، قال البكور: "يمكن أن يكون هنالك تبعات سلبية للبيان، منها عودة الطيران الروسي لاستهداف المدنيين في مناطق تمركزنا، من أجل إيجاد نقمة علينا من قبل الحاضنة الشعبية". ولفت إلى أن "لدى جيش العزة معلومات عن سعي النظام والروس لتنفيذ عمليات أمنية في مناطق الشمال السوري المحرر، منها تفجيرات واغتيالات ومحاولات لإدارة الفتنة بين الفصائل لإعادة جو للاقتتال الفصائلي".
وينتشر جيش العزة في عدة مناطق بريف حماة الشمالي، وهو من أهم فصائل المعارضة السورية تسليحاً وتدريباً، كونه يعتمد على ضباط منشقين عن جيش النظام، فضلاً عن أنه يحظى بثقة الشارع السوري المعارض، لعدم تدخله في حياة المدنيين، واقتصار نشاطه على التصدي لقوات النظام، ومحاربته في الجبهات.
من جانبه، أكد مروان نحاس القيادي في فيلق الشام أبرز فصائل الجبهة الوطنية للتحرير التابعة للمعارضة السورية عدم صحة ما نقلته مواقع إخبارية معارضة عن انسحاب مقاتلي الفيلق من المنطقة منزوعة السلاح، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الفيلق جزء من الجبهة، وقراره من قرارها، وليس له قرار مستقل". وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد ذكر أن "فيلق الشام المقرّب من تركيا، بدأ سحب آلياته الثقيلة من المنطقة العازلة ضمن القطاع الجنوبي من ريف حلب، والمحاذية للقطاع الشمالي من ريف محافظة إدلب، بناء على طلب من الجانب التركي وذلك بعد مضي 48 ساعة من اجتماع المخابرات التركية بقادة فصائل المعارضة السورية المسلحة".
وأشار نحاس إلى أن "الروس والأتراك اتفقوا على الخطوط العامة لاتفاق سوتشي، وهناك الآن بحث في التفاصيل"، مضيفاً أنه "لن ننسحب من نقاط رباطنا في المنطقة منزوعة السلاح، وإنما سيتم سحب السلاح الثقيل فقط وهو أساساً غير موجود في المنطقة". وأكد نحاس صحة الأنباء عن كون مساحة منزوعة السلاح كلها في مناطق المعارضة السورية"، مضيفاً أنه "عندما اجتمع الأتراك والروس طلب الجانب الروسي أن تكون المنطقة من طرف المعارضة، لأن النظام ينصاع للأوامر الروسية، في حين أن هناك فصائل متطرفة يمكن ألا تستجيب للجانب التركي".
وكشف أن "الجيش التركي سينتشر بسلاحه الثقيل في المنطقة منزوعة السلاح الثقيل"، معتبراً أن "هذا مصدر أمانٍ لنا خصوصاً أنه مخوّل بالردّ على أي قصف من طرف النظام يستهدف المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش السوري الحر"، مؤكداَ أن "الاجتماع الذي جرى يوم السبت الماضي، بين قياديين بالجبهة الوطنية للتحرير ونظرائهم من هيئة تحرير الشام، لا علاقة له باتفاق سوتشي، فهناك لجنة للتواصل في محافظة إدلب تحاول دمج الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ في جسم واحد لتشكيل مؤسسات إدارية مدنية. لم يتمخّض الاجتماع عن نتائج سلبية وإيجابية ومن المتوقع أن تعقد اجتماعات أخرى لتقريب وجهات النظر".
في المقابل، قال مصدر في الاستخبارات التركية، مطلع على تنفيذ الاتفاق لـ"العربي الجديد"، إن "المناطق منزوعة السلاح جرى تحديدها بالفعل مع الروس، وهو واضح ولا خلاف فيه". غير أن المصدر التركي الأمني اعترف بوجود خلافات لناحية تنفيذ الاتفاق من قبل النظام، لناحية الخط الذي ستمر منه حدود المنطقة العازلة، في ظل استمرار الخروقات من قبل النظام، وهو ما يقلق الجانب التركي.
وكان من المتوقع أن يحاول الجانب الروسي حرف الاتفاق عن مقاصده الرئيسية وتجييره لمصلحة النظام الساعي كما يبدو لنسف الاتفاق من أجل إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق تدل المؤشرات أنها لن تقع، وأن الجانبين الروسي والتركي سيصلان إلى صيغة ترضي الطرفين. وفي هذا الصدد، أكد قيادي في المعارضة السورية المسلحة لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مشاورات مع الجانب التركي للوقوف على دقائق الأمور بالاتفاق".
وكان اتفاق أنقرة وموسكو قد تحدث عن إنشاء منطقة آمنة ستكون ما بين 15 و25 كيلومتراً على الحدود الفاصلة بين إدلب ومناطق النظام، وستكون خالية من السلاح الثقيل، مع بقاء المعارضة فيها واحتفاظها بالسلاح الخفيف، وطرد المتطرفين من المنطقة، إضافة إلى فتح الطريقين الدوليين حلب - حماة، وحلب - اللاذقية قبل نهاية العام الحالي. واعتباراً من 15 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، سيتم إخراج الأسلحة الثقيلة من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، وستتخذ روسيا تدابير لمنع هجوم على المحافظة من قبل قوات النظام.
وأوضح العقيد فاتح حسون القيادي في الجيش السوري الحر أنه "عندما تكون بنود الاتفاق مصاغة بلغة دبلوماسية وفق جمل عامة تتناسب مع مستوى واضعي الاتفاق، فمن الطبيعي أن تظهر تباينات في وجهات النظر لدى الأطراف المعنية بالاتفاق، عندما تحوّل لجانهم المختصة بنوده إلى إجراءات وتدابير".
ومضى بالقول إن "هذا ما حدث بالبند المتعلق بحدود المنطقة منزوعة السلاح في اتفاق سوتشي، فروسيا تعتبرها بدءاً من الحد الأمامي للنظام، ونحن من خلال تركيا نعتبرها مناصفة، وقد تم التوصل إلى أن تكون كما تراه اللجنة الفنية الروسية، لكن ستبقى مضادات الطيران المتنوعة عيار 57 و23 و14.5 و12.7 وغيرها، والتي تستخدمها فصائلنا بفاعلية ضد أي هجوم ممكن أن يحدث".
وأضاف حسون أنه "كما تبقى قوى الفصائل في مقارها وتحصيناتها الدفاعية، ويتم سحب السلاح الثقيل، على قلته في المنطقة، إلى عمق 15-20 كيلومتراً من الحد الأمامي، وهذا لا يؤثر سلباً من الناحية العسكرية في حال وجود سلاح ثقيل متمركز بالقرب من خطوط الدفاع يمكن أن يشارك بإعاقة أي هجوم. وأقصد هنا السلاح الثقيل للقوات التركية، إذ ستعمل تركيا على إدخال سلاحها الثقيل في المنطقة وتشارك في الأعمال الدفاعية ضد أي هجوم بري محتمل، وبهذا نكون قد كسبنا وجود جيش قوي منظم إلى جانبنا".
وأبدى حسون اعتقاده أن "الفصائل المصنفة إرهابية لم تبد ترحيباً بالاتفاق "لأنها تخاف أن الاتفاق سيطوّقها من قبل القوات التركية وفصائل الثورة، وسيجعلها في منطقة محدودة، عدد مقاتلي الجيش الحر فيها أضعاف أعدادها، وقد يؤدي انسحابها من المنطقة منزوعة السلاح وإعادة انتشارها إلى اقتتالها مع الفصائل المعتدلة. وستكون ضعيفة في ذلك لخسارتها تحصيناتها الدفاعية التي أنشأتها في أماكن تمركزها في المنطقة منزوعة السلاح المقرر تشكيلها".
وأشار حسون إلى أن "الفصائل العسكرية وتركيا لا تفكر بإنهاء الفصائل المصنفة إرهابية وحلّها قتالاً كما تريد موسكو"، مضيفاً أن "لكل مرحلة وظرف تكتيكاً يتوجب سلوكه للوصول إلى مراحل أخرى وظروف أفضل، ولا سيما في ظل التبدل الكيبير للأوضاع الميدانية والسياسية في سورية".