ويحاول النظام الحالي استنساخ تجربة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في التعامل مع ملف النقابات من خلال السيطرة عليها ودعم مؤيديه لعضوية مجالس النقابات فضلاً عن منصب النقيب. ونجح النظام المصري في دعم أحد مؤيديه وهو سامح عاشور للفوز بمنصب نقيب المحامين على حساب شخصيات أخرى معارضة من بينهم محامي الجماعات الإسلامية، منتصر الزيات، ورفع الأخير دعوى قضائية بتزوير انتخابات المحامين.
وتتولى إحدى إدارات جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) متابعة ومراقبة أداء النقابات، والتحرك خلال الانتخابات ودعم مرشحين بعينهم وتشويه آخرين من تكتلات المعارضة، وهذه التحركات تعد امتداداً لعهد مبارك. وتقول مصادر داخل مؤسسة الرئاسة لـ"العربي الجديد" إن حالة من الغضب والقلق انتابت مدير مكتب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، اللواء عباس كامل وبعض مستشاري الرئيس بعد أزمة نقابة الصحافيين.
وتضيف المصادر أنّه على الرغم من الضجة المصاحبة لتصعيد نقابة الأطباء، أثّرت الأزمة الأخيرة بشكل كبير على مؤسسة الرئاسة، وأخذت حيّزاً كبيراً من آليات العمل اليومية، نظراً لقوة تأثير الصحافيين. وتشير إلى مطالبة بعض العاملين في مؤسسة الرئاسة باقتراحات لكيفية التعامل مع ملف النقابات خلال الفترة المقبلة، بما يضمن عدم خروجها عن السيطرة مثلما حدث مع الأطباء والصحافيين.
وتؤكد هذه المصادر أن مدير مكتب السيسي يعدّ خطة للتعامل مع النقابات وخصوصاً المهنية، التي يكون تأثيرها أكبر من العمالية، في ظل السيطرة التامة على اتحاد العمال، ومحاولة تحجيم دور النقابات المستقلة. وتلفت إلى أنه من المرجح تكليف الدوائر الأمنية وتحديداً جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية بالتعامل مع ملف النقابات مثلما كان الوضع في عهد نظام مبارك. وتشدد على أن المقترحات المقدّمة تتعلق باختيار الشخصيات التي ستخوض الانتخابات في كل نقابة على حدة، ودعمهم بشكل كامل للفوز، لضمان عدم خروج أي نقابة عن السيطرة.
كما تتضمن المقترحات، بحسب المصادر ذاتها، تشكيل جناح داخل كل نقابة يعمل على تعميق الانقسام في حال خروج مجلس النقابة عن السيطرة، فضلاً عن إظهار وتلميع صورة بعض الشخصيات للدفع بها في أقرب انتخابات بحسب كل نقابة. وتلفت المصادر إلى أنّ "هناك تشويهاً متعمداً لأي شخصية معارضة للنظام تريد خوض الانتخابات في أي نقابة لقطع الطريق عليها لاكتساب شعبية أو الحصول على تأييد في وقت مبكر وعدم الانتظار حتى قبل الانتخابات مباشرة".
وتوضح المصادر الرئاسية أن "هناك توجّهاً لتشكيل مجموعات داخل النقابات في كيانات أو تيارات تحت أي مسمى يكون ولاؤها للنظام، لكن من دون إعلان هذا الدعم من الدولة لها حتى لا يؤثر هذا على نجاحها في الانتخابات مثلاً أو توجه لها اتهامات بالعمل لصالح النظام". أما بشأن النقابات العمالية المستقلة، فتكشف المصادر ذاتها عن اتباع النظام بالفعل أسلوبَين في التعامل معها، خصوصاً مع تأسيس تلك النقابات بقوة الدستور. وتقول إن الدولة تحاول تحجيم دور النقابات العمالية المستقلة، خصوصاً أن تأثيرها بدأ يتزايد مع أزمات ومشاكل العمال، بالتجاهل التام ومحاصرة فعالياتها واعتقال القيادات المؤثرة. وتشير المصادر إلى تعميم سابق لوزارة الداخلية وتحديداً مصلحة الأحوال المدنية، بمنع اعتماد أختام النقابات المستقلة ودار الخدمات، في مارس/آذار الماضي، بدعوى أنها غير خاضعة لأحكام وضوابط القانون رقم 35 وتعديلاته، بانتظار صدور قانون النقابات العمالية الجديد.
من جانبه، يقول الخبير السياسي محمد عز إن الأنظمة الديكتاتورية تحاول دائماً السيطرة على كل مؤسسات الدولة، ومحاصرة وتحجيم أي تحرك معارض لها. ويضيف عز لـ"العربي الجديد" أن تخوف النظام الحالي من النقابات سواء المهنية أو العمالية المستقلة، أمر طبيعي، كما أن محاولة السيطرة عليها ليس بالجديد، فهو استنساخ لتجربة مبارك في الحكم.
ويشير إلى أن وسائل المحاصرة والسيطرة على النقابات لن تختلف كثيراً عن أساليب مبارك، لأن النظام الحالي يُعتبر امتداداً له في كل شيء، من خلال دعم مؤيديه في الانتخابات وتشويه الشخصيات المعارضة له ومحاصرة أي حراك مهني. ويلفت إلى أن ملف النقابات بات يحتل أولوية قصوى لدى السيسي، بعد تصدّيها لعدد من القضايا التي هي في ظاهرها فئوية مهنية وفي باطنها سياسية رافضة لممارسات النظام الحالي.
ويؤكد أن النقابات باتت المعارضة الحقيقية وهي سبيل لتوحيد الفرقاء السياسيين، بعد تعمد إحداث حالة تفريغ والسيطرة على الحياة السياسية والعامة، وباتت النقابات المتنفس للجميع للتعبير عن رفضهم لسياسات النظام. ويشدد الخبير السياسي على أن السيسي بدأ يدرك خطورة النقابات وتحديداً المهنية، لأن الدستور يحظّر تأسيس أكثر من نقابة مهنية، وبالتالي فإن لها قوة في جمع فئة واحدة من مختلف التوجهات في كيان واحد. ويلفت إلى أن النظام وأذرعه الإعلامية تشن حالياً هجوما حاداً على نقابة الصحافيين، لتخفيف الضغط عليها والسيطرة على الأزمة بعد اقتحام قوات الأمن للنقابة، كما شنّت هجوماً في وقت سابق على الأطباء.