واستمر كلجدار أوغلو بخطاب الحزب الاعتيادي، على الرغم من رمزية الجلسة، التي تستوجب الابتعاد عن المناوشات السياسية، فلم يركز في كلمته في البرلمان على إدانة المحاولة التي أقر بأنها من تنفيذ حركة الخدمة، بقدر ما استمر في الدفع نحو التشكيك بأن المحاولة الانقلابية كانت مدبرة من قبل الحكومة، لكن من دون أن يستخدم مصطلح "الانقلاب المسيطر عليه". ما أزعج الرئيس التركي بشدة، وجلب لكلجدار أوغلو انتقادات حادة من زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي. وأيضاً كما كان متوقعاً، لم يكن لحزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) أي أثر في أي من الفعاليات.
وبينما عمّت الفعاليات في مختلف المدن التركية لإحياء المحاول الانقلابية، حملت الفعاليات الثلاثة الأهم رمزية بالغة، لناحية تكريس تاريخي لثلاثة فاعلين أساسيين في ضرب المحاولة الانقلابية، وهي "الأمة" التي خاضت معركة في الشوارع مع الانقلابيين، فكانت الفعالية الأولى افتتاح نصب تذكاري على القسم الآسيوي من "جسر شهداء الخامس عشر من تموز"، لم يحضره سوى أردوغان، ورئيس الحكومة، بن علي يلدريم، برفقة حشود مليونية من المواطنين الأتراك.
كما كُرّست مركزية الدور الذي أداه البرلمان، بعد أن اندفع 108 من أعضائه من مختلف الأحزاب وافتتحوه خلال المحاولة الانقلابية، مشددين على رفضهم للانقلاب. فتعرض لضربات جوية من طائرات الانقلابيين. وهناك كانت الفعالية الثانية التي حضرها أردوغان ويلدريم ورئيس الأركان الجنرال خلوصي أكار، ورئيس البرلمان، اسماعيل كهرمان، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، زهدي أرسلان، وزعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي.
وفي تأكيد على أهمية الدور الذي أدته الرئاسة التركية وعلى رأسها أردوغان، كانت الفعالية الثالثة أمام "الكلية الرئاسية" في العاصمة التركية أنقرة، وتم افتتاح نصب تذكاري كبير، حمل أسماء الذين قاوموا المحاولة الانقلابية. وامتلأت الفعاليات بالرموز الدينية، فاُفتتحت كل فعالية بالنشيد الوطني التركي وتلاوة آيات من القرآن، وإلقاء رئيس إدارة الشؤون الدينية كلمة بدت أقرب لخطبة جمعة. كما كانت كلمات الرئيس التركي، مليئة بالعبارات التي تؤكد على عمق الهوية التركية، التي ترى في الإسلام أحد أركانها.
كما كان لافتاً حضور رئيسة الوزراء السابقة عن حزب الطريق القويم (حزب سليمان دميريل) اليميني، تانسو جيللر، وكذلك رئيس البرلمان السابق عن العدالة والتنمية، الآتي من خلفية تعود لحزب الوطن الأم (حزب أوزال) اليميني القومي، جميل جيجك.
وعلى الرغم من تأديتها دوراً في ضرب المحاولة الاتقلابية، غُيّبت أو حُجِّمت المؤسسة العسكرية عن الاحتفالات، فلم يلق رئيس الأركان التركي أي كلمة، باستثناء الرسالة التي أصدرها، يوم الجمعة، ولم تشهد الفعاليات الكبرى أي ذكر للعسكر، حتى إن الرئيس التركي تجنب ذكر المؤسسة العسكرية لصالح التركيز على الثلاثي المؤسس للجمهورية الجديدة أي رئاسة الجمهورية والبرلمان والأمة.
كما كان مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، الغائب الأكبر، عن كل هذه الاحتفالات، لم يتمّ تعليق أي صورة له، وتجنب الرئيس التركي ذكره حتى أثناء الحديث عن حرب الإنقاذ، التي قادها أتاتورك، وانتهت بإعلان الجمهورية التركية بشكلها الحالي، بينما نال زعيم الكماليين، كمال كلجدار أوغلو، نصيباً وافراً من انتقادات أردوغان، التي وصلت حد التشكيك بموقفه من الانقلاب.
فقال أردوغان "في الساعة 11.15 (من ليل المحاولة الانقلابية)، في مطار أتاتورك كان هناك شخص، هذا السياسي، للأسف، ذهب من أمام صالة الشخصيات الهامة التي كانت تقف أمامها دبابات الانقلابيين. وقام بإجراء حوارات مع المتواجدين في هذه الدبابات، ومن ثم انسحب وذهب إلى رئيس بلدية باكركوي، واليوم يتحدث، وما زال يقول عن المحاولة الانقلابية (انقلاب مسيطر عليه). ليس عليكم أن تخدعوا أحداً". وأضاف "لو كنت أعلم بأنه فعل ذلك لما دعوته لحضور اجتماع يني كابي (الذي حضرته قيادات مختلف الاحزاب للتأكيد على إدانتها للمحاولة الانقلابية ومثّل نوعاً من الوحدة الوطنية التركية في مواجهتها)".
وكان كلجدار أوغلو قد ذهب عشية المحاولة الانقلابية إلى مطار أتاتورك الذي سيطر عليه الانقلابيون لساعات، ورصدته كاميرات المطار، بينما كان يتحدث مع عدد من الضباط الانقلابيين، قبل أن يعود ويتوجه إلى منزل رئيس بلدية باكركوي في إسطنبول، ليتابع أحداث المحاولة الانقلابية عبر التلفاز.
كما لم يفت أردوغان، إدانه الغرب عموماً، وبالذات الاتحاد الأوروبي، وتجديد الحديث عن إمكانية إعادة حكم الإعدام لتنفيذه بحق الانقلابيين. وفي انتقاد الاتحاد الأوروبي، قال أردوغان: "مهما فعلنا فإن أداء الاتحاد الأوروبي واضح. مرّ 54 عاماً وما زالوا يسخرون. لا يلتزمون بعهودهم، يتحدثون عن تحرير تأشيرة الدخول ولا يلتزمون، ويقولون سنمنح هذه الكمية من الأموال الخاصة باللاجئين ولا يلتزمون. لا بد من أن نقصّ حبلنا السري بيدنا، ليس لدينا حلّ آخر". وأضاف "سنصل مع شعبنا إلى أهدافنا لعام 2023 ولن يثنينا عن تحقيقها خونة منظمة غولن، ولا قتلة حزب العمال الكردستاني وداعش، ولا حلفاؤنا المزعومون الذين يعملون على محاصرتنا على طول حدودنا"، في إشارة إلى دعم الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية لقوات الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، رغم اعتراضات الحليف التركي الذي يصنف الاتحاد الديمقراطي ضمن "المنظمات الإرهابية".