أردوغان في اليونان اليوم... زيارة تاريخية لن تنهي الملفات العالقة

07 ديسمبر 2017
الزيارة ستتناول بشكل رئيسي التعاون الاقتصادي بين الجانبين (Getty)
+ الخط -
يتوجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اليوم الخميس، إلى أثينا، عاصمة الصديق اللدود، أي اليونان، في زيارة تعتبر الأولى من نوعها لرئيس جمهورية تركية بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي السابق، جلال بيار، قبل 65 عاماً.

ويبدو أن الخطوة كانت بمبادرة تركية، إذ جهّز لها رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، خلال الزيارة التي قام بها إلى أثينا، في يونيو/حزيران الماضي، والتقى خلالها بنظيره اليوناني، ألكسيس تسيباريس، والرئيس اليوناني، بروكوبيس بافلوبولوس، وعبّر يلدريم للأخير عن رغبة الرئيس التركي بزيارة أثينا، وذلك في إطار محاولات أنقرة لتعزيز علاقاتها ونفوذها المتصاعد في منطقة البلقان، لمواجهة العدائية الألمانية والنمساوية الواضحة ضدها.

ورغم الخلافات المتراكمة والتاريخية بين الطرفين التركي واليوناني، والتي لا يبدو أنها في طريقها إلى الحل على الأقل في المدى القريب أو المتوسّط، وبالذات في ما يخصّ المعضلة القبرصية، إلا أنّ الرئيس اليوناني رحب بالزيارة، وشارك بدوره في اجتماعات الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود في مدينة إسطنبول، بما شكّل الزيارة الأولى لرئيس يوناني لتركيا، منذ الزيارة التي قام بها الملك اليوناني بافلوس (بول) وزوجته عام 1952.

ويبقى الوصف الأمثل للعلاقات بين كل من تركيا واليونان، هو أنها علاقة الصديقين اللدودين، إذ إنّ كلتا الدولتين تمّ تأسيسهما، ولأسباب تاريخية على العداء للأخرى. وبينما يشكّل العداء للأرمن واليونانيين أحد أبرز أعمدة القومية التركية، يشكّل العداء للأتراك العصب الأهم في القومية اليونانية، بعد أن رزحت الأخيرة لأكثر من 400 عام تحت الحكم العثماني، ودخلت في حرب كبيرة ضد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، انتهت بهزيمة اليونان وإجراء عملية التبادل السكاني بين الجانبين وفق اتفاقية لوزان، لتتوتر العلاقات بين الجانبين حول الملف القبرصي، والذي يشهد ركوداً منذ التدخل التركي في الجزيرة لصالح القبارصة الأتراك عام 1975، وذلك رغم المحاولات المتعددة لحل هذا الملف.


ويبقى التوتر في بحر إيجة والخلافات حول تبعية عدد من الجزر سواء لتركيا أو اليونان، واحداً من أهم الخلافات التي لا يبدو أنها سترى أي حلحلة، حيث يستخدم الساسة بين الطرفين هذا الملف في كل مرة يحتاجون فيه لشد العصب القومي في وجه الخلافات الداخلية. ومع هذا، نجح البلدان خلال العقد والنصف الأخيرين، في العمل على فصل كبير في الملفات، واستمر التعاون في ما يخص أزمة اللاجئين وكذلك التبادل التجاري الذي يصل حجمه إلى 6 مليارات يورو سنوياً، وتسهيل السياحة.

وكان الرئيس التركي أوّل القادة الذين اتصلوا بالرئيس اليوناني الحالي في مارس/آذار 2015 لتهنئته على انتخابه من قبل البرلمان رئيساً. كما كان الرئيس اليوناني من أوائل القادة الذين عبروا عن تضامنهم مع أنقرة في وجه المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/تموز من العام 2016، رغم رفض المحكمة العليا اليونانية، في وقت لاحق، تسليم ثمانية عسكريين انقلابيين ممن تمكنوا من الفرار إلى أراضيها، لتتداول الصحف التركية تقارير تشير إلى أن سبب الرفض يعود لضغوط ألمانية على أثينا.

كما كان الرئيس اليوناني أوّل زعيم هنّأ الرئيس التركي بعد تمرير التعديلات الدستورية في إبريل/نيسان من العام الحالي، والتي أتاحت التحوّل إلى النظام الرئاسي، رغم الاعتراض الألماني الواضح والحملات التي شنتها برلين ضد هذه التعديلات، في الوقت الذي تتخذ أثينا موقفاً مدافعاً عن أنقرة في الاتحاد الأوروبي لناحية استمرار مفاوضي عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، فيما يبدو مناكفةً لألمانيا، ومحاولة لمنع تفجير معاهدة إعادة اللاجئين والمهاجرين التي تم توقيعها بين بروكسل وأنقرة، والتي ستكون اليونان واحدة من أكبر المتضررين بحال تمت، في ظل وقف طريق البلقان نحو وسط أوروبا.


ورغم المبالغة الكبيرة التي رافقت الحديث عن أهمية هذه الزيارة لكونها الأولى لرئيس جمهورية تركي منذ 65 عاماً، لناحية الكثير من القضايا والأمور العالقة بين الطرفين، إلا أنها لا تبدو فتحاً كبيراً في العلاقات أو تحولاً تاريخياً، إذ إنّ الزيارات بين الطرفين استمرت بشكل متكرّر وصولاً إلى تأسيس مجلس التعاون التركي اليوناني المشترك. لكن ما يميّز هذه الزيارة، هو عكسها للتحول الحاصل في تركيا نحو النظام الرئاسي، لناحية تحوّل صلاحيات رئيس الوزراء بشكل تدريجي، في مختلف الملفات، لرئيس الجمهورية، قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، والتي ستشهد التحول الرسمي نحو النظام الرئاسي في تركيا.

وما يؤكد ذلك، تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي، حاقان جاووش أوغلو (من مواليد تركيا الغربية في اليونان)، والذي أكّد أن الزيارة ستتناول بشكل رئيسي التعاون الاقتصادي بين الجانبين، من خلال الإشارة إلى ثلاثة مشاريع رئيسية مشتركة من دون الحديث عن الأزمة القبرصية أو أزمة الجزر المتنازع عليها أو حتى الخروقات المتعددة من الجانبين، سواء للمجال الجوي أو البحري.

وأوضح جاووش أوغلو أن "هناك ثلاثة مشاريع رئيسية، منها سيكون افتتاح مشروع نقل بحري للبضائع والمواطنين بين كل من إزمير وسيلانيك (سالونيكا)، والثاني سيكون أيضاً خط قطار سريع بين كل من إسطنبول وسيلانيك، والثالث إقامة جسر بين بوابتي كيبي وإبسالا الحدوديتين بين البلدين"، مضيفاً أنه "رغم أننا جيران في المجال الاقتصادي والسياحي، إلا أنه لا يزال لدينا العديد من القطاعات التي لم يتم مسّها، وأعتقد بأن تطوير هذه القطاعات سيكون ضرورياً".