ويأمُلُ رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، أن يمنحه الشعب الفرنسي أغلبية رئاسية مريحة تجعله يمرّر إصلاحاته. وهو أملٌ يتقاسمه معه رئيس حكومته، إدوار فيليب، الذي حذّر، اليومَ الإثنين، في تصريحات صحافية من "غياب أغلبية موالية للرئيس"، وهو ما يهدد، في نظره، بعودة "الصفقات والمتاجرة بين الأحزاب"، وبـ"بعض عقلية الجمهورية الرابعة".
وفي هذا الصدد، يعترف إدوار فيليب بأنه لا يولي أهمية كبيرة لعدد النواب الذين سيوصلهم حزبه (السابق) "الجمهوريون" إلى البرلمان، أو أي حزب آخَر، بقدر ما يولي "الأهمية للشخصيات المفيدة والكفؤة من أجل تقدّم فرنسا". ولهذا فهو لا يرى أي عيب في انتقاله إلى صف الرئيس ماكرون لأنّ "رنّة وعُمق حملة ألان جوبيه هيّأتا الأرضية التي وصلنا إليها الآن".
وتجد حركة رئيس الجمهورية نفسَها في وضعية جيدة، بفضل الدينامية التي خلقتها في عموم البلاد، بعد انتخاب الرئيس بنسبة مئوية مريحة، والتي عبّر عنها عدد المرشحين الذين أرادوا الحصول على تزكية من الحركة لترشحهم، وأيضا استطلاعات الرأي التي تمنح حركة الرئيس الصدارة في الانتخابات القادمة. إلا أن ثمة بعض المعيقات التي قد تؤثر سلبا على نتائجها، إذ اكتشف الناخبون في عدد من الدوائر مجموعة من المرشحين لم يحصلوا على التزكية من الحركة، ومع ذلك ترشحوا باسم الحركة، ووضعوا شعارات حركة الرئيس في ملصقاتهم ومنشوراتهم، أو مرشحين آخرين منحتهم أحزابهم التزكية وليس في مواجهتهم مرشح من حركة ماكرون، في بادرة ودية تجاههم، إلا أنهم فضلوا إضافة شعارات الحركة أو الأغلبية الرئاسية، وهو ما سيشوش على الحملة وعلى تصويت الناخبين.
ومن جهة أخرى بدأت الحملة الانتخابية تشتد بعنف، بين الناطق باسم حركة "فرنسا غير الخاضعة"، جان لوك ميلانشون، والمرشح الاشتراكي في مرسيليا وابن المنطقة والنائب البرلماني عنها، باتريك مينوتشي، الذي تجرأ على مقارنة حركة "فرنسا غير الخاضعة" بـ"الجبهة الوطنية" في ما يخص "اللجوء إلى الشعبوية".
وهو موقف سيزداد عنفا، خصوصا أن أول استطلاع للرأي في الدائرة التي ترشح فيها ميلانشون في مرسيليا، منحه الصدارة بـ 38 في المائة، ويليه مرشح "الجمهورية، إلى الأمام"، بنسبة 24 في المائة، وجاء المرشح الاشتراكي ثالثا بنسبة 13 في المائة.
ويعاني الحزب الاشتراكي من غياب أي رؤية سياسية واضحة، وينقسم مُرشَّحُوهُ الرسميون بين من يصر على استعادة الروح الحزبية الاشتراكية، وبين من يرى نفسه، جزءا لا يتجزأ من الأغلبية الرئاسية القادمة، كما فعلت الوزيرة الاشتراكية السابقة ماريسول تورين، التي محت من حملتها كل إشارة (لا أثر ولا ألوان حزبها) إلى الحزب الاشتراكي رغم أنها ترشحت بتزكية منه. ومن جهته يجد الأمين العام للحزب كامباديليس نفسه في وضع صعب، ليس فقط في مواجهة منافس شاب وطموح من حركة "الجمهورية، إلى الأمام" وهو منير محجوبي، بل وأيضا في حلم تحقيق إنجاز يتجاوز ما حققه المرشح بونوا هامون في الرئاسيات. وهو لا يستبعد تغيير اسم الحزب، كما كان قد اقترح مانويل فالس قبل فترة، واستبدال المقر الحالي بآخَر جديد، في إطار ما سمّاه "إعادة بناء الحزب".
ومن جهة أخرى افتتح حزب "الجمهوريون" حملته الانتخابية يوم السبت أمام 2500 شخص، بحضور القياديَين فرانسوا باروان وفاليري بيكريس، بتصميم كبير من الحزب ومن حليفه "الحزب الديمقراطي المستقل" على إرغام إيمانويل ماكرون على التعايُش، من خلال تحقيق أغلبية مطلقة في البرلمان، وهذا يتمّ بدعوة ناخبي اليمين والوسط لعدم الانجرار خلف أضواء إيمانويل ماكرون وإغراءاته.
ومن جهته، لم يُخف القيادي في نفس الحزب، جان فرانسوا كوبي، رغبته في إعادة تنظيم الحزب. "يجب إحداث انفتاح وتغييرات في الحزب، لأنه توجد حساسيات واتجاهات مختلفة".
وتبتدئ الحملة الانتخابية إذن، في وقت يبدأ فيه رئيس الجمهورية ماكرون في استقبال ممثلي الحوار الاجتماعي. وفي هذا الصدد سيلتقي جان كلود مايلي، رئيس النقابة العمالية "قوة عمالية" بالرئيس ماكرون، صباح الثلاثاء، إضافة إلى ممثلين آخرين، من النقابات وأرباب العمل، من أجل تناول "إصلاح قانون الشغل"، الذي يعتبره الرئيس ماكرون ورئيس حكومته، "أولوية الأولويات"، وفي وقت حذّر فيه فيليب مارتينيز، الأمين العام لنقابة "سي جي تي"، من خطورة العمل على تنظيم قانون الشغل عبر مراسيم لأنها "قرارات عتيقة" جُرِّبَت وفشلت، وعبّر عن قناعته بأن أولوية نقابته "ليس إقناع الحكومة بل إقناع العمال"، أي التلويح بمواجهة في الأفق.
كما يأمُلُ أرباب العمل الفرنسيون "ميدييف"، الذين ابتهجوا كثيرا لانتخاب إيمانويل ماكرون، بُزوغَ "أغلبية" رئاسية من أجل السير سريعا في الإصلاحات، وحتى يمكن للمراسيم الحكومية (حول قانون الشغل) أن تمرّ في أحسن الظروف.