تبعية البحرين للسعودية... النموذج المطلوب تطبيقه على قطر

11 أكتوبر 2017
أثناء تحرك للمعارضة جنوبي المنامة عام 2016(محمد الشيخ/فرانس برس)
+ الخط -
تحولت البحرين وهي الدولة الأعرق من ناحية الديمقراطية والمؤسسات والاستقلالية في منطقة الخليج سابقاً إلى منطقة خاضعة للنفوذ السعودي بشكل كامل في الشؤون الداخلية والخارجية والاقتصادية والعسكرية. وتعود الهيمنة السعودية على البحرين بحكم الواقع الجغرافي لكلا البلدين إلى عام 1963 حينما اُكتشف حقل أبو سعفة النفطي على الحدود البحرية المشتركة بين البلدين. وحينها قررت السعودية أخذ الحقل لشركة "أرامكو" التابعة لها مع إعطاء جزء من أرباحه السنوية إلى الحكومة البحرينية التي تصل نسبة الاعتماد على النفط في ميزانيتها إلى 80 بالمائة، على الرغم من محاولاتها تنويع الاقتصاد.

كما سيطرت السعودية التي تغطي مساحتها أغلب أراضي الخليج العربي، على عدد من الجزر البحرينية الصغيرة لتأمين حقولها النفطية الواقعة بالقرب منها. ومع إنشاء جسر الملك فهد الذي يربط الدولة المكونة من أرخبيل جزر صغيرة مع الجارة الكبرى السعودية عام 1986، ازداد اعتماد البحرين بشكل كبير على البضائع والخدمات والسياح السعوديين الذين ينعشون اقتصاد البلاد في كل عطلة نهاية أسبوع.

وساهمت السعودية في قمع ما عرف بانتفاضة التسعينيات التي اشتعلت ضد والد ملك البحرين الحالي على خلفية الظروف السياسية والاقتصادية المتردية التي يعانيها الشعب البحريني. ومدّت الرياض المنامةَ بأفراد من قوات الحرس الوطني السعودي وعدد من المحققين وضباط الاستخبارات لتقديم الخدمات العسكرية لها. وكان أمير البحرين الراحل، الشيخ عيسى آل خليفة، قد أصدر دستوراً للبلاد عام 1973 بتوصية بريطانية لتخفيف التوتر في البلاد، لكن الأمير علّق العمل بالدستور عام 1975 وحكم البلاد عن طريق قانون الطوارئ حتى وفاته المفاجئة عام 1999، قبل أن يقوم ابنه الملك الحالي، حمد بن عيسى، بإقرار ميثاق العمل الوطني بعد استفتاء شعبي كبير، نصّ على إعادة العمل بالدستور وإنشاء مجلس نواب منتخب عام 2001.

ولم ترض الحكومة السعودية بأن تكون هناك ديمقراطية حقيقية يشارك فيها المكون الشيعي العربي في البحرين، فضغطت على الملك البحريني ليقوم بتقليص صلاحيات مجلس النواب عبر تعيين نواب غير منتخبين تكون صلاحياتهم شبيهة بصلاحيات النواب المنتخبين. وهذا ما أدى إلى مقاطعة الأغلبية المنتمية للطائف الشيعية للانتخابات البرلمانية عام 2002 حتى عام 2006، حينما عادت جمعية "الوفاق الوطني"، أكبر جمعية سياسية في البلاد، للمشاركة قبل أن تستقيل بعد انتفاضة عام 2011.


وفي أثناء تصاعد الاحتجاجات ضد النظام الحاكم في البحرين في فبراير/شباط 2011، تفاقم صراع آخر داخل أجنحة أسرة الحكم. ويدور الصراع بين جناح موالٍ للسعودية، والذي يدعو إلى سحق المتظاهرين بشكل تام، ويتزعمه قائد قوات درع البحرين، خليفة بن أحمد آل خليفة، وقائد قوات دفاع البحرين، وزير الخارجية الحالي، خالد بن أحمد آل خليفة، اللذان يشار لهما بالبحرين بـ"الخوالد"، وجناح آخر يدعو إلى الحوار والإصلاح والاستقلال في قرار البحرين السياسي ويتزعمه ولي العهد البحريني، سلمان بن حمد آل خليفة.

لكن جناح "الخوالد" الذي يسيطر على الدبلوماسية البحرينية والقرار العسكري فيها استدعى القوات السعودية التي تحركت تحت غطاء منظومة قوات "درع الجزيرة" الخليجية التي عبرت الجسر الفاصل بين البلدين في منتصف شهر مارس/آذار 2011، لتقوم بأكبر حملة قمع شهدها تاريخ البحرين الحديث، أدت إلى هدم دوار اللؤلؤة الذي كان مركز الاحتجاجات وفرض حالة الطوارئ وحظر التجول.

وفي ظل انخفاض أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس للبلاد، وهروب المستثمرين من بلدٍ تحوّل إلى سجن كبير، وغياب البرلمان وتعطل الدستور، واختلال الأمن بفعل حوادث القتل التي وُجهت الاتهامات بشأنها ضد المعارضين والناشطين وحتى رجال الشرطة الذين فوجئوا بتعرضهم لهجمات من منظمات مجهولة، وجدت البحرين نفسها تتبع الرياض في كافة القرارات السياسية والاقتصادية. وأنقذت السعودية البحرين بحزمة مساعدات مالية كبيرة مع الإبقاء على قوات "درع الجزيرة" في أراضيها، لتتحول دولة البحرين إلى أرضٍ تابعةٍ "للبلاط السعودي"، كما وصفها الصحافي البريطاني المخضرم، روبرت فيسك. وبينما يبدو أن الملك البحريني وولي عهده قد شعرا أخيراً، بأن البلاد قد ضاعت من أيديهما وباتت رهينة قرارات الرياض، يبدو الفرع الموالي للسعودية داخل الأسرة الحاكمة مستمراً في التبعية الكاملة، إذ انطلقت من البحرين شرارة أول بيان للحصار على قطر وتبدو الرياض سعيدةً بكون البحرين قد أصبحت تابعة لها وللأبد.

ولا يعدو حصار قطر ومنع دخول المنتجات الغذائية والصحية لها من منفذ سلوى البري المطل على الحدود السعودية وقيام الرياض باقتطاع خور العديد الذي يصل الحدود القطرية بالإماراتية منذ سبعينيات القرن الماضي، إلا دلالة على المحاولات السعودية للهيمنة على القرار القطري كما هو الحال في البحرين وتحويل قطر، الإمارة الغنية بالغاز، وذات النفوذ السياسي الواسع في المنطقة، والاستثمارات الضخمة في العالم، إلى إمارة تابعة للرياض.