عدّد المنشور المحرّض على التظاهر وقتها مجموعة من الأزمات التي روّجت لها الحركة الاستخباراتية، من دون أن يكون في حسبان من وقّع على تلك الاستمارة، أو من تجاوب مع دعوة التظاهر تحت ضغط آلة إعلامية روّجت للعديد من الأكاذيب كنوع من التمهيد للانقلاب العسكري، أنّ الأوضاع ستتجه إلى الأسوأ تحت قيادة العسكر المنقلبين للبلاد.
فما أن تمكّن وزير الدفاع وقتها، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، من السيطرة على مقاليد الأمور وزمام البلاد، حتى تبدّلت الأمور وانقلبت رأساً على عقب، وتحوّل خطابه للشعب المصري من الخطاب الحاني، عندما أعلن في بيان الانقلاب في الثالث من يوليو/ تموز أن الشعب لم يجد من يحنو عليه، إلى خطاب مهاجم لعموم المصريين، لا سيما عندما قال لهم خلال أحد المؤتمرات "هتاكلوا مصر يعني".
تعدّدت الأزمات منذ الانقلاب العسكري، وجاءت على المستويات كافة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وضربت المشكلات جميع مناحي الحياة، فارتفعت معدلات الجريمة تحت قسوة الظروف المعيشية، وارتفعت معها معدلات الانتحار لأسباب اقتصادية، ووصلت الأسعار لمعدلات قياسية تجاوزت قدرة المواطنين على التجاوب معها. هذا فضلاً عن الانتهاكات الحقوقية وتراجع الحريات العامة، في وقت باتت فيه الأنباء عن مقتل جنود مصريين على أيدي العناصر الإرهابية أخباراً اعتيادية يعايشها المصريون بشكل شبه يومي، من دون أن تتم محاسبة أيٍّ من المسؤولين.
التنازل عن الأرض
كانت أكبر الأزمات، التي كشفت كذب تصريحات النظام المصري الذي لطالما تغنّى بخلفيته العسكرية التي تقوم عقيدتها القتالية على حماية كل ذرة تراب من أرض الوطن،تخلي النظام الانقلابي عن جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر، واللتين سالت عليهما دماء المصريين في حروب دولتهم مع إسرائيل في عامي 1967، و1973، ضارباً بالغضب الشعبي عرض الحائط.
وعلى الرغم من الشهادات التي أدلت بها مجموعة من القيادات العسكرية السابقة، وفي مقدمتهم الفريق مجدي حتاتة رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق، والتي تؤكد مصريّة الجزيرتين، إلّا أنّ السيسي وجّه الأذرع الإعلامية التي تدار بتحكّم كامل من قبل اللواء عباس كامل مدير مكتبه السابق، ومدير الاستخبارات العامة حالياً، للترويج لسعودية الجزيرتين.
وتنازُل السيسي عن الجزيرتين مقابل مليارات الدولارات من المملكة العربية السعودية ودعمه في تحركاته الانقلابية، كان بمثابة البراءة للرئيس الراحل محمد مرسي، الذي اتهمته آلة السيسي الإعلامية بالتنازل عن سيناء لأهالي قطاع غزة، وكذلك تنازله عن حلايب للسودان، في وقتٍ لم يفرط فيه الرئيس المنتخب بأي شبر من الأرض المصرية، فيما تتردد أنباء عن دور لأراضي سيناء في خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، عبر إقامة منطقة اقتصادية لخدمة قطاع غزة، تكون محظورة على المصريين.
سياسة "الحديد والنار" تدير ملف الحريات
أما على صعيد الحريات، فقد وصلت الأوضاع في مصر إلى الأسوأ في العصر الحديث، حتى وصل عدد السجناء على ذمة قضايا سياسية إلى 60 ألفاً من المعارضين، فيما توسّع السيسي في بناء السجون لاستيعاب المعارضين المقبوض عليهم. وبعد أن كانت الآلة الإعلامية التابعة للأجهزة الأمنية تروّج أنه سيتم تأميم الإعلام في عهد مرسي، سيطر جهاز الاستخبارات العامة الذي يترأسه رجل السيسي، عباس كامل، ونجل الرئيس محمود السيسي، وكيل الجهاز، على وسائل الإعلام كافة بعد قيام شركة "إعلام المصريين" بالاستحواذ على القنوات الفضائية كافة، مثل "الحياة" و"النهار" و"سي بي سي" و"دي إم سي"، وكذلك غالبية الصحف اليومية والمواقع الإخبارية، مثل "اليوم السابع" و"الدستور"، و"مبتدأ"، و"صوت الأمة".
كما شهدت السنوات الستّ عقب ولاية السيسي غلْق الكثير من وسائل الإعلام، وحجب نحو 150 موقعاً إخبارياً من دون أي قرارات رسمية، كان آخرها موقع "التحرير" الإخباري، وقبله موقعي "مدى مصر"، و"مصر العربية".
البقاء في الحكم
كما تحلّ الذكرى السادسة للانقلاب وسط تغيّر نوعي كبير بعدما انقلب السيسي على الدستور الذي تمّ الترويج له في العام 2014 على أنه الأفضل في تاريخ مصر، ليقوم بمنح نفسه سلطات مطلقة، فوق القضاء، عبر تشكيل مجلس أعلى للهيئات القضائية برئاسته ليقضي تماماً على مبدأ استقلال القضاء.
كما منحت التعديلات الدستورية التي تمّ تمريرها في استفتاء شعبي مثير للجدل بسبب حجم الانتهاكات التي شهدها في إبريل/ نيسان الماضي، السيسي البقاء في الحكم حتى العام 2030، بعد أن كانت المواد الخاصة برئيس الجمهورية قبل الانقلاب لا تجيز لأي شخص البقاء في المنصب إلا فترتين، كل واحدة منهما 4 سنوات فقط، وذلك وسط حديث عن تعديل الدستور برمته مرة أخرى خلال 5 سنوات.
وبعد تعديل المادة 140 من دستور 2014، أصبحت تنصّ على أنه "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين"، مع مادة انتقالية تنصّ على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية الحالي عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه مرة واحدة على النحو الوارد بالمادة 140 المعدلة من الدستور".
اقتصاد منهار
تحلّ أيضاً الذكرى السادسة للانقلاب العسكري في مصر وسط وضع اقتصادي متدهور للغاية، وفي ظلّ تقارير من المؤسسات الدولية المعنية بشؤون الاقتصاد تحذّر مما وصلت إليه الأوضاع في البلاد. وتولى السيسي الحكم وكان سعر الدولار مقابل الجنيه المصري 6 جنيهات وسبعين قرشاً، لتحل الذكرى السادسة لانقلابه وسعر الدولار يلامس الـ17 جنيهاً، إذ جاءت الزيادة الكبيرة هذه بعد قرار صادر في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 بتعويم الجنيه المصري، كاستجابة لأحد شروط "صندوق النقد الدولي" للموافقة على منح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار على ثلاثة أعوام.
أمّا على صعيد الدين العام، فوصلت الأمور إلى حدّ الكارثة، إذ بات 4.108 ترليونات جنيه، بعدما كان 1.4 ترليون جنيه، فيما تجاوز الدين الخارجي 97 مليار دولار، بعدما كان 34 مليار دولار في 2013. وأخذت الديون أشكالاً عدة، ما بين القروض، والودائع البنكية، وأذون خزانة عالية الفائدة.