المعاشيق من أهم المناطق في عدن لما لها من رمزية للدولة. فالرئيس اليمني الحالي تسلّم المنطقة الرئاسية من المخلوع علي عبدالله صالح، الذي سبق له أن اتخذها مقراً لإقامته في فصل الشتاء، وعُرفت عدن بـ"العاصمة الشتوية"، لتعود المنطقة إلى ما كانت عليه قبل الوحدة (التسعينيات)، إذ تميّزت المعاشيق بأهميّتها الأمنية، حيث منازل عدد كبير من قيادات أمنية ورسمية، ومنها منزل الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض.
تقع المعاشيق في نهاية منطقة حقات الواقعة في مدينة كريتر، وهي المدينة القديمة ومركز محافظة عدن. والطريق إلى معاشيق، يمر بباب حقات، وهي فتحة جبلية أشبه بالباب الكبير مثله مثل باب عدن، ثم من باب حقات المرور بمنطقة حقات حتى سفح أسفل هضبة معاشيق، فالصعود عبر طريق أسفلتي وحيد حتى قمة معاشيق حيث القصر الرئاسي والفيلات ودور الضيافة إلى جانبه.
تمتاز المعاشيق بالجبال المحيطة بها، فضلاً عن أنها منطقة نائية بعيدة عن الأحياء السكنية، ولها مدخل رئيسي واحد من جهة الشمال، كما لا يستطيع أحد المرور منه، باعتبار المنطقة عسكرية وأمنية، في ظلّ انتشار الحرس الجمهوري في عهد الرئيس المخلوع. ومع خروجه من السلطة، ظلّت المنطقة خاضعة للحرس الجمهوري الموالي لصالح، لكن تحولاً حدث بعد الانقلاب، وتمكّن الرئيس هادي من الخروج من صنعاء إلى عدن.
كان القرار الأوّل الذي اتّخذه هادي بعد وصوله إلى عدن، واستقراره في المعاشيق، هو إخراج جميع القوات الموالية للرئيس المخلوع من المعاشيق وتسلم قوات مقربة منه، فضلاً عن اللجان الشعبية التي انتشرت في كامل المنطقة حتى لا يعطي أي فرصة للانقلابيين بالتحرك، خصوصاً بعد تعرضه لخيانات كثيرة من هذه القوات، بما فيها وضعه تحت الإقامة الجبرية.
اقرأ أيضاً عودة هادي إلى عدن: إسقاط رهانات الانقلابيين
من داخل القصر، تراجع هادي عن استقالته، واستقبل فيه سفراء دول الخليج العربي وسفراء الأمم المتحدة، كما استقبل كل المناصرين والداعمين للشرعية والرافضين للانقلاب. من هناك، بعث هادي رسالته الشهيرة، أنّ "العلم اليمني سيرفع في جبال مران".
وبقدر ما كان قصر المعاشيق هدفاً لرافضي الانقلاب، كان قبلة الانقلابيين في الوقت عينه. فقد شنّت مقاتلات الجيش التي يسيطر عليها الحوثيون وصالح، غارات استهدفت القصر، وتحديداً الرئيس اليمني، بعد اتخاذه من عدن عاصمة مؤقتة للحكم، في أغسطس/آب الماضي، وسحبه الشرعية من صنعاء من خلال طلب نقل السفراء إلى عدن.
وتمكّن هادي، عند مهاجمة مليشيات الحوثي وصالح، من خلال عملية عسكرية برية، في أبريل/نيسان الماضي، من مغادرة المعاشيق على الرغم من محاصرة القصر، عبر البحر، ومنه انتقل إلى أبين ثم إلى شبوة وحضرموت ثم المهرة، وسلطنة عُمان.
ومع خروج الرئيس اليمني الحالي، سيطر الحوثيون وقوات صالح على القصر، وتمركزوا فيه، وأصبح مقراً لعملياتهم العسكرية في عدن، لتعود القوات الشرعية و"المقاومة الشعبية"، مدعومة بقوات التحالف العربي إلى تحرير القصر، في يوليو/تموز الماضي، وترميمه، وتأهيله وإضافة أقسام، وتمركزت فيه "المقاومة".
وقبل أسبوع من عودة هادي، تكفّلت دولة الإمارات بإعادة تأهيل القصر، وشملت تلك الأعمال إصلاح الأضرار البالغة المترتبة عن الحرب. كما حدثت مواجهات بين قوة تابعة لنجل الرئيس اليمني، ناصر عبدربه منصور هادي، وعناصر من "المقاومة" التي كانت تتولى حراسة القصر، عندما حاول ناصر إخراجها واستبدال قوات خاصة للحراسة وتأمينه، وتدخّلت قوات التحالف، لتنتشر قوات إماراتية حول القصر وفي محيط المنطقة لتأمينهما قُبيل عودة الرئيس.
في ظلّ كل هذه التحولات، أصبحت منطقة المعاشيق مقراً للحكم، فضلاً عن احتمال وجود الحكومة، لا سيما أنّ المنطقة خضعت لترميمات كبيرة من قبل شركات إماراتية استمرت لأشهر، وسيزاول الرئيس هادي عمله من القصر، مستقبلاً الوفود والبعثات الدبلوماسية، ويعتقد أن هناك تحركاً لإعادة فتح البعثات الدبلوماسية في عدن.
اقرأ أيضاً: قوات إماراتية تنتشر في محيط القصر الرئاسي في عدن
يشار إلى أنّ دار الرئاسة الرسمي ليس القصر الرئاسي في المعاشيق، بل القصر الموجود في منطقة الفتح في مدينة التواهي، والذي كان في عهد الحكم البريطاني مقراً رسمياً للمندوب السامي البريطاني.
من فيلا إلى قصر
اكتسبت منطقة المعاشيق أهميتها بداية منتصف القرن الـ18 الماضي، بعد احتلال بريطانيا لعدن وجنوب اليمن، لدى إقامة الإنجليز فناراً لإرشاد السفن في الجزء المواجه للبحر من المنطقة، والذي استمر كذلك لحوالي مئة عام، حيث أهمل ودمر جزء كبير منه بعد ذلك.
بعد استقلال الجنوب وجلاء القوات البريطانية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، وضعت الحكومة الوطنية بعد الاستقلال يدها على بعض الفيلات في المعاشيق، والتي كانت ملكاً لمسؤولين بريطانيين، حتى جاءت قرارات التأميم الشهيرة التي أعلنتها الحكومة الوطنية في الجنوب عام 1969، وأممت بموجبها كافة المصارف والشركات الكبيرة الأجنبية بمختلف أنشطتها وقد غادر بعدها أصحاب وملاك ومديرو تلك المصارف والشركات البلاد. كما وضعت الحكومة يدها على كافة المباني والفيلات التابعة لهم في المعاشيق وغيرها.
تحوّلت تلك الفيلات في المعاشيق بعد ذلك إلى بعض كبار رجال الحكومة، ودوراً للضيافة لاستقبال وإقامة الوفود الحكومية أو الحزبية التي تزور البلاد. وجرى الاهتمام بها من حيث صيانتها وتجديدها وتحديثها والإضافات لبعضها، وذلك منذ بداية سبعينيات القرن الـ20 الماضي وحتى منتصف ثمانينياته. بعد العام 1986، تسلم علي سالم البيض رئاسة الدولة والأمانة العامة للحزب الحاكم آنذاك (الحزب الاشتراكي اليمني)، واختير أحد المباني في المعاشيق والذي تم تحديثه وتطويره والإضافة له، ليكون سكناً ومقراً للبيض، واعتبر منذ ذلك الوقت، قصراً للرئاسة كسكن ومقر للرئيس.
اقرأ أيضاً تحرير عدن: فصول من اجتياح المليشيات وانتفاضة "المقاومة" والجيش