أكدت المعارضة السورية، اليوم الأربعاء، أن "بيان موسكو" الثلاثي "يتضمن مبادئ عامة"، مشيرة إلى أنها "تقف مع أي تحرك إيجابي يوقف شلال الدماء في سورية"، مشددة على أن ثقتها بروسيا وإيران "معدومة"، وأنها لا تزال تنتظر "توضيحات" حيال البيان.
ونص "بيان موسكو"، والذي صدر مساء الثلاثاء، على اتفاق روسيا وإيران وتركيا على "احترام سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية كدولة ديمقراطية علمانية متعددة الأعراق والأديان".
واعتبر البيان أن "لا وجود لحل عسكري للأزمة في سورية"، انطلاقاً من الأخذ بعين الاعتبار "القرارات التي صدرت عن المجموعة الدولية لدعم سورية، وإزالة الحواجز أمام تطبيق الاتفاقات الواردة في هذه الوثائق"، في إشارة إلى القرار 2254 الأميركي الذي صدر في ديسمبر/كانون الأول 2015.
وينص القرار على "تنفيذ بيان جنيف (2012)، ودعم بيانات فيينا (2015) الخاصة بسورية، باعتبارها الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي، بهدف إنهاء النزاع على قاعدة أن الشعب السوري هو من سيحدد مستقبل سورية"، وعلى مفاوضات "على وجه السرعة بين ممثلي النظام والمعارضة السوريين بشأن مسار الانتقال السياسي. على أن تبدأ تلك المفاوضات مطلع يناير/كانون الثاني 2016 بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة"، محدداً ضرورة إجراء "انتخابات حرة ونزيهة على أساس دستور جديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة".
وحدد القرار المذكور مجموعة "بنود إنسانية" تتحدث عن السماح "فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، ولا سيما في جميع المناطق المحاصرة"، وهي البنود التي تمسك وفد المعارضة السورية في جنيف بتنفيذها قبل الشروع في مفاوضات سياسية.
ولم يصدر، حتى اللحظة، تعقيب رسمي عن المعارضة السورية على "بيان موسكو"، إلا أن مصادر أكدت أنه لم يصل "بشكل رسمي" إلى الائتلاف الوطني، مرجحة أن يتم إرساله إلى الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة، مشيرة إلى أن الهيئة السياسية في الائتلاف ستعقد الخميس اجتماعاً لمناقشة بنوده.
من جانبه، أكد عضو الائتلاف الوطني السوري، أمينه العام السابق، يحيى مكتبي، أن "قوى الثورة والمعارضة السورية تقف مع كل تحرك إيجابي يهدف إلى وقف شلال الدم، وتخفيف معاناة السوريين، والدفع بالعملية السياسية قدما". وأشار في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بيان موسكو" يتضمن "مبادئ عامة متفقا على معظمها، كوحدة سورية، ووقف إطلاق النار، ومحاربة الإرهاب، والتأكيد على المرجعيات الدولية في ما يخص عملية التفاوض، وخاصة لجهة القرار 2254".
وأشار مكتبي إلى أن "التعويل الحقيقي على الأفعال"، موضحا أن المعارضة السورية "تثق بالجانب التركي"، مضيفا أن "تركيا تعمل لمصلحة الشعب السوري، وتخفيف المعاناة عنه"، مشددا على أن المعارضة "لا تثق بروسيا وإيران"، ومشيرا إلى أنهما تتشاركان مع النظام في "الهولوكست السوري".
وأكد على تمسك المعارضة بمرجعية جنيف، مضيفا أن "أي عملية تفاوض مقبلة يجب أن تبحث عملية الانتقال السياسي، وتشكيل هيئة حكم انتقالية من دون وجود بشار الأسد"، موضحا أن "المعارضة السورية تنتظر توضيحات عن البيان، وعن الخطوة التالية".
ولم يأت "بيان موسكو" بجديد من شأنه تحقيق "اختراق استراتيجي" يدفع بشكل جاد باتجاه التوصل لتسوية سياسية تمهد الطريق أمام استعادة البلاد لعافيتها بعد نحو ست سنوات من حرب مفتوحة شنها النظام وحلفاؤه على السوريين، ما أدى إلى مقتل واعتقال وتهجير ملايين السوريين، وتدمير مدن، وإحداث عمليات تغيير ديمغرافي واسعة النطاق، وتعريض سورية للتقسيم، والتشظي.
ووقفت روسيا وإيران، حليفتا نظام الأسد، منذ منتصف عام 2012، أمام كل المحاولات الإقليمية والدولية والأممية الهادفة إلى إيقاف الحرب، والتوصل لحلول سياسية، إذ استمرتا في دعم قوات النظام حتى تحوّل وجودهما في سورية إلى "احتلال"، وبات النظام مجرد واجهة لا قيمة لها سياسيا أو عسكريا.
كذلك حالت روسيا وإيران دون تطبيق الشق الإنساني من القرار الدولي 2254، والذي دعا إلى "فك الحصار عن المدن المحاصرة، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين".
وتؤكد المعارضة السورية أن "الوضع ازداد سوءا عقب صدور القرار أواخر العام الماضي، وتضاعفت أعداد المحاصرين، والمهجرين، وجرت عمليات تهجير قسري بدفع من مليشيات إيرانية، وصل عددها إلى 66 مليشيا، وتحت إشراف من وزارة الدفاع الروسية، فضلا عن مقتل وإصابة آلاف المدنيين بقصف الطيران الروسي منذ سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
ولم يتضمن "بيان موسكو" أية إشارة إلى مصير بشار الأسد، والذي يعتبر العقبة الكبيرة أمام التوصل لتسوية، إذ تصرّ موسكو وطهران على بقائه في السلطة خلال مرحلة انتقالية، وحقه في الترشح في انتخابات تعقبها، في حين تصرّ المعارضة على استبعاده ومحاكمته، وهو ما قد ينسف البيان، ليصبح وثيقة سياسية بلا قيمة فعلية.
وغيّبت موسكو واشنطن عن المحادثات الثلاثية، ما يؤكد رغبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في زيادة نفوذ بلاده في الشرق الأوسط، مستغلّاً التطورات الميدانية والسياسية، والغياب الأميركي الكامل عن المشهد في فترة انتقالية بين إدارتين.
ولكن المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي، قلل الثلاثاء من أهمية عدم حضور بلاده محادثات موسكو، رافضا التلميحات إلى أنّ غياب واشنطن عن الاجتماع يشير إلى "تغيّر في النفوذ".