تصدر، منذ فترة، تحذيرات عن جهاز الاستخبارات الدنماركي، الفاعل في مجال المنطقة العربية والقرن الأفريقي، بشأن "مخاطر سفر الشباب إلى سورية" للانضمام إلى مقاتلين إسلاميين. وقد نشر الجهاز على موقعه الإلكتروني تحذيراً بشكل رسمي عن جدية المخاطر التي "يسببها سفر وعودة هؤلاء الشباب إلى الدنمارك، بعد تلقّيهم دورات وإشباعاً فكرياً يشرعن محاربة الغرب".
وقد أخذت تلك التحذيرات حيزاً كبيراً من اهتمام وسائل الإعلام، بعدما قام الشاب الدنماركي فيكتور كريستيانسن، المنضم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، بتفجير نفسه في نقطة تفتيش للجيش العراقي في نهاية فبراير/شباط. وتبين لاحقاً أنّ فيكتور لم يكن الأوّل، فقد سبقه "أبو خطاب الدنماركي" إلى منطقة الخالص (بلدة عراقية تابعة لمحافظة ديالى). وعلى عكس كريستيانسن الذي عُرفت هويته ومنطقته، لم تكشف هوية المدعو "أبو خطاب"، وغيره ممن لا يزالون في المنطقة.
الجديد في التحذيرات الدنماركية أنها تستند إلى قيام "أبو سعد الدنماركي"، بتفجير رتل عسكري قرب الموصل بالعراق الشهر الماضي. ولم يشأ جهاز الاستخبارات حينها تأكيد أو نفي وجود المزيد من الانتحاريين الدنماركيين والمجنسين من أصول عربية وإسلامية في صفوف (داعش)، بعد بيانه عن مقتل "استشهاديين أوروبيين".
غير أن مدير "مركز تحليل الإرهاب"، التابع للجهاز، سورن يَنسن، يقول في تصريحات تعود ليوم 28 يونيو/ حزيران الماضي، حول "جدّية الخطر وحجمه"، إن "هؤلاء الشباب حين يسافرون إلى سورية، ويتم التواصل بينهم وبين مجموعات تتبنى أيديولوجية متطرفة، يعودون إلى الدنمارك مشبعين بها ويمكن أن يقوموا بأعمال إرهابية".
ويشير مدير المركز، المتخصص بسلوك الشباب المسلمين في الدنمارك، والوقاية مما تسمى عملية "التحول الراديكالي"، إلى أن الاستنتاجات المحذرة بُنيت على معلومات محددة. ويضيف لصحيفة "بوليتيكن" "نحن نبني استنتاجاتنا على قضايا رأيناها في السابق، وكيف أن البعض ممن سافر إلى مناطق نزاعات (قبل الثورات العربية) وتواصل مع مجموعات إسلامية متطرفة، كان جزءاً من قضايا الإرهاب في الدنمارك وغيرها من البلدان الأوروبية، وهذا لا يعني بأن كل من يسافرون هم إرهابيون، لم نر بعد هجمات في الدنمارك، لكننا شاهدنا أمثلة في أوروبا منذ فترة قريبة كالهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل".
وفي الحالة السورية تقدّر المخابرات الدنماركية بأنّ دوافع السفر إليها متعدّدة "فالبعض يسافر من منطلق العمل الإنساني، والبعض الآخر ليشارك في مقاتلة قوات بشار الأسد، فيما يسافر آخرون لدوافع أيديولوجية. وتلك الأيديولوجية تقوم أساساً على محاربة الغرب. وهؤلاء يرفعون شعارات كثيرة بين الشباب حتى في الدنمارك، وينشرون صورة الغرب كعدو، لشرعنة الهجوم على أهداف غربية وأشخاص محددين أو مجموعات عرقية محددة أو مؤسسات معينة، وهذا يدفعنا لقراءة الأمر كتهديد"، على حدّ تعبير يَنسن.
وتقدّر الاستخبارات الدنماركية أعداد الذين سافروا إلى سورية، وعاد كثير منهم، بحوالى 100 شخص، وهذا الرقم يُعدّ الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، لجهة مشاركة مواطنين دنماركيين بمبادرة منهم في مناطق "حروب خارج الحدود". وتقول الاستخبارات الدنماركية في تقرير مقتضب وضعته على صفحتها الرسمية، إنّ "معظم هؤلاء الشباب بمتوسط أعمار 16 و25 عاماً، و10 منهم قتلوا في سورية"، وهذه الأرقام تشمل الفترة الزمنية حتى يوم 27 يونيو/ حزيران 2014.
وسيؤدي الهجوم الأخير الذي نُسب في وسائل الإعلام لتنظيم (داعش) في العراق "إلى المزيد من تجنيد مقاتلين دنماركيين"، بحسب الاستخبارات الدنماركية، التي يقول مدير مركزها البحثي ينسن، إنّ "هذا التطور الحاصل في العراق سوف يزيد من أعداد المسافرين للمشاركة في القتال في أماكن النزاع".
وكان جهاز الاستخبارات، عبر ذراعه البحثية المتعلقة بالإرهاب، قد نظم اجتماعاً هذا الأسبوع لمئة شخص من الشرطة والعاملين في المجتمع المدني بعنوان "سورية ونموذج الوقاية الدنماركي"، لتقويم العمل الوقائي في مواجهة التطرف.
ويقول أحد العائدين من سورية لـ"العربي الجديد" "للأسف اكتشفت متأخراً أن (داعش) لديها قيادات تعمل مع أجهزة الاستخبارات في المنطقة وخارجها، وحين ينضم إليها الشاب يصبح أمر الانسحاب شبه مستحيل، إلا إذا وجد حماية من أطراف أخرى تستطيع تهريبه ليعود من حيث أتى، هؤلاء يحاولون ركوب الموجة لتشويه ثورات الشباب العربي". هذا الرجل تعرض للتوقيف وسحبت منه كل أوراقه وأجهزته الهاتفية، وهو مثل كثيرين ممن تحدث "العربي الجديد" إليهم، يشعرون بأنهم مراقبون ولا يثقون حتى بالصحافة.
ولا يخفي جهاز الاستخبارات تعاونه مع أجهزة استخبارات أخرى "حول المخاطر التي يسببها أشخاص يغادرون من دول أخرى؛ ففي حالات كثيرة مُنع أشخاص يحملون جواز السفر الدنماركي من دخول تلك البلدان للتوجه إلى مناطق النزاع في سورية"، وذلك بحسب ما يقوله مدير الاستخبارات الدنماركية ياكوب شارف على موقعه الرسمي. ويطالب شارف بـ"بعمليات أخرى ذات طابع وقائي وقانوني"، من خلال عمليات مراجعة دائمة.
وتتعاون بعض البلديات الدنماركية، التي يخرج منها بعض هؤلاء، مع الشرطة وأجهزة الاستخبارات لإجراء جلسات تحليل نفسي لهم ولعوائلهم، والأمر ينسحب على من لديه "ميول راديكالية"، بحسب وصف بلدية وشرطة مدينة آرهوس، التي خرج منها الانتحاري فيكتور كريستيانسن. ويقول المحلل النفسي بريبن بيترلسين "تكمن الخطورة في ترك هؤلاء الشباب يسبحون مع التيار".