ورغم أن الدستور والقانون العراقي النافذ في البلاد، وفقاً للمادة السابعة من قانون العقوبات العراقي، يؤكد أن العقوبة تطاول المجرم ذاته، ولا دخل لذويه ولا تترتب عليهم أي تبعات قانونية، إلا أن الجيش والشرطة وباقي المؤسسات الأمنية العراقية، وحكومات المحافظات المحررة من "داعش"، وأمانة مجلس الوزراء العراقي تستخدم أسلوب العقاب الجماعي مع أهالي عناصر التنظيم. والخميس الماضي، توفيت زوجة أحد عناصر التنظيم بعد إحراق نفسها داخل مخيم شمالي العراق، حيث كانت تعيش في خيمة للعام الثاني على التوالي مع أطفالها الأربعة، توفي أحدهم نتيجة مشاكل في الجهاز التنفسي، إلا أن سكان المخيم يؤكدون أنه قضى بسبب نقص التغذية، محملين إدارة المخيم المسؤولية عن ذلك، لتقدم الأم على الانتحار بعد يوم واحد من دفن ابنها.
وحاول أهالي عناصر "داعش" بشتى الطرق التخلص من وضعهم الحالي، من خلال إعلان البراءة من أبنائهم أو تقديم معلومات عنهم لقوات الأمن، إلا أن ذلك يبدو غير كافٍ للسلطات العراقية. ويقول عبد الله حميد الشمري (43 سنة)، لـ"العربي الجديد"، إنه "مستعد لقتل شقيقه، كونه سيحيي 6 عوائل تتواجد بسببه في المخيم الآن". ويضيف "ما ذنبي أنا. أخي ركب الشيطان رأسه، وأصبح مع داعش. أنا أسكن في بلدة وهو في بلدة أخرى. كيف لي أن أعرف. وهل إذا عرفت يمكنني منعه أو فعل شيء ما؟ ما يحدث لنا عبارة عن ظلم وطائفية، لكن بغطاء جديد"، مبيناً أن "والده ووالدته وإخوانه وشقيقته معه في نفس المخيم".
ومن الأمور التي فرضت على أهالي أو أقارب عناصر "داعش" في العراق اليوم إخراجهم من المدن، ومنعهم من دخول منازلهم، أو أخذ أي من أثاثها والبقاء في المخيمات إلى حين حسم الحكومة مصيرهم. كما أنهم يمنعون من استخراج بطاقات الأحوال المدنية أو أي أوراق رسمية أخرى، وتحجب عنهم البطاقة الغذائية الشهرية، فضلاً عن منعهم من مغادرة المخيم. واستغلت الشرطة، أو بعض الأحزاب والمليشيات، منازل هؤلاء، كمقرات لهم، وذلك في الموصل وتكريت والرمادي والفلوجة والكرمة وهيت. وأكد الناشط في مجال حقوق الإنسان، سلام البدري، لـ"العربي الجديد"، أن عناصر هذه الأسر يتعرضون لأقسى أنواع الاضطهاد من قبل السلطات العراقية. وأضاف "تفرض عليهم الإقامة الجبرية في المخيمات التي خصصت لهم، ولا يحق لهم الحصول على بطاقة هوية، أو جواز سفر، كما لا يحق لهم تسجيل أطفالهم الجدد كعراقيين، وبلا مدارس أيضاً"، موضحاً أن ما يجري لـ"بدون العراق" لم يسبق له مثيل في تاريخ الدولة العراقية، التي لم تشهد في تاريخها تجريد المواطنين العراقيين من هويتهم كما يجري اليوم. وتابع "جميعنا يطالب بإنزال أقصى العقوبات بحق مجرمي داعش، لكن ذلك يجب أن يتم من دون إيذاء الآخرين، حتى وإن كانوا أقاربهم"، مشيراً إلى "تعرض هذه الأسر إلى حملة منظمة تهدف لاستمرار سجنهم في المخيمات أو تهجيرهم إلى مناطق صحراوية غير قابلة للحياة".
وفي السياق، أكد عضو مجلس محافظة الأنبار، فرحان الدليمي، قيام القوات العراقية بدعوة أسر عناصر تنظيم "داعش" إلى مغادرة المناطق المحررة، على خلفية الخروقات الأمنية التي شهدتها مدن المحافظة، موضحاً، في تصريح صحافي، أن هذه الخروقات تمت بسبب الخلايا النائمة التابعة إلى التنظيم. وأشار إلى أن إجراءات بهذا الشأن ستتخذ في مدن مختلفة في الأنبار، مبيناً أن هذه الإجراءات ستتم بالاتفاق مع شيوخ العشائر. ولا يجد المحامي فاروق المرسومي أية مادة دستورية تتيح للسلطات العراقية محاسبة أفراد عراقيين على جرائم لم يرتكبوها، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن أفراد الأسر يجب أن يخضعوا إلى تدقيق أمني مكثف للتأكد من سلامة موقفهم. وقال "يجب زج المتورطين مع داعش في السجون وإحالتهم إلى المحاكم. أما الآخرون فلا يمكن احتجازهم حتى يوم واحد، لأن هذا الأمر مخالف لمبادئ حقوق الإنسان"، معبراً عن تخوفه من إصرار السلطات العراقية على عدم منح هذه الفئة أبسط حقوق المواطنة، ومواصلة احتجازها في مخيمات أقرب إلى السجون الكبيرة.
وأعلنت خلية الإعلام الحربي العراقية، في وقت سابق، عن نقل نحو ثلاثة آلاف من نساء وأطفال عناصر تنظيم "داعش" من مكان إلى آخر شمال العراق، مشيرة إلى أن النقل تم بإدارة القوات العراقية وبإشراف اللجان المختصة. وأوضحت أن النقل تم من منطقة شندوخة إلى بلدة تلكيف في محافظة نينوى. عملية نقل أسر تنظيم "داعش" أثارت قلق المتحدثة باسم المجلس النروجي للاجئين في العراق، ميلاني مارخام، التي أكدت أن هذه الخطوة تمت من دون علم المنظمات الإغاثية التي تعمل في البلاد. وأشارت إلى أن المنظمة قلقة على هذه العوائل، لأنها لم تبلغ بالمكان الذي نقلت إليه، مبينة أنها لا تعلم إن كانت هذه الأسر ستحصل على المساعدة والحماية. وأوضحت أن جميع منظمات الإغاثة التي تدعم هذه الأسر ومنها الأمم المتحدة لم تحصل على إشعار مسبق بهذا التحرك.
ويتساءل أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد، وليد المهداوي، عن مصير أسر تنظيم "داعش" في ظل حملات الحجز والاستهداف التي تطاولهم، محذراً من حدوث كارثة اجتماعية في العراق إذا استمر التعامل معهم بهذه الطريقة. وشدد على ضرورة تفعيل الجانب الإنساني عند النظر إلى معاناتهم، مطالباً، في حديث لـ"العربي الجديد"، بالتفريق بينهم وبين أقاربهم الذين انضموا إلى تنظيم "داعش". وقال إن "أوضاع العراق لا تحتمل أزمة اجتماعية جديدة تضاف إلى الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية"، مؤكداً أن السياسة المتبعة حالياً حيال هذه الأسر تهدد بخلق جيل جديد من "البدون" الذين يعيشون على الأراضي العراقية من دون امتلاك الحق بالحصول على أوراق تثبت هويتهم. وتطلق تسمية "البدون" على الأفراد الذين لا يحق لهم الحصول على جنسية الدولة التي يعيشون فيها، وهم فئة سكانية تعيش في الكويت، وكثير منهم يخدم في الجيش والشرطة. وكان عددهم يقارب الـ250 ألف شخص قبل الغزو العراقي للكويت في العام 1990 لينخفض العدد إلى النصف في السنوات اللاحقة.