تمرّ اليوم الخميس الذكرى السنوية السابعة والثلاثون لتحرير سيناء من آخر جندي إسرائيلي، بموجب اتفاقية كامب ديفيد في 25 إبريل/ نيسان عام 1982. إلا أنّ هذه الذكرى تأتي اليوم في وقت لا تزال فيه المنطقة، ولا سيما محافظة شمال سيناء، حبيسة التدهور الأمني والأزمات الإنسانية، التي أدت إلى تحويل حياة المواطنين إلى جحيم ومآسٍ، تفوق ما كان عليه الحال إبان الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، والذي عادت خطواته للمحافظة، من خلال الغارات الجوية المستمرة التي يشنها منذ سنوات وتطاول أهدافاً مدنية، وأخرى تابعة للجماعات المتطرفة.
وتعيش محافظة شمال سيناء وضعاً أمنياً سيئاً للعام السادس على التوالي، في ظلّ النشاط المستمر لتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، على الرغم من كل الإجراءات العسكرية التي حاول من خلالها الجيش المصري القضاء على هذا التنظيم وهجماته، والتي كان آخرها قبل أيام، ما أدى إلى مقتل وإصابة عسكريين في مناطق متفرقة من المحافظة.
وفرض النظام المصري قيوداً وإجراءات أمنية كبيرة في سيناء، ضيّقت على المواطنين حركتهم وطاولت التجارة في المحافظة، ما حرم السكان هناك من أبسط حقوقهم المدنية، التي نصّ عليها القانون والدستور.
وفي ظلّ الظروف المحيطة بسكان المحافظة، اضطر آلاف المواطنين إلى الهجرة منها في اتجاه المحافظات المصرية الأخرى، للتخلص من المضايقات والحرمان الذي طاول مناحي الحياة كافة، كالكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت والتعليم والوظائف. كذلك أدى تدمير الجيش المصري لمئات المنازل في مدن رفح والشيخ زويد والعريش إلى حدوث حالات من التهجير القسري لم تعرفها سيناء حتى في فترة الاحتلال الإسرائيلي، في مشاهد تشبه ما يحصل للفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ نكبة عام 1948، وفقاً لما يوصّف عدد من أبناء محافظة شمال سيناء حالتهم، في حديث مع "العربي الجديد" تعليقاً على ذكرى عيد تحرير سيناء.
وفي السياق، يقول إبراهيم المنيعي، أحد أبرز مشايخ سيناء، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّه "في عيد تحرير سيناء، يتطلّع أبناؤها إلى أن يجدوا احتراماً من الدولة، خصوصاً أمام المعاناة التي لازمتهم منذ فترة الاحتلال الإسرائيلي وحتى هذه اللحظة، مع اختلاف أشكال المعاناة، تبعاً للشخصيات التي تعاقبت على حكم مصر". ويضيف المنيعي "ما يحصل بحق سكان سيناء في هذا التوقيت يمثّل تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء، التي لم يجرؤ أي قائد مصري على المساس بها، على مدار العقود الماضية"، متسائلاً "كيف لأبناء سيناء الاحتفال بهذه الذكرى وهم في ظروف إنسانية واقتصادية وأمنية لا تصلح للحياة كي تصلح للاحتفال". ويتابع "لا يزال المئات من أبناء سيناء في السجون، وأمثالهم في غياهب الإخفاء القسري، عدا عن قوائم الضحايا من القتلى والجرحى والمعاقين نتيجة العمليات العسكرية المستمرة منذ عام 2013".
اقــرأ أيضاً
ويرى المنيعي أنّ "الدولة حوّلت سيناء إلى أرض لا تصلح للبقاء، من خلال جملة من الانتهاكات التي مورست بحقّ سكانها على مدار السنوات الست الماضية، والتي شملت هدم المنازل، وجرف الأراضي الزراعية، والتضييق على حرية التنقل والتجارة، من خلال كشوفات تنسيق لإدخال البضائع والمواد الغذائية لأهالي المحافظة، للمرة الأولى في تاريخ مصر. بالإضافة إلى استمرار حالات القتل والاعتقال والإخفاء خارج إطار القانون، واستمرار أزمات المتطلبات الأساسية لحياة المواطنين، كالكهرباء والمياه". وهو ما يعني، وفق المنيعي، أنّ "سيناء حرّرت من الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها باتت حبيسة بين يدي الأزمات التي لا حصر لها، في ظلّ تجاهل حكومي حقيقي لمعاناة آلاف المواطنين الذين ما زالوا يعيشون في المحافظة، على الرغم من كل الظروف المأساوية التي تحيط بهم". ويؤكّد أن تمسّك مواطني سيناء بالبقاء فيها هو "من باب المسؤولية الوطنية والحفاظ على الأرض، من مخططات يراد تنفيذها في سيناء بعد تهجير أهلها منها بشتى الوسائل الممكنة، والتي جرى استخدامها على مدار السنوات الماضية، من دون أي اعتبارات تذكر لكرامة المواطن وحقه في العيش".
يشار إلى أنّ أجواء الاحتفال بهذا اليوم تكاد تختفي عن سيناء منذ سنوات عدة، في ظلّ الظروف التي يعيشها أهالي المحافظة. وتقتصر الاحتفالات إلى حدّ بعيد على محافظة القاهرة التي يحاول فيها النظام المصري إظهار الإنجازات بهذه المناسبة، عدا عن محاولة الادعاء بوجود إنجازات أمنية وعسكرية متواصلة في سيناء، فيما الأوضاع الأمنية في الحقيقة، باتت في أسوأ أحوالها منذ تحرير المحافظة عام 1982، وخصوصاً في ظلّ عدم قدرة الجيش المصري على حسم المعركة مع تنظيم "ولاية سيناء" الذي يبلغ تعداد عناصره بالمئات، في مقابل قوة عسكرية مصرية تقدر بعشرات الآلاف لمواجهته.
إلى ذلك، يرى باحث في شؤون سيناء، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ المحافظة، ولا سيما الشمالية، "لا تزال تعيش أجواء الاحتلال، مع اختلاف المسميات والأشكال، إذ يبرز فيها التغوّل الإسرائيلي على الأرض المصرية بموافقة من النظام، والتي تتضّح من خلال حجم الغارات الجوية التي طاولت أهدافاً متنوعة في شمال سيناء على مدار السنوات الماضية". ويشير الباحث إلى "عمليات التجسّس الإسرائيلي التي باتت مكشوفة للمواطنين في المحافظة، من خلال طائرات حربية بدون طيار، وتجسس على الهواتف، وإيجاد فئة من الجواسيس على الأرض، لمراقبة كل شيء في سيناء، وذلك كله بعلم النظام". ويشدد الباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، على أن "كل ذلك يعني أنّ الاحتفال بعيد تحرير سيناء بات شيئاً فارغ المضمون، في ظلّ الحال التي وصلت إليها المحافظة في السنوات الأخيرة، التي تبعت الانقلاب العسكري في صيف عام 2013، وهو ما يستدعي إعادة النظر في الاحتفال بهذه الذكرى".
ويتابع الباحث السيناوي أنّ الأزمات التي تحيط بسكان محافظة شمال سيناء، وحالة التدهور الأمني المتواصلة، والانتهاك الإسرائيلي لسيادة الأراضي المصرية، "تمثّل عناوين رئيسية لاستمرار الوضع المأساوي في سيناء، على الرغم من انسحاب الاحتلال الإسرائيلي منها، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من فرص إمكانية فرض مخططات خارجية على أرض المحافظة"، معتبراً أنّ "الوضع يستدعي تحركاً وطنياً جاداً، لإيقاف السياسات العدوانية التي ينتهجها النظام المصري بحق أهالي سيناء".
اقــرأ أيضاً