وتتضمن المادة 81 من الدستور الروسي المزمع تعديله، والخاصة بعدد الولايات الرئاسية، فقرة انتقالية تعفي الرئيس الذي يشغل منصبه وقت دخول التعديلات الدستورية حيز التنفيذ من احتساب ولاياته السابقة، وتسمح له بالترشح لولايتين إضافيتين. وفي حوار مع التلفزيون الروسي، أخيراً، لم يستبعد بوتين احتمال ترشحه لولاية رئاسية جديدة، في حال اعتماد التعديلات، مؤكداً أنه لم يحسم قراره بعد، وداعياً المسؤولين الحكوميين إلى "العمل لا البحث عن الخلفاء".
وإلى جانب المادة المثيرة للجدل حول "تصفير" ولايات بوتين، تضم التعديلات الدستورية حزمة من الإصلاحات السياسية، بما فيها توسيع صلاحيات البرلمان الروسي في ما يتعلق بالمصادقة على ترشيح رئيس الوزراء ونوابه وتشكيلة الحكومة، باستثناء بعض الحقائب السيادية، مثل الدفاع والداخلية والخارجية والطوارئ وغيرها.
ومع ذلك، يعتبر الخبير في شؤون أوروبا الشرقية والوسطى إيفان بريوبراجينسكي أن التعديلات الدستورية المعززة لصلاحيات البرلمان لا تُقلل، في الواقع، من صلاحيات الرئيس، مضيفاً، ساخراً، أنه بعد "تصفير" عدد الولايات الرئاسية السابقة يمكن تغيير تسمية أعلى منصب سياسي في روسيا إلى "بوتين" بدلاً من "الرئيس". ويقول بريوبراجينسكي، الذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، لـ"العربي الجديد": "رغم أنه وفقاً للتعديلات يقوم مجلس الدوما (النواب) بالمصادقة على أسماء أعضاء الحكومة، إلا أنه يجوز للرئيس تعيينهم بموجب مرسوم في حال رفضهم البرلمان ثلاث مرات. كما أن تعيين الوزراء القائمين على أجهزة الأمن ووزير الخارجية سيظل من اختصاص الرئيس، بعد مشاورات غير إلزامية مع مجلس الاتحاد (الشيوخ)". وتقول الفقرة "دي" من المادة 83 من الدستور الروسي المعدل، والخاصة بصلاحيات الرئيس: "يقوم بعد مشاورات مع مجلس الاتحاد بتعيين وإعفاء قادة الجهات الفيدرالية للسلطة التنفيذية (بمن فيهم الوزراء الفيدراليون) المسؤولين عن قضايا الدفاع، وأمن الدولة، والشؤون الداخلية، والعدل، والشؤون الخارجية، ومنع الطوارئ، وإزالة تداعيات الكوارث الطبيعية، والسلم العام".
وحول دور رئيس الوزراء في الحياة السياسية الروسية بعد تعديل الدستور، يضيف بريوبراجينسكي: "يصبح رئيس الوزراء شخصية ديكورية إلى درجة أن الدستور المعدل سيسمح لبوتين بإقالته بشكل منفصل عن باقي الوزراء، بينما يقتضي نص الدستور الحالي، الذي يعود إلى حقبة الرئيس الراحل بوريس يلتسين، باستقالة الحكومة بكامل تشكيلتها". ويلخص جوهر الدستور المعدل في أنه "لا يوجد شخص ليس له بديل في السلطة، باستثناء شخص واحد نعلم جميعاً اسمه". وبرر عزوف الكرملين عن أي توسيع فعلي لصلاحيات الحكومة والبرلمان بـ"التخوف من فقدان السيطرة على الدوما، أو الحصول على رئيس وزراء لن يرغب في الاكتفاء بدور المنفذ الفني".
ومع ذلك، يعتبر بريوبراجينسكي أن بوتين يخطئ حين يسعى لإقناع الشعب بأن الدستور المعدل سيضع قواعد للأجيال الجديدة. ويوضح أنه "بمجرد إضعاف بوتين، سيتم نسيان دستوره فوراً، حيث أن مثل هذا الدستور لا يصلح تقنياً إلا للديكتاتورية التي تحدث عنها الشيوعيون". وعلى عكس غيره من أحزاب المعارضة "النظامية" الممثلة في البرلمان، يبدو أن الحزب الشيوعي الروسي قرر رفع رهاناته في حملة الاستفتاء، داعياً أنصاره صراحة إلى التصويت بـ"لا"، بحجة أن التعديلات المقترحة "لا تؤدي بشكل عام إلى العدول عن حكم الفرد الرئاسي المطلق والأوليغارشيا (حكم الأقلية)، ولا تجعل روسيا دولة الرعاية الاجتماعية".
من جهتها، أرجعت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" سعي بوتين لتأخير حسم موقفه من مدى بقائه في الرئاسة إلى تخوفه من تزايد طموحات مجموعات النفوذ، و"الصدام الحتمي والخارج عن السيطرة بينها، بمجرد يقينها بمغادرة الحكم المعتاد عليه، أي بوتين". وترى الصحيفة، في مقالة افتتاحية في عددها الصادر الثلاثاء الماضي، أن تعديل الدستور الروسي سيعني "خفض درجة التهكنات العامة" حول مستقبل بوتين السياسي، الذي سيترك لنفسه مجالاً واسعاً للمناورة والبحث عن خليفة من دون إطار زمني محدد. وفي الوقت الذي يبرر خطاب السلطة فيه "التصفير" بأنه سيضمن حالة الاستقرار، تلفت "نيزافيسيمايا غازيتا" إلى أن هذا ليس استقرار المؤسسات، وإنما "صمود المنظومة القائمة، وثبات قواعد اللعبة الداخلية، وإطالة أمد سلطة الفرد". وتخلص إلى أن "فلاديمير بوتين يفكر في خليفة سيراعي مصالح الرئيس الحالي، بالمنطق نفسه الذي أصبح فيه هو نفسه خليفة لبوريس يلتسين قبل 20 عاماً" بعد إعلان هذا الأخير تنحيه عن الحكم ليلة رأس السنة 2000.
وعلاوة على الإصلاحات السياسية، يضم مشروع تعديل الدستور عدداً من البنود الأيديولوجية، مثل منح اللغة الروسية صفة "لغة الشعب المكون للدولة"، وحماية الأسرة والأمومة والأبوة والطفولة وتعريف الزواج بأنه "اتحاد بين الرجل والمرأة"، واحترام العمل وحفظ مُثُل الأسلاف وحتى الإيمان بالله، وأخرى اجتماعية مثل زيادة معاشات التقاعد والحد الأدنى للأجور، وإعلاء الدستور والقانون الروسي فوق قرارات القضاء الدولي.
ومع ذلك، يلفت عضو المجلس التشريعي لمدينة سانت بطرسبورغ بوريس فيشنيفسكي إلى أن التعديلات الأيديولوجية "فارغة" من مضمونها من وجهة نظر التداعيات القانونية، ولا تصلح إلا للافتات الدعاية الضخمة المنتشرة في الشوارع. كما أن التعديلات الاجتماعية منصوص عليها أصلاً في القوانين السارية. وفي مقال بعنوان "رهائن التعديلات. ماذا سيترك الدستور المعدل بعد بوتين؟"، نُشر في صحيفة "نوفايا غازيتا"، ذات التوجهات الليبرالية المعارضة، الأحد الماضي، يحذر فيشنيفسكي من خطورة عزل البلاد عن القانون الدولي وتعزيز السلطة الرئاسية القوية. ويوضح كاتب المقال أن إعفاء السلطات الروسية من الالتزام بقرارات المحاكم الدولية، سيمنع المواطنين من الدفاع عن حقوقهم المنتهكة على أيدي الموظفين الحكوميين أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تتيح حالياً الحصول على تعويضات مادية في العديد من الحالات.
وكان بوتين قد أعلن في رسالته السنوية إلى الجمعية الفيدرالية الروسية، منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، عن حزمة من الإصلاحات الدستورية من شأنها توسيع صلاحيات الحكومة والبرلمان، دون التطرق آنذاك إلى مسألة السماح لنفسه بالترشح للرئاسة مرة أخرى. ومع ذلك، أبدى بوتين، في مارس/ آذار الماضي، تأييده لاقتراح النائبة وأول رائدة فضاء في العالم فالينتينا تيريشكوفا، تعديل الدستور بطريقة تتيح للرئيس الحالي الترشح لولاية جديدة، رابطاً ذلك بتصويت المواطنين بـ"نعم" في الاستفتاء الذي كان من المقرر أن يجرى أصلاً في 22 إبريل الماضي.