لم يكن يوما الخميس والجمعة الماضيان عاديين بالنسبة لرئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ، الذي اضطر إلى أن يبقى في البرلمان حتى الساعة الرابعة من فجر يوم الجمعة، في جلسة كادت أن تطيحه من منصبه لولا الفيتو (حق النقض) الذي استخدمته "حركة النهضة"، رغم خلافها معه. وبدأت الجلسة مع توجيه المعارضة تهمة "تضارب المصالح" التي تعتبر شكلاً من أشكال الفساد للفخفاخ، ثم باشرت محاسبته ساعات طويلة في محاولة لإرباكه والحط من معنوياته والإيحاء بعدم قدرته على إدارة البلاد والحفاظ على المال العام. لكن رئيس الحكومة صمد، وناقض ما قيل في شأنه، ودافع عن نفسه باستماتة، ورفض الاستقالة، وتحدى المشككين في نزاهته، واستفاد كثيراً من انقسام خصومه. وعلى الرغم من خروجه من المعركة أضعف مما كان، غير أن الفخفاخ حافظ على حكومته بجميع مكوناتها ولم ينفرط عقدها، مع تمسك الأحزاب المشاركة في الائتلاف بمواصلة العمل معاً في انتظار التقرير الذي ستعده لجنة التحقيق البرلمانية التي تشكلت من مختلف الكتل، ورد المحكمة الإدارية على الشكوى التي قرر رفعها عدد من البرلمانيين الذين ينتمون إلى المعارضة. وغطت الجلسة الأخيرة على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي دخلتها تونس قبل تفشي وباء كورونا وتفاقمت، وسط عدم إمكانية أحد التكهن بتداعياتها.
كما أن الخطوات التي ينوي الفخفاخ القيام بها من أجل القضاء على البطالة، والذي سيستفيد منه أكثر من مليون شاب وشابة، ستكون مناسبة لمرحلة ما بعد كورونا. وأهمية الخطوة تكمن في أنها ستُحدث تغييراً جوهرياً في البنية الاجتماعية، وهو ما من شأنه أن يخفف الضغط على جزء من الفقراء ويساهم في إنقاذ الطبقة الوسطى من التحلل والاندثار.
ما تخشاه الحكومة حالياً هو اتساع رقعة حركات الاحتجاج الاجتماعي التي انطلقت من ولاية تطاوين، وتحديداً من منطقة الكامور التي لاحقت الرئيس قيس سعيّد في زيارته إلى باريس، يوم الاثنين الماضي، حين حاصره أبناؤها أمام القنصلية التونسية وتعاملوا معه بشكل غير لائق، وطالبوه بالوفاء بما تعهدت به حكومة يوسف الشاهد. ومع أن الحكومة قررت عقد جلسة، غداً الثلاثاء، لاتخاذ قرارات متعلقة بالوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي، إلا أن الغضب مرشح للانتقال إلى ولايات ومناطق أخرى تعاني من البطالة والفقر والتهميش منذ سنوات. وتكفي الإشارة إلى توقف كامل لإنتاج الفوسفات نتيجة اعتصام العشرات في مواقع الإنتاج في مختلف المعتمديات. كما عادت أخيراً ظاهرة الاحتجاجات الليلية القادرة على استنزاف قوات الأمن وإرباكها.