في خطوة مفاجئة استبقت نتائج العد والفرز اليدوي، وما قد ينتج عنها من تغيير في نتائج انتخابات 12 مايو/أيار الماضي في العراق، وقعت ثلاث كتل رئيسية على ميثاق مبادئ عامة اعتبر تمهيداً لتحالف رسمي بين الكتل الثلاث، هو الأكبر حتى الآن في سباق تأليف "الكتلة الكبرى" التي يحق لها تسمية رئيس الحكومة الجديد. ووقعت كتل سائرون (تحالف مقتدى الصدر والشيوعيين والتيار المدني) والحكمة (عمار الحكيم) والوطنية (إياد علاوي) من خلال ثلاثة وفود ممثلة عنها في منزل عمار الحكيم في بغداد على ميثاق مبادئ عامة من 12 بنداً، تضمّن نقاطا عامة حول الحكومة وبرنامجها المقبل. والمفاجئ أن الطرف الرابع الأقرب للكتل الثلاث وهو تحالف رئيس الوزراء حيدر العبادي (النصر) غاب عن التوقيع أو الحضور في اجتماع الكتل الثلاث. ويعتبر التوقيع بمثابة مذكرة تفاهم أولية لإعلان التحالف بين الكتل الثلاث المؤلف من 95 نائباً (كتلة الصدر 54 مقعداً، وكتلة إياد علاوي 21 مقعداً، وكتلة عمار الحكيم 20). وأبلغ قيادي بارز في تحالف الوطنية بقيادة علاوي "العربي الجديد"، بأن "غياب كتلة النصر جاء بسبب عدم حسم الكتل الثلاث قرارها بشأن تجديد الولاية لرئيس الوزراء حيدر العبادي مرة ثانية". وأضاف المسؤول أن "هذا العائق الوحيد حالياً والعبادي قد يجنح إلى كتل أخرى غير الثلاث في حال حصل منها على تأييد لبقائه رئيساً للوزراء دورة أخرى".
في هذا السياق، أفاد القيادي في كتلة الحكمة، رعد الحيدري أن "ما جرى ليلة الخميس بين الصدر والحكيم وعلاوي هو توقيع اتفاق على المبادئ الأولية لتشكيل تحالف بين القوى الثلاث"، مبيناً أن "الإعلان رسمياً عن التحالف ككل، ينتظر انضمام قوة شيعية إلى التحالف وأخرى كردية". وأشار إلى أن "القوة الشيعية التي يجري التفاوض معها لدخول التحالف هي كل من ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري".
أما على صعيد استعدادات إعادة الفرز اليدوي للأصوات، فقد كشفت مصادر قضائية عراقية في بغداد، عن "استدعاء مجلس القضاء الأعلى في البلاد لعدد من رؤساء المحاكم في محافظات شمال وغرب وجنوب البلاد، استعداداً لتسميتهم كرؤساء فروع لمفوضية الانتخابات العراقية التي فرض القضاء الخميس الماضي وصايته عليها ومنع أعضاءها من السفر بعد ثبوت تهم التلاعب والتزوير بالانتخابات".
وتحدثت المصادر عن "أن أكثر من 10 آلاف موظف سيتم انتدابهم للعمل في مخازن المفوضية لإعادة عملية العد والفرز يدوياً لأكثر من 10 ملايين ورقة اقتراع، تتحفّظ عليها لجنة قضائية عليا وتحت حماية أمنية مشددة في مقر المفوضية الرئيسي ببغداد. وسيتم انتداب موظفين من المحاكم العراقية وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة العراقية، وجامعة بغداد ووزارة التربية". ورجّحت أن "تبدأ عملية العد والفرز يومي الأربعاء أو الخميس المقبلين مع منع وكلاء الكيانات السياسية والمنظمات المحلية من التدخل ومنح الأمم المتحدة خيار المشاركة كرقيب على عملية إعادة العد والفرز اليدوي". وقال قاض في محكمة بداءة الرصافة ببغداد لـ"العربي الجديد"، إن "عملية إعادة العد والفرز قد تستغرق أسبوعا إلى عشرة أيام وخلال ذلك يجب أن يعلم المواطن أنها محاولة إعادة الشرعية للعملية الانتخابية بمحاولة تنقيتها قدر الإمكان من عمليات التزوير لكن هذا لا يعني أن ذلك تم بنسبة مائة في المائة".
بدت مخاوف الكتل السياسية الرابحة بالانتخابات التشريعية في العراق، واضحة، منذ مساء الخميس الماضي من خلال تصريحات وبيانات حذّرت خلالها من أنها لن تسكت في حال المساس بمقاعدها التي حصلت عليها خلال النتائج الأولى الإلكترونية للانتخابات. ويعتقد برلمانيون بأن "النتائج التي ستتوصل إليها عملية العد والفرز اليدوي، ستغيّر خارطة وتوزيع الكتل الفائزة وسترفع خاسرين وتُنزل رابحين، الأمر الذي سيؤدي إلى مشاكل سياسية كبيرة وتزيد من خطورتها إذا ما كانت تلك الكتل ممن تملك أجنحة مسلحة".
وأمس أكد الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، أنه لن "يسمح بالمساس بمقاعد الحزب". وقال ممثل الحزب في البرلمان عرفات كرم في مؤتمر صحافي إن "الحزب الديمقراطي لا يمتلك أحدا في داخل المفوضية، بل إننا من الجهات المتضررة، وتمّ التآمر على مرشحينا ونحن مع إجراءات القضاء لكن بشرط أن تكون تلك الإجراءات دقيقة ونزيهة ولا تخضع لضغوط الأحزاب الخاسرة"، لافتاً إلى أنه "في حال تم تغيير مقاعدنا وإعادة الخاسرين فسيكون لنا موقف صارم وحازم تجاهه"، مؤكداً أن "الحزب لن يقبل بمصادرة حقه بأي شكل من الأشكال على حساب إعادة من خسر في الانتخابات".
بدورهم لوّح أعضاء في تحالف "سائرون"، صاحب الصدارة في نتائج الانتخابات بالعودة إلى التظاهرات الشعبية إذا تم التلاعب بنتائجها. وقال قيادي بارز في التحالف لـ"العربي الجديد"، إن "سائرون تعتقد أن ما يجري الآن يستهدفها بشكل رئيس وهي محاولة انعاش للخاسرين والأحزاب الطائفية التي عاقبها الشارع ولم ينتخبها". وبيّن أن "خيار النزول للشارع والاعتصامات والتظاهرات موجود في حال تم الالتفاف علينا".
في هذا السياق، قال القيادي في تحالف "الفتح" رزاق الحيدري لـ"العربي الجديد"، إن "بعض الأطراف السياسية قد تتغير نتائجها من خلال خسارة بعض أفرادها أو أحزاب ضمن التحالفات الانتخابية"، مبيناً أن "التخوف حقيقي وواضح، ولا أبالغ إن أثّر على الوضع الأمني، لأن بعض الفائزين إذا تمّت عملية العد اليدوي وتم اكتشاف تزويرهم وخسارتهم، فقد يعودون إلى خطابهم الطائفي، كذا تأجيج الشارع العراقي وتحريك جماهيرهم".
وأضاف: "أنا من الخاسرين في الانتخابات، ومع هذا كنت أرى أن البقاء على النتيجة القديمة، هو الحل الأسلم لضمان عدم الوقوع بأخطاء سياسية تؤدي بالنهاية إلى خلل أمني، وكنت أجد أن السير باتجاه بناء حكومة وفق النتائج الظاهرة، هو الأفضل".
ولفت إلى أن "التزوير حصل فعلاً، وتحديداً في المناطق الشيعية، حيث تم فرض الإرادة السياسية على الناخب بالقوة، وبعض الجهات استخدمت السلاح وسيارات الدولة، أما في المدن السنية والكردية فكان هناك تزوير أيضاً، لكن داخل الصندوق، بمعنى حدث التلاعب بالأوراق في داخل الصندوق وبالأجهزة الإلكترونية التي تحسب الأصوات. أنا شخصياً رضيت بالنتيجة كي لا يقع مكروه على الشعب، فالشعب أهم من السياسة".
من جانبه، بيَّن النائب في البرلمان العراقي حامد المطلك، أن "العودة إلى عملية العد والفرز اليدوي ستُعيد الثقة بين المواطن والعملية السياسية". وقال المطلك لـ"العربي الجديد"، إن "النتائج النزيهة التي من الممكن أن تتوصل إليها عملية العد والفرز اليدوي، تعتمد على دقة وعلمية العملية، ومن الصعب التكهن بالنتائج الجديدة. المهم أن تكون مقنعة للشعب العراقي الذي فقد الثقة بالانتخابات والعملية السياسية".
من جهته، لم يبدِ عضو تحالف "سائرون" حسين النجار أي تخوف من العد اليدوي للأصوات. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "نتائج سائرون لن تتأثر وسيبقى الفائز بالأصوات الأعلى حتى بعد إعلان نتائج العد والفرز اليدوي"، مبيناً أن "على القائمين على عملية العد أن يحرصوا جيداً على أصوات الناخبين".