وأفادت مصادر يمنية جنوبية، تحدثت مع "العربي الجديد"، بأن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تألف من 26 عضواً كان من المقرر أن يعقد اجتماعه الأول بكامل الأعضاء، اليوم الثلاثاء، في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، في خطوة يسعى من خلالها القائمون على "المجلس الجنوبي" لإيصال رسالة ذات دلالة بوحدة ضفتي الجنوب والشرق اليمني (عدن وحضرموت)، وبأن الأخيرة تدعم "المجلس"، بعيداً عن طموحها في الاستقلال الذاتي.
وقبل أيام من موعد انعقاد المجلس، توجه إلى السعودية أربعة محافظين لمحافظات يمنية شرقي البلاد، تمثل إجمالاً ما يسمى بـ"إقليم حضرموت"، بالتقسيم الفيدرالي، وهي محافظات حضرموت وسقطرى والمهرة وشبوة، وذلك بدعوة من الرياض، التي تقود التحالف العربي الذي أبرز أعضائه الإمارات، ويتواجد فيها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وعدد من قيادات الشرعية، منذ أكثر من عامين.
وتسبب سفر المحافظين إلى الرياض بإرباك في الأوساط اليمنية المتابعة، إذ نظر البعض إلى هذه الخطوة على أنها موقف ضد الاجتماع المقرر أن يُعقد في المكلا لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المؤلف من 26 عضواً بينهم ثلاثة من المحافظين الذين غادروا إلى الرياض، وهم محافظ حضرموت اللواء أحمد سعيد بن بريك، ومحافظ شبوة أحمد لملس، ومحافظ سقطرى سالم عبدالله السقطري، في وقت تمثل فيه هذه المحافظات بالإضافة إلى محافظة المهرة، إقليماً يشغل أكثر من نصف مساحة اليمن ويسعى للاستقلال الذاتي عن الشمال والجنوب في آن.
ويتألف الشطر الجنوبي لليمن، والذي كان دولة إلى عام 1990، من مركزين. الأول هو عدن، ويضم محافظات الضالع، لحج، أبين. والآخر هو حضرموت (يضم شبوة، والمهرة، وسقطرى إلى جانبها). ونظراً إلى تطلع حضرموت لتكون إقليماً مستقلاً، أعلن انفصاليو الجنوب اليمني عن أنهم يسعون لإقامة دولة فيدرالية في الجنوب، بما يوصل رسالة "تطمين" إلى الحضارم، حتى يدعموا "المجلس الجنوبي"، المدعوم أصلاً من أبوظبي، والتي كانت قد ساهمت بانضمام محافظي حضرموت وسقطرى وشبوة إلى المجلس، إلا أن ذلك كله لم يكن كافياً لإزالة توجس بعض الشخصيات الحضرمية من "المجلس الجنوبي". وترى هذه الشخصيات أن حضرموت هوية بحد ذاتها، وأنه وفي ظل الظروف التي تمر بها البلاد، تبدو حضرموت أقرب إلى تحقيق "الحكم الذاتي" منها إلى العودة إلى أحضان "الجنوب"، كما كان حاصلاً في العهد الشطري لليمن بين عامي 1967 و1990.
وتحت ضغط الأزمة والتسريبات المتعلقة بالمجلس والتباينات، خرج الرجل الثاني في المجلس، هاني بن بريك، وهو قيادي سلفي مقرب من ولي عهد أبوظبي شخصياً، بتصريحات تؤكد على المضي بانعقاد "اجتماع حضرموت"، قائلاً إن "اجتماع المجلس الانتقالي الجنوبي في المكلا قائم، ووجود بعض الأعضاء في الخارج لن يلغيه أبداً"، وإنما "قد يؤجل لبضعة أيام ليتسنى الاجتماع بكامل الأعضاء". وقال بن بريك إن "من يظن أن هناك من يستطيع إلغاء المجلس الانتقالي الجنوبي فهو يُمنّي نفسه أماني إبليس، فالمجلس بإرادة شعب الجنوب فليلغ وجود شعب الجنوب أولاً".
وكان محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، أعلن في الـ11 من مايو/ أيار المنصرم، عن تأسيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، برئاسته، ليقوم المجلس بمهام إدارة وتمثيل المناطق الجنوبية لليمن، وأعلن المجلس المدعوم بقوة من أبوظبي أنه يسعى لإقامة دولة "الجنوب العربي"، كمسمى جديد لكيان يضم المحافظات التي كانت منضوية تحت الشطر الجنوبي لليمن قبل توحيد البلاد عام 1990.
وعقب الإعلان عن المجلس، بيوم واحد، غادر الزبيدي ونائبه هاني بن بريك، إلى السعودية، في خطوة قيل عنها لـ"احتواء" أزمة المجلس، الذي يشكل من أحد زواياه انقلاباً ثانياً على الحكومة الشرعية المدعومة من الرياض، بعد الانقلاب الذي واجهته في صنعاء قبل ما يزيد عن عامين، من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائها من الموالين لعلي عبدالله صالح. وعلى الرغم من حديث مسؤولي الحكومة الشرعية عن "احتواء" ما جرى، خلال الاجتماعات بالرياض، إلا أن رموز المجلس لا يزالون يتمسكون بالمطالب ذاتها.
بعد أسبوع قضاه الرجلان الأول والثاني في المجلس الجنوبي بالعاصمة السعودية، انتقل الرجلان إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، التي توصف بأنها الداعم الأول لـ"المجلس الجنوبي"، وفي أبوظبي طالت رحلتا الزبيدي وبن بريك لأسابيع، وقام الأول بزيارة غير معلنة إلى العاصمة المصرية القاهرة، ومنها عاد إلى أبوظبي. وفي الأخيرة أظهرت صور لقاءات جمعت الزبيدي وبن بريك بمسؤولين إماراتيين، بمن فيهم محمد بن زايد.
ونظراً لطول فترة الزيارة الخارجية التي مضى شهر على بدئها، بدا المشهد رمادياً، في ظل ما يحيط باللقاءات والكواليس التي تمت وتتم في أبوظبي. وعلمت "العربي الجديد"، من مصادر قريبة من المجلس الانتقالي، أنه كان من المقرر أن تعود قيادات المجلس لعقد اجتماع بكامل أعضائه، أوائل شهر رمضان، إلا أنه تأجل حتى الإعلان عن عقد اجتماع حضرموت المرتقب، والذي سيكون محطة تجيب على العديد من التساؤلات الخاصة بمستقبل اليمن ككل والجنوب والشرق على وجه خاص.