استباحة ترامب للقدس: استخفاف مهين بمنطقة مكشوفة

07 ديسمبر 2017
السياسة عند ترامب صفقة(Getty)
+ الخط -

اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، لوى عنق الحق ليبرر استباحة تاريخية فاقعة. أقدم على خطوة تهيّبتها الإدارات الأميركية المتعاقبة بالرغم من احتضانها إسرائيل، منذ سبعين عاماً. تجاهل بصورة متعسفة أن هذه المدينة هي عصب القضية ومفتاح السلام المطلوب وبما لا يجيز المس بوضعها طالما بقيت موضع نزاع وعدم توافق بشأنها. كما تجاهل تحذيرات نخب السياسة الخارجية، وحتى بعض الوزراء مثل وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، واختار النزول عند رغبة اليمين المحافظ المتزمت مثل مستشاره السابق ستيف بانون والمتبرع الكبير لحملته الانتخابية، الملياردير اليهودي الأميركي الليكودي النزعة، شيلدون أديلسون، وأمثاله مثل السفير الأميركي في إسرائيل دافيد فريدمان.

بذلك؛ أكّد الرئيس الأميركي أنّ الخصوصيات والحساسيات وحتى الاعتبارات الجيو- سياسية لا مكان لها في قاموسه. السياسة عنده صفقة، وفرصة للتمايز من دون حساب للتداعيات والعواقب. فهو دوماً متعطش لعمل شيء فريد من نوعه، فقط ليقال عنه بأنه اقتحامي متمايز، خاصة وأنه لم يقم حتى الآن وبعد مرور حوالي سنة على رئاسته، بتحقيق أي إنجاز وازن. ويبدو أن ما شجعه على الحسم هو حصوله على أضواء خضراء من "شركاء وحلفاء وأصدقاء تشاورنا معهم مسبقاً"، كما قال وزير الخارجية ريكس تيلرسون. غمز واضح من زاوية عواصم في المنطقة.




في كلمته التي ألقاها، أمس الأربعاء، من البيت الأبيض، والتي استغرقت حوالي عشر دقائق، زعم ترامب أنه بهذا الاعتراف يفي بوعد انتخابي، وهذا كلام لا أساس له، لأنه ولا واحد من وعوده الانتخابية الداخلية أو الخارجية استطاع الوفاء به لأنه وجد معارضة مانعة تقف في طريقه، باستثناء انسحابه من اتفاقيات دولية. لكن في قصة القدس وجد ترامب الساحة خالية من الاعتراض المكْلف، فالوضع العربي في غيبوبة، أو في أحسن أحواله قابلٌ بعضه للتأقلم إن لم يكن أكثر.

كذلك حاول الرئيس وضع خطوته في إطار اعتيادي، من زاوية أنها اعتراف بما هو قائم على الأرض، حيث إن القدس هي مقر المؤسسات الرسمية الإسرائيلية. هي كذلك عنوة وخلافاً لقرارات وإجماع دوليين من أجل خلق أمر واقع جاء رئيس مثل ترامب واعترف به بمبررات ملتوية.

كما زعم الرئيس أن اعترافه جاء كتعبير عن رغبة في تجريب غير المجرب الفاشل، لكن غير المجرب هذا لا يقل عن تبني شعار إسرائيل بأن هناك قدسا واحدة وعاصمتها الأبدية، وإلا لكان على الرئيس في أقله التوضيح بأن السفارة الأميركية سيكون مقرها في القدس الغربية، بحيث ينطوي ذلك على تمييز الشق الشرقي الذي ضمته إسرائيل بعد حرب 1967 وغير المعترف به لا من واشنطن ولا من المجتمع الدولي.

ليس ذلك فحسب، بل إن ترامب جدّد عملياً عدم التزام إدارته بحل الدولتين. ترك هذا الأمر لأصحاب العلاقة. "إذا توافقا على هذه الصيغة ندعمها"، كما قال. أمّا هو فلا يتبناها أو يدعو إلى اعتمادها. تركها على همة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو و"حماسته" المعروفة لها. وكأن الرئيس ومعاونيه لا علم لهم بأن إسرائيل قتلت هذه الصيغة من خلال تحويل المفاوضات إلى مماحكات وتعجيزات، منذ أوسلو قبل عقدين ونصف من الزمن.

بعد ذلك كله يزعم ترامب بأن خطوته لا تشكل مغادرة للسعي نحو السلام، بل هو "على ثقة بالتوصل إلى سلام". نسف الرجل احتمالات التسوية وفي الوقت ذاته يتحدث عن إمكانية تحقيقها.

قرار الاعتراف أثار من الذهول والصدمة حتى في واشنطن بمقدار ما انطوى عليه من التحدي المكشوف لمنطقة أكثر انكشافاً وإفلاساً.