وربما يكشف التدخّل الإيراني أيضاً صعوبة الوضع العسكري للحوثيين، الذين في حال خسروا مدينة الحديدة، فإنهم سيصبحون مهددين في صنعاء بالذات. لكن حتى الآن، وبعد 10 أيام من الحرب المكثفة التي يقودها التحالف السعودي ــ الإماراتي، لا تبدو الظروف مريحة بالنسبة للقوات المهاجمة لجهة قدرتها على اقتحام المدينة مقارنة مع شراسة القتال التي يُظهرها الحوثيون حتى في المعارك خارج أسوار المدينة. وبدا المطار أمس خارجاً عملياً عن سيطرة الحوثيين، رغم الأنباء المتضاربة في شأنه ورغم النفي المتكرر من قبل الحوثيين لخسارته. وقال المتحدث باسم جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في اليمن، محمد عبدالسلام، أمس، إن "التصعيد العسكري الأخير للتحالف وقوات الشرعية في الساحل فشل فشلاً ذريعاً". لكن في المقابل، عززت قوات التحالف السعودي ــ الإماراتي روايتها عن السيطرة على مطار الحديدة (10 كيلومترات جنوبي المدينة)، بتسجيلات مصورة تؤكد انتشار الجنود الخليجيين واليمنيين التابعين للشرعية في حرمه، في مقابل ارتباك إعلامي يمني في هذا الخصوص.
وأفاد سكان في الحديدة لـ"العربي الجديد"، أن النزوح مستمر للسكان من المدينة، على الرغم من تراجع وتيرة المعارك في الساعات الأخيرة، مع استمرارها على أكثر من جبهة عبر اشتباكات متقطعة وقصف مدفعي متبادل بين الطرفين. ووفقاً لمصادر متعددة، ركزت عمليات الشرعية في اليومين الأخيرين على تأمين مواقع تقدمت فيها الفترة الماضية، بما في ذلك، خطوط الإمداد في مديرية التحيتا، وقرية المنظر، جنوب الحديدة. وفي هذا السياق، أفاد سكان لـ"العربي الجديد"، أن "المعارك التي دارت في مطار الحديدة والمناطق القريبة منه، وما رافقها من غارات جوية بالعشرات، مثّلت مؤشراً رفع مخاوف سكان المدينة، من أن الحرب التي اكتوت بها مدن أخرى في البلاد، على مدى السنوات الثلاث الماضية، انتقل تهديدها إلى المدينة، وهذه المرة من خلال معركة، تُوصف بالمصيرية، إذ سعى فيها التحالف إلى تحقيق انتصار، من شأنه تغيير الموازين السياسية والعسكرية، وهو ما حاول الحوثيون إعاقته، بأكبر قدرٍ ممكن".
وقال قائد قوات التحالف في الساحل الغربي لليمن العميد الركن الإماراتي عبد السلام الشحي إنه "تم تحرير مطار الحديدة". وأضاف الشحي، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، أنه "تم تطهير المطار بالكامل والسيطرة عليه". من جهته، أكد مصدر عسكري في القوات الموالية للحكومة اليمنية لوكالة الصحافة الفرنسية السيطرة على المطار، معلناً عن انتقال المواجهات إلى شارع الكورنيش المؤدي إلى ميناء الحديدة على بعد نحو ثمانية كيلومترات. وبحسب المصدر ذاته، فإن الحوثيين تمركزوا وسط الأحياء الجنوبية والغربية في المدينة لمنع القوات الموالية للحكومة من التقدم نحو الميناء الاستراتيجي للمدينة الساحلية.
وبرزت خلال الأيام الماضية، استعدادات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، المسيطرة على المدينة، بوجه الحملة العسكرية لقوات الشرعية المدعومة من التحالف. فبعد أسابيع، من حشد الجماعة المسلحين الموالين لها من مختلف المحافظات وسحب بعض منهم، من جبهات أخرى، ونقلهم إلى الحديدة، شرعت الجماعة بحفر الخنادق في الشوارع، وتواصل الحشد في المدن، لتعزيز المعركة، وإطالة أمدها وإلحاق أكبر قدرٍ من الخسائر في صفوف قوات الشرعية والتحالف.
وخلال المعركة التي دارت في المطار، أظهر مسلحو الحوثي أكبر قدرٍ ممكن من الصمود في وجه العمليات العسكرية، واستخدام أساليب قتالية مختلفة، من استخدام مختلف الأسلحة، بدءاً من الألغام والعبوات الناسفة المزروعة بكميات كبيرة في جنوب المدينة، مروراً بالأسلحة المستخدمة الهجمات والاشتباكات المباشرة، ووصولاً إلى المدفعية والدبابات لقصف المناطق التي فقدتها في المطار، فضلاً عن استخدام طائرات مسيرة ملغومة، لاستهداف تجمعات قوات الشرعية، حسبما أعلنت الأخيرة. وأضافت الشرعية أنها "أحبطت الهجمات بالطائرات المسيّرة". مع العلم أن صعوبة المعركة، بمثابة أحد المؤشرات، التي تقود إلى فهم دوافع موقف الجماعة الرافض لتقديم تنازلات بالانسحاب الآمن من المدينة خلال الفترة الماضية.
وفيما تحدثت مصادر سياسية يمنية لـ"العربي الجديد"، عن "وجود ما يشبه المهلة، من قبل الأطراف الدولية الفاعلة، كفرصة للحكومة والتحالف بتحقيق تقدم حاسمٍ خلال أسابيع في الحديدة، إلى جانب وعود مقدمة من التحالف بتنفيذ خطة محكمة، تقلل التهديد المحتمل على المدنيين وعلى الإمدادات عبر الميناء"، سعى الحوثيون في المقابل، جاهدين، لإثبات أنهم قادرون، على الوقوف بوجه أي حملة من هذا النوع، وأن الآثار قد تكون على السكان في الحديدة ومناطق الساحل الغربي عموماً. وهو المضمون الذي حاول زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، يوم الأربعاء الماضي، التلميح إليه، عندما قال إن "تهامة ستتحول إلى مستنقع للعدوان"، في إشارة إلى قوات الحكومة والتحالف في الساحل الغربي. وهو ما يعني أن جماعته، لا تمانع فقدان السيطرة على الحديدة، كمورد مالي ومنفذ بحري وحيد، ولكنها ليست مستعدة للتنازل عن المعركة وعن رغبتها بتأكيد أنها قادرة على إلحاق أكبر قدر من الخسائر. وهو الموقف الذي تنبع دوافعه من العديد من الحسابات، بما فيها الخوف، من أن تسليم الحديدة، يجعل المحطة التالية للمعارك، باتجاه معاقل نفوذ الجماعة من صعدة وحتى صنعاء.
إلى ذلك، حرص الحوثي، في خطابه الأخير، على التأكيد أن "تهامة" وليس "الساحل الغربي"، لا تزال بأغلب مناطقها خاضعة لسيطرة الموالين له، علماً أن "تهامة" هي التسمية التي تطلق على السهل الساحلي اليمني الذي يمتد من الحديدة إلى محافظة حجة على حدود السعودية (وتاريخياً مدن سعودية تعد جزءاً طبيعياً من مناطق تهامة). ومع واقع بقاء أغلب مناطق الحديدة، كأبرز محافظات الساحل اليمني وتهامة عموماً، خاضعة لسيطرة الحوثيين، إلا أن الشريط الساحلي على الأقل، من باب المندب وحتى الأطراف الجنوبية للحديدة، ومن الطرف الآخر، منطقة ميدي في محافظة حجة، فقد الحوثيون السيطرة فيها. وفقدان السيطرة على الميناء، إذا ما تمت، من المرجح أن تؤثر على مدى قدرة الحوثيين على الاحتفاظ بباقي مناطق المحافظة، والساحل بشكل عام.
من زاوية أخرى، عززت المعطيات الأخيرة، وأبرزها فشل جهود المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، في زيارته الأيام الماضية لصنعاء، بإقناع الحوثيين بالانسحاب الآمن من المدينة، وما أعقبها من مؤشرات ميدانية على معركة صعبة في الحديدة، استعد لها الحوثيون بخنادق في الشوارع الرئيسية، المخاوف، من أن "المدينة ستتحول إلى ساحة حرب"، على غرار المدن، التي تركت فيها المعارك أضراراً بالغة، وأبرزها تعز المتضررة حتى الآن، وقبلها مدينة عدن، التي ما تزال تعاني آثار الانهيار الأمني والخدمي الذي رافق أشهر المواجهات خلال عام 2015.
ومن المتوقع أن تسعى قوات الشرعية بدعم من التحالف في الأيام المقبلة، إلى تحقيق المزيد من التقدم الميداني، الذي قد يحمل مفاجآت عسكرية، يعد بها متحدثون في هذه القوات، بتصريحات متفرقة. كما أن مسار المعارك في الأيام المقبلة، يمكن أن تتحدد على ضوئه معطيات جديدة على مسار المعركة، إذ تقول مصادر في قوات الشرعية، إنها "تسعى إلى إحكام السيطرة بأطراف المدينة بما فيها طريق صنعاء، عقب المطار"، وذلك في مقابل استعداد الحوثيين، لاستدراجها إلى حرب شوارع، على أن فاعلية خيارات كل طرف عسكرياً، وتأثيرها على المدينة، جميعها تعتمد، على ما ستؤول إليه معارك ما بعد المطار.