كان من الممكن لتومسون ووونغ ولايغ، انتظار جائحة فيروس كورونا المستجد، لإضافة قطاع إدارة الكوارث العالمية، لدى تشريح سلوك الرئيس في التعامل مع الأزمات التي تأخذ بعداً وطنياً (بخلاف حرائق كاليفورنيا مثلاً)، وهو سلوك ليس معروفاً ما إذا كان أوقع ترامب في فخّ النظام الفدرالي، أم أن هذا النظام هو الذي سقط في فخّ الرئيس. في يوميات كورونا في الدولة العظمى، التي كان يتوقع حكام أوروبا والعالم السير خلفها في إدارة وباء عالمي، لا تزال الفوضى سيّدة الموقف، وإن كانت كلّ ولاية تسعى، وتنافس أخرى أحياناً، لتدبير أمورها بنفسها.
أما في الحسابات الانتخابية، فمن المؤكد أنّ الوباء فعل ما لم تستطع فعله أربع سنوات من "مطاردة الساحرات" الديمقراطية للرئيس الجمهوري. في صندوق الانتخاب، أو عبر البريد الإلكتروني، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو الموعد الذي لا يزال ثابتاً لإجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، قد يندم ترامب متأخراً على كيفيه إدارته للأزمة. حينها، لن يجديه وصف حاكمة واشنطن جاي إنسلي بـ"الأفعى"، أو تأليب المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن على حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، أو تودده لحاكم فلوريدا الجمهوري رون دي سانتيس، حتى وإن كانت شواطئ هذه الولاية ظلّت مفتوحة للرواد فيما الفيروس يتفشى، أو منع الأخير رسو سفينتين سياحيتين محملتين بالمرضى، لأنهما "لا تحملان فلوريديين".
سطوع نجم حُكّام الولايات، من كاليفورنيا إلى نيوجرسي وواشنطن، خلال تفشي كورونا، على حساب ترامب، لم يعد محلّ جدل، بعدما أفقد "فرادة" الرئيس الكثير من بريقها، وقد لا يكون الحكام من مؤيديه استثناءً في ذلك. وصرخ ترامب، يوم الإثنين: "أنا القائد"، في وجه حملةٍ شرسة يقول إن الإعلام المزيف يشّنها ضده خلال أزمة كورونا، مؤكداً أنه هو من يصدر الأمر الأخير بإنهاء الإغلاق وفتح الاقتصاد، والذي تعطل بفعل تفشي الوباء وليس حكام الولايات.
لكن، وفيما كان الرئيس يغرّد "الأمر لي" على "تويتر"، كان حُكّام الولايات الأميركية قد أنهوا اجتماعاتهم ونسّقوا وعقدوا مؤتمراتهم الصحافية، لبحث مسألة توقيت عودة مناطقهم إلى دورة الحياة الطبيعية. وحول مسار كل تلك الأزمة، التي لم تنته فصولها بعد، أبدى 75 في المائة من الأميركيين رضاهم عن أداء هؤلاء الحُكّام (مقابل 45 في المائة راضين عن أداء ترامب)، وهم يُقلّبون في رأسهم صوراً عن مستشفيات ومراكز إيواء فاضت بالمصابين، وتئن تحت وطأة انقطاع أجهزة التنفس، واختبارات الفحص، التي لم تؤمنها لهم "الحكومة، هناك، في واشنطن".
دقّ حكام الولايات الأميركية، مبكراً، جرس الإنذار في مواجهة تفشي الفيروس، فيما كانت واشنطن – ترامب لا تزال تعيش حالة نكران للأزمة. بدايةً، لمع حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، الذي تميّز بمهاجمة الرئيس في مؤتمراته الصحافية اليومية، والتي حصل من خلالها على مرتبة "نجمٍ تلفزيوني"، ومرشح محتمل للرئاسة، قالت أقلام صحافية إنه نموذج عن القيادة الجديدة التي يحتاجها الديمقراطيون. وللمناسبة، لم يكن أداء المنظومة الديمقراطية السياسية بمواجهة تفشي الفيروس، أفضل حالاً من أداء الرئيس. إذ فجأة، وكأن هناك في الكونغرس من "ضرب على رأسه"، مستعيداً مطالبات المرشح اليساري بيرني ساندرز بالطبابة للجميع. تكتب إميلي تامكين في موقع "ذي ستايتسمان"، أن "سؤال ماذا سيحصل إذا خسرت وظيفتك وفقدت فجأة تأمينك الصحي، لم يعد مجرد تمرين ثقافي للملايين، لكنه اتخذ اليوم بُعداً حقيقياً، وأكثر إلحاحاً على الصعيد الوطني". ولا يزال الجناح اليساري في الحزب، يحارب في مجلس النواب، لسنّ تشريعات هدفها تأمين الموارد المالية للأكثر حاجة، بعدما "تحولت التروما (الصدمة) إلى درسٍ حول ماذا تعني شبكة الأمان، وهو ما أراده ساندرز"، بحسب تامكين.
وعلى الرغم من أنّ الولايات وسُكّانها لم يكونوا قادرين، بمطلق الأحوال، على انتظار واشنطن العاصمة لإطلاق تغييرات وتشريعات تسهل الوصول إلى مزايا التقديمات الاجتماعية عند البطالة، أو تصدر أمراً بشأن العمل من المنزل، سارع الحكام والعمداء وكذلك الجامعات والمجتمع المدني في كلّ ولاية للتحرك سريعاً مع بداية الأزمة، ولو بشكل متفاوت، إلا أنّ سلوك ترامب ظلّ الأكثر نفوراً، لا سيما لجهة تأخره في إعلان وقف الرحلات الخارجية، ورفضه التعاون مع إرشادات وتقديمات منظمة الصحة العالمية. ووصلت الفضيحة إلى ذروتها، حين أمر الرئيس نائبه، مايك بنس، بعدم الرد على طلبات حكام الولايات، إذا "لم يمدحوك"، ثمّ توجه إليهم بالقول "أمنوا تجهيزاتكم بأنفسكم". وأبدى الكثير من الحكام ميلاً أحياناً لمهادنة الرئيس، معتبرين أن الظرف ليس للسجال، خشية انقطاع الدعم الفدرالي عنهم.
وعاد ترامب كثيراً خلال الأزمة، إلى الدستور الأميركي، مشيداً بمزاياه التي تُطلق العنان للولايات للمبادرة واتخاذ القرارات بمعزل عن واشنطن، في معرض تبريره للتأخر البيروقراطي في تلبية حاجاتها، ومسابقة مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل غايتس له مثلاً في تطويع عالم "التكنولوجيا" لخدمة كاليفورنيا، وغيرها من الولايات في إدارة الأزمة. لكن انتفاضة الرئيس الأخيرة في وجه النظام الفدرالي، فتحت الباب واسعاً أمام تشريح هذا النظام وفوائده، أو سلبياته. ومن ناحية تقنية، على الولايات أن تتفق لوضع مسؤوليها في أمرة التوجيه الفدرالي (إذا ما قرر ترامب إنهاء الإغلاق مثلاً)، ما يعني أن الولايات غير قابلة لأن تكون محكومة من واشنطن من دون موافقتها. لكن الكثير من الولايات تخشى أن يأتي إنهاء الإغلاق متسرعاً، وتنتظر تعليمات "علمية" في هذا المجال. وأكثر من ذلك، فإنّ هذه الولايات لم تعد مستعدة، أكثر من السابق، للسير بعماء خلف إدارة "ضعيفة". تقول حاكمة ولاية نيو مكسيكو، ميشال لوغان غريشام، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنّ "الحكومة الفدرالية تعيق قدرة الولايات على الاستجابة لتفشي الفيروس، وتخلق وضعاً تدفع فيه هذه الولايات للتنافس في ما بينها أحياناً للحصول على المعدات"، وذلك بعدما سرت أخبار عن أنّ ترامب كان يهدف إلى حرمان نيويورك من أجهزة التنفس لتخصيصها لفلوريدا، التي يحكمها جمهوري، أو حين تعاقد في بداية الأزمة مع شركات خاصة لتصنيع أقنعة واقية.
في يوليو/تموز 2018، كتب بيتر هاركنس في موقع "غافرنينغ" (Governing)، إن "عدد الدعاوى التي رفعتها الولايات ضد الحكومة الفدرالية تضاعف ثلاث مرات في عهد دونالد ترامب، من 13 في آخر كل سنتين من عهد باراك أوباما، إلى 37 في العام 2017". وفيما يقول إنه "من المتوافق عليه أن العملية الديمقراطية الحكومية في الولايات المتحدة تعيش انحداراً منذ أكثر من عقدين"، إلا أنّه يضيف أنّ "إدارة ترامب جعلتها تسقط في الهاوية سريعاً"، متحدثاً عن "ولايات وحكام محليين وشركات خاصة ومجتمع مدني يحاولون ملء الفراغ الذي يطبع المركز". ليختم بالقول إنها "الفدرالية المقبلة، فوضوية، غير منسجمة، وأميركية جداً". لكن ترامب وعد بـ"نظام جديد"، عند انتهاء كورونا، سيكون "حديث العالم". فهل تصل به الأمور للمس بالدستور؟